أمل دنقل.. 37 عاما على وفاة الجنوبي شاعر النضال ومؤلف "لا تصالح"

أمل دنقل.. 37 عاما على وفاة الجنوبي شاعر النضال ومؤلف "لا تصالح"
"لا تصالحْ.. ولو منحوك الذهب.. أترى حين أفقأ عينيك.. ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى"، مطلع قصيدة ارتبطت باسم مؤلفها، فصارا قطعة واحدة، لا تتجزأ، إذ بمجرد ذكر القصيدة الشهيرة، يتبادر لذهنك اسم أمل دنقل الشاعر المصري المعروف بنزعته القومية العروبية.
ولد دنقل، في أسرة صعيدية في عام 1940 بقرية القلعة، مركز قفط بمحافظة قنا في صعيد مصر، وتوفي في مثل هذا اليوم 21 مايو عام 1983م عن عمر ناهز 43 سنة، وتزوج من الصحفية عبلة الرويني.
وبمطالعة السيرة الذاتية للشاعر الراحل، يتبين أن والده كان عالماً من علماء الأزهر الشريف، ما أثر في شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح، كما سمي أمل دنقل بهذا الاسم، لانه ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على إجازة العالمية فسماه باسم أمل تيمنا بالنجاح الذي حققه.
ورث أمل دنقل عن والده موهبة الشعر، فقد كان يكتب الشعر العمودي، وأيضاً كان يمتلك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي مما أثر كثيراً في أمل دنقل وساهم في تكوين اللبنة الأولى لهذا الأديب، فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره مما أثر عليه كثيراً واكسبه مسحة من الحزن ظهرت في أشعاره.
ذهب أمل دنقل إلى القاهرة، بعد أن أنهى دراسته الثانوية في قنا، وفي القاهرة التحق بكلية الآداب، لكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول، لكي يعمل موظفاً بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية، ثم بعد ذلك موظفاً في منظمة التضامن الأفروآسيوي، ولكنه كان دائماً ما يترك العمل، وينصرف إلى كتابة الشعر.
استوحى أمل دنقل قصائده، من رموز التراث العربي، وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانية خاصة، وقد عاصر امل دنقل عصر أحلام العروبة والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل نفسيته وقد صدم ككل المصريين بانكسار مصر في عام 1967 وعبر عن صدمته في رائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ومجموعته "تعليق على ما حدث ".
شاهد أمل دنقل بعينيه النصر، وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة السلام، ووقتها أطلق رائعته "لا تصالح" والتي عبر فيها عن كل ما جال بخاطر كل المصريين، وقد ظهر تأثير تلك المعاهدة وأحداث شهر يناير عام 1977م في مجموعته "العهد الآتي"، وكان موقفه هذا سبباً في اصطدامه في الكثير من المرات بالسلطات المصرية وخاصة ان أشعاره كانت تقال في المظاهرات على ألسن الآلاف.
عبر أمل دنقل عن مصر وصعيدها وناسها، ونجد هذا واضحاً في قصيدته "الجنوبي" في آخر مجموعة شعرية له "أوراق الغرفة 8"، حيث عرف القارئ العربي شعره من خلال ديوانه الأول "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" الصادر عام 1969 الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 وأكد ارتباطه العميق بوعي القارئ ووجدانه.
صدرت له ست مجموعات شعرية هي: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة، بيروت 1969، تعليق على ما حدث، بيروت 1971، مقتل القمر، بيروت 1974، العهد الآتي، بيروت 1975، أقوال جديدة عن حرب بسوس، القاهرة 1983، أوراق الغرفة 8، القاهرة 1983، اجازة فوق شاطئ البحر".
أصيب امل دنقل بالسرطان، وعانى منه لمدة تقرب من ثلاث سنوات وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته "أوراق الغرفة 8" وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام والذي قضى فيه ما يقارب الأربع سنوات، وقد عبرت قصيدته السرير عن آخر لحظاته ومعاناته، وهناك أيضاً قصيدته "ضد من" التي تتناول هذا الجانب، والجدير بالذكر أن آخر قصيدة كتبها دنقل هي "الجنوبي".
كانت آخر لحظاته في الحياة برفقة د.جابر عصفور وعبد الرحمن الأبنودي صديق عمره، مستمعاً إلى إحدى الأغاني الصعيدية القديمة، أراد أن تتم دفنته على نفقته لكن أهله تكفلوا بها.