استشاري طب نفسي بلندن في حواره لـ"الوطن": الشعب البريطاني يفضل الصراحة الصادمة

استشاري طب نفسي بلندن في حواره لـ"الوطن": الشعب البريطاني يفضل الصراحة الصادمة
- كورونا
- فيروس كورونا
- الصحة النفسية
- لندن
- جونسون
- الأمير تشارلز
- الشعب البريطاني
- تأثير مورونا النفسي
- كورونا
- فيروس كورونا
- الصحة النفسية
- لندن
- جونسون
- الأمير تشارلز
- الشعب البريطاني
- تأثير مورونا النفسي
بعد أن تفشى فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" في العالم أجمع، سبب أزمات لكبرى الدول قبل الدول النامية، حتى طال الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني، ثم وصل إلى بوريس جونسون رئيس الحكومة بالمملكة المتحدة، الذي عُرف بتصريحاته الصادمة عن ذلك.. هذا ما يفسره الدكتور هاني شعيب، استشاري الطب النفسي في المملكة المتحدة، في حواره لـ"الوطن"، حيث تحدث عن تأثير لندن بتلك الأزمة الحالية، ومقارنة الأوضاع النفسية الإنجليزية مع المصرية.
الدكتور هانى شعيب، من مواليد القاهرة، وتخرج في كلية الطب بجامعة عين شمس عام 1973، ثم انتقل إلى العمل فى بريطانيا منذ أواخر السبعينيات، حيث تلقى تدريبه الأساسي فى الطب النفسي بجامعة أكسفورد ولندن وحصل على درجتى العضوية والزمالة الفخرية للكلية الملكية للطب النفسي فى المملكة المتحدة، وعمل لسنوات كأستاذ مشارك للطب النفسي الإكلينيكى بجامعة لندن، وتولى منصب المدير الطبى والمدير الإكلينيكى لعدد من المؤسسات والمراكز الطبية بالمملكة المتحدة، وهو حاليا كبير الاستشاريين ورئيس قسم الطب النفسي بمستشفى سارى الملكى Royal Surrey County Hospital في جنوب لندن.
وقدم شعيب عدة نصائح هامة لتحسين الحالة النفسية في مواجهة كورونا مع استمرار مدد العزل المنزلي، منها ضرورة تنظيم روتين والاعتماد على بعض الأنشطة المساعدة على السيطرة على القلق العام وتحفيز الطاقة الإيجابية، وأهمية تداول المعلومات الصحيحة، وتقوية الجهاز المناعي النفسي.
وإلى نص الحوار:
- "القادم أسوأ" و"الأيام المقبلة سوداء".. تصريحات عديدة لجونسون صنفها البعض بالصادمة، فبم تفسر ذلك؟
الشعب البريطاني بطبيعته ليس عاطفيا، فهو محب للصراحة المطلقة حتى لو كانت موجعة، ففي مجال الطب ببريطانيا لا يصح على الإطلاق إخفاء أي أمر عن المريض، فهو يعرض الطبيب لشطبه من جدول الممارسة الطبية، اتباعا للقاعدة الثقافية والقانونية والاجتماعية بأهمية الصراحة لو كانت بأسوأ الأخبار فهي مطلوبة.
وما أقدم عليه جونسون يتفق تمام مع الشعب البريطاني والمتلقين هنا، وتفسيرها أن الشعب صدقه وتعامل مع الموقف بشكل واقعي جدا، وهو أمر طبيعي وإيجابي نتج عنه تعاون المجتمع الإنجليزي مع الحكومة بنسبة تصل إلى 95%، وهو أمر نسبي ممكن يختلف بين دول العالم.
- بعد إصابة جونسون والأمير تشارلز.. كيف تلقى الشعب البريطاني ذلك؟
بالتأكيد تأثروا بشدة، حيث أثبت ذلك أنه لا يوجد أحد محصن من الفيروس، وهو ما أحدث نوعا من رفع الوعي لدى الشعب والرغبة في التضامن والتقارب، لشعورهم بأن الجميع بداخل الأزمة نفسها، فلا يوجد استثناء لأحد أو طبقة محمية منه.
