طبيب بعزل بلطيم: بكيت لحظة استقبال 3 شقيقات

كتب: سمر عبد الرحمن

طبيب بعزل بلطيم: بكيت لحظة استقبال 3 شقيقات

طبيب بعزل بلطيم: بكيت لحظة استقبال 3 شقيقات

فى التاسعة من مساء الثاني من إبريل الجاري، بينما كان الطبيب الشاب أحمد فتحي الغنام، البالغ من العمر 32 عاما، وأخصائي العناية المركزة والباطنة بمستشفى كفر الشيخ العام، يداعب طفله فى هدوء وسكينة، يحكي له القصص من أجل أن يخلد فى النوم، دق هاتفه، وإذ بأستاذه الدكتور محمد كمال سلامة، أستاذ القلب بكلية الطب، هو المتصل، رجف قلب الطبيب، وتوقع أن هذه المرة غير كل المرات التى يهاتفه فيها أستاذه.

شعر بأن مهمة كبيرة فى انتظاره منذ بداية الحديث، مكالمة مدتها دقائق معدودة، انتهت بقوله: "موافق على الانضمام لأول فريق طبي يتولى مهمة علاج مصابى الوباء العالمى الجائح فيروس كورونا المستجد، بأول مستشفى عزل فى كفر الشيخ والواقع بمدينة بلطيم".

انتهت المكالمة الهاتفية، وبدأت مهمته الأولى فى سرد التفاصيل لزوجته الدكتورة مروة محمد فؤاد المالح، أخصائي الحميات والأمراض المعدية بمستشفى حميات كفرالشيخ، لتتفاجئ وتتأثر، وتراودها أسئلة كثيرة، أولها من سيكون مع طفلها يوسف، البالغ من العمر 3 أعوام ونصف، حينما تتركه ووالده؟ لكنها سرعان ما أدركت أن مهمة زوجها، أهم من أى تساؤلات فى هذا التوقيت الحرج.

دعمته وشدت من آزره، وبدأت فى تجهيز حقيبته، فبعد أقل من 12 ساعة، سيكون الطبيب بين زملاءه متوجهين لبدء مهمتهم الرسمية الوطنية، انتهت الليلة وكأنها ساعات ثقال، إلى أن جاء وقت الوداع، بكت الزوجة والطفل، فتأثر الطبيب، لكنه تسلح بدعواتها وأسرته وتركهم فى رعاية الله.

يروى الطبيب الشاب، الذى تخرج فى كلية الطب بجامعة القاهرة عام 2012، حكاية 14 يوما، قضاهم مع المرضى بين جدران المستشفى، مرتديا ملابسه الواقية ومتسلحا بدعوات زوجته وأسرته، ودعوات المرضى الذين رافقهم خلال هذه المدة.

وقال: "لبيت النداء فوراً واعتبرت ان المهمة دى استدعاء رسمى ولازم ألبي النداء بلا أدنى تردد، دا واجبي ورسالتي ومينفعش أتخلى عنها مهما حدث، وصلت بلطيم، وفى البداية شعرت بالخوف والرهبة، لكن لاننا متعودين على التعامل مع الحالات الحرجة، سريعا ما كسرت الخوف وبدأت أجهز أنا وزملائى المستشفى، وفى اليوم التانى، كان استقبال أول فوج من المصابين، بدأنا نطمنهم ونرفع شعار دعمهم نفسياً قبل العلاج".

بطل فى الجيش الأبيض: شعاري دعم المرضى نفسيا قبل العلاج.. وسعدت بتعافي البعض

إرتداء الملابس الواقية لساعات طويلة، أمر لم يتعود عليه الطبيب من قبل، بالرغم من عمله فى غرف العناية المركزة، إلا أن ذاك الرداء، كان مختلفا، يخفى خلفه الإبتسامات والدموع أيضا، لكنه كان يضحك بصوت مسموع، حتى يطمئن المرضى، "لبس البدل الواقية والأقنعة والكزلك حاجة صعبة، مفيش حاجة من أجزاء جسمنا ظاهرة، بنخفى خلف اللبس ده دموعنا لحظات استقبال حالات صعبة، وابتسامتنا فى وجوه المرضى، علشان كدة، كنا بنضحك بصوت عالى، علشان نطمنهم، الناس جاءت وتركت ذويهم فى أماكن مختلفة بمحافظات مصر، محتاجين اللى يطبطب عليهم ويطمنهم، ودى مهمتنا الأولى، والحمد لله نجحنا فى ده".

طبيب بعزل بلطيم: "بكيت لحظة استقبال 3 شقيقات.. وطلبن الإقامة فى غرفة واحدة"

وعن أصعب المواقف التى مر بها الطبيب خلال رحلته يقول: "بكيت لحظة استقبال 3 شقيقات فى عربية إسعاف واحدة، كنا آذان الفجر، وبلغونا إن فى 3 فتيات اعمارهن 17، 20، و21 عاما من مدينة السلام فى محافظة الدقهلية، وأنهن مصابات، طلعت أجرى ولقيت البنات بتبكى، بكيت فى اللحظة اللى استقبلتهم فيها، وترجونى الإقامة فى غرفة واحدة، تأثرت وبحثت الأمر سريعا مع مدير المستشفى، لأن ده هيبقى ليه آثر نفسى كتير فى رحلة علاجهن، وقدرنا نوفر عنبر به 3آسرة ليهم التلاتة".

الطبيب: "كنت حلقة وصل بين أب وبناته الثلاث المصابين" 

وأضاف: "بعدها بيومين، استقبلنا والدهن، كان فى حالة انهيار لكنه مطمن لوجود بناته، حاول يكون معاهم لكن مقدرناش، كان فى طابق وهن فى آخر ، علشان كدة كنا لازم نطمنه عليهن، تخيل البنات فى دور وأبوهم محجوز فى دور فوقهم ومش عار فين يشوفوا بعض، دا موقف صعب أوى، كنت حلقة وصل ما بينهم ،ودعواتهم دعمتنى نفسياً وكنت دايماً أطمنهم".

الغنام: تأثرت ببكاء زوجتي وطفلي لكن واجبي الوطني أهم.. ودعوات المرضى دعمتنا

يتابع بطل الجيش الأبيض: "أنا تركت خلفي أيضا ولدي وقرة عيني وفلذة كبدي، علشان أكون في الصفوف الأمامية، والخطوط الدفاعية للدفاع عن أهلي وإخواني من المرضى، وتركت عملي الخاص والعام، والعيادات الخاصة وكل حياتي، دفاعا عن حياتي وأهلي، وتآثرت ببكاء زوجتى وطفلي، لكن واجبى الوطنى كان أهم، كنت بكلمهم كل يوم فيديو كول على مواقع التواصل الإجتماعى، وأحيانا كان ضعف الشبكة، بيكون حائل مابينا، وسعدت بتعافى البعض وبكيت لوفاة آخرين، لكن أنا بقول إننا هنتصر على الوباء".

 


مواضيع متعلقة