علا الشافعى تكتب: بعد حصول "رسولوف" على الدب الذهبى فى برلين.. لماذا إيران؟

علا الشافعى تكتب: بعد حصول "رسولوف" على الدب الذهبى فى برلين.. لماذا إيران؟
- علا الشافعى
- محمد رسولوف
- المخرج الإيرانى
- مهرجان برلين السينمائي
- لا يوجد مكان للشر
- إيران
- علا الشافعى
- محمد رسولوف
- المخرج الإيرانى
- مهرجان برلين السينمائي
- لا يوجد مكان للشر
- إيران
لماذا إيران دائماً؟ ما هو المختلف فى سينماها التى تحصد الجوائز؟ كيف يملك صناع السينما فيها ذلك الشغف وتلك الإرادة لصنع أفلامهم رغم التضييقات السياسية والأمنية؟ لم يكن المخرج الإيرانى محمد رسولوف، الحاصل على الدب الذهبى بفيلمه «لا يوجد مكان للشر» فى الدورة الـ70 لمهرجان برلين السينمائى والذى اختتمت فعالياته الأسبوع الماضى، هو المخرج الأول الذى يتعرض للحبس أو يمنع من مغادرة البلاد، بل ويقوم بإنجاز فيلم سينمائى يحقق صيتاً عالمياً، بل سبقه المخرج جعفر بناهى، الذى حُكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات مع منعه من السفر من إيران لعشرين عاماً، حصل على الدب الذهبى عن فيلمه تاكسى عام 2015.
«رسولوف»، الذى عمل مع «بناهى»، وورث عنه الكثير من الشغف والرغبة فى الإنجاز، وعدم التوقف عن طرح التساؤلات المتعلقة بالإنسان وحقوقه، والعدالة وقدرتك على أن تكون فاعلاً، لا ترضخ ولا تستسلم، يقول: «أردت التحدث عن الناس الذين ينأون بأنفسهم عن الفعل ويقولون إن القرار اتخذته قوة عليا»، مستطرداً: «لكنهم يستطيعون فى الواقع أن يرفضوا، وهذه قوتهم».
تلك المقولة هى تماماً «مورال» الفيلم الذى قدمه «رسولوف» فى فيلمه «THERE IS NO EVIL»، الذى شارك فى المسابقة الرسمية لبرلين السينمائى وحصل على الدب الذهبى، المخرج الذى حقق شهرة واسعة بعد أن حصل فيلمه «رجل نزيه» على جائزة «نظرة ما» فى مهرجان كان الدولى فى 2017
لكن فور عودته من «مهرجان كان» عام 2017 حُكم عليه بالسجن عاماً واحداً، وحُرِم من صناعة الأفلام مدى الحياة، ومُنع من السفر، بتهمة «تهديد الأمن القومى». لذا، لم يكن موجوداً فى برلين مع فيلمه الأخير هذا، والذى تحايل على كل القيود التى فُرضت عليه لخاطر إنجاز فيلمه، حيث كان يقوم بنفسه بتصوير المشاهد الداخلية فى حين يقوم مساعدوه بتنفيذ كل المشاهد الخارجية، حيث يقومون بتنفيذ «الديكوباج» كما قام «رسولوف» بتقطيعه ورسمه، وبعد إعلان فوزه فعّلت السلطات الإيرانية حكم السجن الصادر بحق المخرج لمدة عام، بعد أن كان موقوف التنفيذ، حيث تسلم رسالة نصية من السلطة القضائية بذلك، لكن محاميه أعلن أنه لن يسلم نفسه وسيستأنف ضد القرار.
فيلم محمد رسولوف الجديد يطرح الكثير من الأسئلة الشائكة، ويلقى بالحجارة فى المياه الراكدة وكل ما يعتبر من المسلمات فى المجتمع الإيرانى، وتدور أحداثه حول عقوبة الإعدام، وكل التساؤلات التى تدور حولها وهل علينا رفضها أم الاستسلام للقوانين الوضعية وبالطبع هى قضية شائكة حتى فى الكثير من المجتمعات الأوروبية والتى باتت ترفضها، أو تناهضها، والأبطال الذين تدور حولهم الأحداث ليسوا هم المحكوم عليهم بالإعدام، بل هؤلاء المسئولون عن تنفيذ الحكم، وهنا يكمن ذكاء السيناريو، وبناء الشخصيات الشديدة الإنسانية والتى تشعر فى لحظات أنها تشبهك كثيرا.