والتساؤل الوحيد كان عن إجراء الاختبار الذي خضع له جونسون، بينما كان يعاني من ارتفاع درجة حرارة فقط، والاختبار لا يتم إجراؤه لتلك الحالات فهو مكلف وغير متوافر للجميع، وكان الرد أنه "رئيس الوزراء" الذي يعتبر من أصحاب المسؤوليات الهامة بالبلاد، وقد تقبل الجميع هذا الأمر بصفة استثنائية.
استشاري الطب النفسي: البريطانيون تأثروا بشدة بإصابة تشارلز وجونسون
- ماذا عن أبرز سمات الشعب البريطاني نفسه، وكيف تأثرت نفسيته بكورونا؟
الانطباع عن الشعب البريطاني هو أنهم متحفظون بالمشاعر نوعا ما، بمعنى أن الفرح نسبيا منخفض، والحزن مكتوم، وهو ما لا يعني أنهم لا يفرحون أو يحزنون ولكنها بنسبة إظهار منخفضة مقارنة بالشعب المصري، فمثلا: الفرحة لدينا بالنجاح في الثانوية العامة تصل للجميع والمباركة والزغاريد، بينما في بريطانيا الموضوع بيكتفي بقول جيد جدا أو مبروك، وهو نفسه بحالات الوفاة مثلا فممكن يقتصر على دموع بسيطة بين المقربين فقط.
كما يتسم أيضا بالجدية، فيصدق البريطانيين جميع ما يقال لهم، ولا يوجد احتمال للمبالغة في الحديث، فيؤخذ ما يقوله الآخر على ظواهره، وثالثا هي الدقة في اختيار الكلمات، فلا يوجود إصراف في المواقف بين الوعود والرفض "يعني لو مش قادر يعمل حاجة هيقول مش هعمل".
ورابع الملامح العامة للشخصية البريطانية هي وجود درجة من الاستقلال الأسري، بخلاف الالتحام الشديد بعد الزواج بين الأفراد مثلما هو معتاد بمصر، ولكن هنا يوجد تواصل وتقارب بين أفراد العائلة ولكن بحدود.
- في ظل انتشار كورونا.. كيف انعكست آثار الفيروس على نفسية البشر بالعالم؟
حتى الآن النتيجة النهائية غير معروفة للعالم أجمع، كون الأزمة مازالت آنية ومستمرة، حيث يسيطر على الجميع مشاعر من التوتر والخوف والقلق والأمل، ولكن يمكن توقع أن الفيروس سيهز بعض العادات والمفاهيم، منها فكرة التباعد الجماعي، والتي غيرت من القرب الإنساني بالمعنى الجسدي.
المعتاد في الحالات بين الفرح والحزن أن الإنسان يركض نحو الآخر لاحتضانه ودعمه، بعادات الاحتضان والتقبيل ومسح الرأس والاحتواء الجسدى والبكاء والمشاركة فى الطعام والشراب، ولكن باتت كل هذه التصرفات والتفاعلات الإنسانية مكروهة بل ومحرمة فى حالة كورونا، وهكذا يجد الإنسان نفسه معزولا جسديا ومكانيا عن بني البشر، ما يزيد من مشاعر التوجس والخوف والعزلة والوحدة، ويستوجب جهدا إنسانيا كبيرا، بينما يقلله التكنولوجيا الحديثة، وهو موقف لا مثيل له قبل هذا بالتاريخ المعاصر، وبعد تجاوز الأزمة ستولد سمات جديدة بالإنسان. والآثار النفسية بعيدة المدى لكورونا يمكن التنبؤ ببعضها إلا أن التقييم العلمى السليم يستوجب دراسات عالية مازالت جارية.
- بالنسبة لمصر، هل توجد أسباب نفسية وراء عدم التزام المواطنين بقواعد حظر التجوال؟
يرجع ذلك لعدة أسباب، فهو ليس قاصرا على الناحية النفسية فقط، ولم يحدث ذلك الخرق في مصر فقط وإنما ببريطانيا أيضا، ولكن بدرجة أقل واحتاج لفترة معينة لحين الالتزام الكامل، بخاصة مع عدم وجود شائعات وصدمة بالحقائق وتوافر معلومات صحيحة بصورة دائمة.
