أمريكا «العالم الثالث»

الصراع بين «ترامب» و«بايدن» على هامش مقتل الشاب الأمريكى الأسود جورج فلويد قدم لنا صورة شديدة الإثارة للولايات المتحدة، التى بدت وكأنها واحدة من دول العالم الثالث. ليست تلك هى المرة الأولى التى يلقى فيها واحد من الأمريكان السود مصرعه على يد رجل شرطة، فهناك إحصائية تقول إن عدد السود الذين قُتلوا على يد رجال شرطة عام 2019 يبلغ 1014 شخصاً. الفارق هذه المرة أن أمريكا تعيش أجواء الانتخابات الرئاسية القادمة، وربما كان ذلك هو السبب فى سيطرة هذه الحالة على الصراع بين «ترامب» و«بادين».

«ترامب» الجالس على عرش البيت الأبيض ويطمح للفوز بمدة رئاسة ثانية فى الانتخابات القادمة أدى وكأنه يحكم دولة من دول العالم الثالث، فعبَّر عن استيائه ووصف الحادثة بـ«الدنيئة المفجعة»، وأضاف أنه يتفهم ألم عائلة «جورج» وأكد حقهم فى العدالة. حديث «ترامب» عن العدالة ربما جاء فى سياق الرد على ما صرخ به المتظاهرون بالتشكك فى محاكمة عادلة لقاتل «فلويد» ومن ساعدوه على هذا الفعل، خصوصاً فى ظل ما تردد على ألسنة مسئولين أمريكيين من أن الجريمة تم توصيفها مبدئياً فى فئة القتل من الدرجة الثالثة و«القتل الخطأ»!. الأطرف من ذلك أن «ترامب» بعد أن راضى عائلة القتيل بكلمتين توجه إلى المتظاهرين الغاضبين برسالة تهديد باللجوء للقوة فى مواجهة أى أعمال شغب. والمتظاهرون من ناحيتهم ردوا بالإصرار على مواصلة التخريب ومواجهة فوضى العنصرية وغياب العدالة -من وجهة نظرهم- بفوضى أشد فى الشارع، بل وتوسعت دائرة الاحتجاجات أكثر وأكثر وانتقلت من مينيابوليس إلى أماكن أخرى.

على الضفة الأخرى هرول «جو بايدن» المنافس المحتمل لـ«ترامب» فى انتخابات الرئاسة القادمة إلى أسرة «فلويد»، وانخرط فى مرثية كلامية لجورج فلويد، وأخذ يحكى لأسرته عن فقده هو الآخر لابنه قبل 5 سنوات، ووصف لهم الطريقة التى يمكن أن يعيشوا بها مع ذكرى «فلويد». انطلق «بايدن» بعد ذلك إلى الحديث عن أوضاع الشرطة الأمريكية ونادى بإصلاحها، بعد أن أصبحت بعافية. ودعا الأمريكيين إلى مواجهة الظلم العنصرى الذى يهدد بالعصف بكيان الأمة، وقال إن الوقت قد حان «لإلقاء نظرة فاحصة على الحقائق غير المريحة». بدا «بايدن» وكأنه معارض بإحدى دول العالم الثالث يسارع إلى ركوب الموجة الشعبية الغاضبة بسبب مقتل مواطن واستغلالها انتخابياً، واستخدام تعابير الشارع فى محاولة لدغدغة مشاعر الجمهور وتحقيق نقطة فى سباق المنافسة الانتخابية القادمة.

المشهد الذى غزله كل من «ترامب وبايدن» على هامش مقتل «جورج فلويد» يشير إلى أن الأداء السياسى الأمريكى أصبح لا يبتعد كثيراً عن نظيره فى دول العالم الثالث. ودعنى أكرر لك أن السر فى ذلك هو الشعبوية التى أصبحت سمة من سمات العصر الذى نعيش فى ظلاله منذ عام 2016، وانفجار الحالة الشعبوية فى الشرق والغرب بهذه الطريقة يؤشر إلى أنها ظاهرة فقاعية، أو بعبارة أخرى لن تعيش طويلاً، وأنها إن لم تتحلل بفعل الأداء السياسى الكاريكاتورى، فقد تكون من ضمن ضحايا «كورونا».