يختلف الأمر لدى المصريين نظرا لعدم وجود وعي بنسبة كبيرة وصعوبة فهم أو استيعاب الحقائق المجردة دون اللجوء لتفسيرات وتكهنات غيبية، وسلوكيات مرتبطة بالعادات والتقاليد، والاستماع للإشاعات، فضلا عن درجة من الاستهتار لاختلاف المفاهيم خلال العقد الأخير، ومنها مفهوم الحرية "المطلقة"، فهو غير صحيح، فجميع الحريات مقيدة، ولذلك ظهرت حالة من الانفلات النسبي بالبلاد مؤخرا، بخاصة بين الشباب الأقل من 40 سنة، لأنه يريد أن يكون حرا في كل شيء بلا استثناء وتوجس في مصادر المعلومات، إضافة لدرجة عالية من التمرد بظن تحقيق الذات، ولكن الأمر يتحسن حاليا، واعتقد أن كل ذلك سيقل شيئا فشيئا.
ومن أسباب عدم الالتزام أيضا، هي ارتفاع نسبة السكان التي تتجاوز 100 مليون مواطن، والتكدس بالمحافظات، بخلاف إنجلترا حيث إن كل مساحة مستغلة وعدد السكان حوالي 65 مليون فرد، فضلا عن أن الإجراءات المتبعة في مصر حيث مازالت خفيفة حتى الآن بما يتناسب مع انتشار الفيروس الذي لم يسجل أعداد كبيرة مقارنة بالمستوى العالمي.
شعيب: اقترح تقديم برامج تلفزيونية يومية لترسيخ المعلومات الصحيحة بشأن الفيروس
- مع استمرار الحظر، ظهرت أعراض اكتئاب ومشاكل نفسية لدى البعض.. فكيف يمكن تحاوزها؟
الفيروس هو مثل واضح لكارثة طبيعية تحمل تهديدا للإنسان كباقي الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والبراكين، وهو ما يمثل تهديدا أو إنذارا بالخطر للإنسان والفارق الرئيسي أن في حالة كورونا، فإن هذا التهديد تهديد مستمر ومقيم أي أنه من غبر المعلوم متى ينتهى وهو ما ينطبق عليه المثل الشعبي (وقوع البلاء ولا انتظاره) ففي حالة كورونا نحن في حالة (انتظاره).
في حالة التهديد العادي، يبدأ رد الفعل الإنساني بالاستنفار، وهو أمر فسيولوجي سيكولوجي مهم لتحفيز الإنسان، وبعد ذلك تخرج دفاعات الشخص بعضها جسدية وأخرى نفسية بالجهاز المناعي لمقاومة التهديد، فالأولى لدى جميع البشر واحدة، إلا أن الثانية مختلفة بين شخص لآخر طبقا للشخصية والتركيب النفسي والتجارب والتربية والعادات وغيرهم، التي تكون ترسانة دفاعية منها درجة المعلومات والذكاء العاطفي ودرجة الثقة بالنفس والقدرة على التحمل، وهي ما تمكن الإنسان من التعامل بكل موقف، لذلك اختلفت درجة التعامل مع الأمر بين أفراد العائلة الواحدة.
كبير الاستشاريين بمستشفى سارى الملكي: التباعد الاجتماعي بسبب كورونا يحتاج لجهد نفسي كبير وسيغير من الإنسان مستقبلا
أي مشكلة تحتاج إلى الفهم الجيد للتعامل الصحيح معها، وهو ما يستوجب معرفة الحقائق عنها وليس كما يحب الإنسان تشكيلها، لذلك يجب إدراك أن ذلك الفيروس "غير مرئي، ولا يوجد له علاج، ولا يستثني أحد من البشر، وقابل للانتقال بسهولة جدا"، ثانيا إدراك صفات المشكلة نفسها حيث إنها بمثابة كارثة طبيعية مثل البراكين والزلازل، ولكن لا يوجد تجربة عالمية عنها بالتاريخ المعاصر، وتسيطر على جميع الدول وليست قاصرة على دولة بعينها، فضلا عن أنها مقيمة ومستمرة مع الجميع، ما يجعل البشرية تواجه خطرا غير مسبوق.
- ما أبرز النصائح التي تقدمها للمواطنين من أجل تحسين الصحة النفسية بعد مدّ الحظر؟
يحتم الموقف الحالي أمرا هاما، هو الابتعاد عن الآخرين، بخلاف ما هو متبع بالمشاكل العادية، ولذلك خلال ذلك الموقف طويل الأمد القلق العام للإنسان يقل كلما اندمج الإنسان في روتين يومي معروف ومخطط له مسبقا، من خلال تحديد مواعيد يومية لكل الأنشطة من العمل وقراءة الجرائدة والرياضة والقراءة واختيار برامج محددة لمشاهدتها والتواصل هاتفيا مع الآخرين وغيرها، لتقليل التفكير في الخطر.
كما يمكن الاعتماد على السوشيال ميديا، التي تعتبر سلاحا ذا حدين، حيث إنها تقلل بشدة مشكلة العزل الاجتماعي بين البشر، رغم عيبها أنها ممكن أن تزيد القلق العام إذا ما تداولت تهويلات أو شائعات، لذلك يجب دعم الجميع لبعضهم البعض "يعني مثلا نقول مع بعض، ومتقلقش، وشد حيلك"، إضافة لتداول المعلومات الصحيحة.
ويجب تقوية درجة الصلابة النفسية بتعلم بعض الحيل، والقيام بتدريبات مثل الاسترخاء واليوجا والتأمل المتسامي والصراخ المنضبط وتنظيم النوم والأكل الصحي، والبحث عما يبعث الشعور بالراحة والاطمئنان مثل قراءة القرآن أو الكتاب المقدس وتفحص صور الذكريات الجميلة والأحباء والاستماع إلى الموسيقى الهادئة أو المرحة ومشاهدة الأفلام الكوميدية والامتناع عن متابعة مثيرات القلق مثل الشائعات والمعلومات الخاطئة.
القبول بالواقع.. هو أحد الأمور الهامة لتجاوز المشكلة والقدرة على التعامل معها، والتيقن بأن العالم أجمع متشارك في الهم نفسه، للطمأنة بأن مختلف الأطراف تسعى للحل، فضلا عن النظر للجانب الإيجابي من تلك الأزمة مثل تحسين البيئة والهواء وطبقة الأزوزن واستعادة الطبيعة لعافيتها، لذلك فالنظر للأمر بشكل عام يرسخ الإدراك بأنها محنة عالمية ستزول قريبا وعلينا كبشر التحمل لتجاوزها.
- خصصت وزارة الصحة أرقاما محددة للمواطنين من أجل الصحة النفسية، فهل تقترح أدوات أخرى لتجاوز الأزمة؟
أقترح تقديم برامج بالتلفزيون أو الراديو مدته حوالي ربع ساعة يوميا، لتقديم المعلومات الصحيحة ونفي الشائعات، بشرط انتقاء المتحدثين به على أن يكونوا أهل علم وثقة، وأن يتم ذلك تحت إشراف وزارات الصحة والتعليم العالي والإعلام، للحديث بموضوعية وتقييم علمي ومهني لتجنب حدوث أثر سلبي، وأرجح أكثر أن يكون بالتلفزيون حيث إن رؤية الوجه مهمة كونها تؤثر إيجابيا على الإنسان.
- وماذا عن الفرق الطبية المناضلة في تلك المحنة.. كيف يجتازون ذلك؟
بالنسبة للفرق الطبية أقترح أن ينظموا أنفسهم فى مجموعات تتناوب العمل ولا يعملون جميعا فى نفس الوقت، وهذا ممكن فى ظل توافر الأعداد الكافية من الكوادر الطبية والتمريض فى مصر، على ألا يزيد عمل أى فريق عن 9 - 10 ساعات يوميا، وأن يراعى أخذ راحة إجبارية لمدة نصف ساعة لكل 4 ساعات، فى أثنائها يرتاح الطبيب أو الممرض فى غرفة هادئة خافتة الضوء تذاع فيها موسيقى هادئة بصوت منخفض وتتوافر فيها تهوية مناسبة، وتتوافر فيها مشروبات ساخنة وباردة، وبعض المأكولات الخفيفة عالية القيمة الغذائية.
من المهم أيضا تواجد مرشد نفسي خلال فترة الراحة، يوفر إرشادات فى تدريبات التنفس والاسترخاء لمدة 5 إلى 10 دقائق وهو نفس الأسلوب المتبع حاليا فى عدد من المنظمات التى يعمل أفرادها تحت ضغط، مثل الأندية الرياضية وفرق الطوارﺉ ومجابهة الكوارث، فضلا عن أهمية توفير الحماية اللازمة والماسكات والجوانتيات والتى تعطي عضو الفريق إحساسا بالحماية، ما يقلل الضغط النفسي.