تدور أحداث فيلم «لا يوجد شرّ» فى 4 أجزاء منفصلة، تبدو كأفلام قصيرة تم عنونتها كالتالى «لا يوجد شيطان»، «قالت يمكنك القيام بالأمر»، «عيد ميلاد»، «قبّلنى» مع تتابع الأحداث نكتشف السيناريو الدائرى والبناء الدرامى المحكم، فهناك خط واضح يجمع كل هذه القصص، ورغم ضعف بعض الأجزاء، وتحديداً الرابع، فإن ذلك لم يقلل من الدفقة الشعورية بالفيلم وتطور أحداثه إجمالاً، وأيضاً لم يخل بإيقاع الفيلم الذى تقارب مدته الزمنية الثلاث ساعات،
أحداث الجزء الأول تدور حول حشمت (إحسان ميرهوسينى)، موظف فى جهة ما من الجهات الحكومية ويبدو لنا رب أسرة مثالى فى علاقته بزوجته، وأهلها، وابنته رجل بالغ الطيبة وشديد الصبر ويملك قدرة هائلة فى التعامل مع تفاصيل زوجته الكثيرة، وعصبيتها يناقشها بلطف وصبر شديدين لا يتردد فى الذهاب معها لكافة المشاوير من السوبر ماركت، للخياطة التى تقوم بتخييط فستان ستحضر به فرحاً عائلياً، وصولاً إلى لون صبغة شعرها، الذى يصبغه لها فى المنزل. كلّ هذا وغيره ينتهى مع دقّة المنبّه عند الثالثة فجراً، إذْ يستيقظ كى يذهب إلى عمله، وهناك نكتشف طبيعة عمله فهو يقلب السكر فى كوب الشاى الخاص به، وبعدها مباشرة يكبس بنفس اليد على زر لنكتشف أنه يقوم بتنفيذ حكم الإعدام للعشرات.
بويا (كاوه أنجار)، شاب مجنّد حديثاً. يُدرك أنّ حياته وسفره وعمله ومستقبله رهنٌ بتأديته الخدمة العسكرية عامين متتاليين، وأنّ خدمته تتمثّل فى تنفيذ أحكام الإعدام رمياً بالرصاص. يرفض الأمر، يدور بينه وبين رفاقه كلام عن الأمر، وكلما اقترب من لحظة اصطحاب المتهم الذى من المفترض أن يُعدم يدخل فى حالة من التوتر والخوف وفى النهاية، وبدافع من خطيبته المساندة لموقفه الأخلاقى، ينجح، رغم جبنه، فى سرقة بندقية، وتهديد الجميع، والهرب وإنْ بصعوبة من المعسكر، منطلقاً مع حبيبته فى مشهد ليلى فى الطرقات الجبلية لطهران، وهما يغنيان «بيلا تشاو» من أغانى الفلكلور الإيطالى التى كانت تغنيها النسوة العاملات فى حقول الأرز فى شمال إيطاليا اعتراضاً على ظروف العمل ثم تحولت لنشيد ضد الفاشية أثناء الحرب العالمية الثانية.
فى الجزء الثالث، هناك جواد (محمد فاليزاديجان)، نقيض «بويا». متمرّس فى تنفيذ أحكام الإعدام أثناء خدمته العسكرية، لكنّه غير متصالح مع الأمر نهائياً، كما يبدو. قبل عودته إلى قريته ومنزل حبيبته نانا (مهتاب سيرفاتى)، يخلع ملابسه العسكرية، ويستحم طويلاً فى النهر ويضع عطره المفضل كمن يرغب فى إزالة رائحة كريهة من جسده، وعندما يصل يكتشف أن هناك حالة حداد فى منزل العائلة على شخص شديد القرب منهم هو معلم خطيبته، لتقع المفاجأة عندما يكتشف أنه نفس الشخص الذى قام بتنفيذ حكم الإعدام فيه، قبل الحصول على إجازته.
لنصل إلى الجزء الرابع لتكتمل القصة ونعرف أن بطلنا «بهرام» هذا الذى يقارب الموت، ويعيش فى قرية نائية على الأطراف مع زوجته وجاءت ابنته التى لا تعرفه لزيارته بوصفه أقرب صديق لوالدها، لنكتشف أن «بهرام» هو والدها الحقيقى، وقد اضطر إلى تسجيلها باسم صديق له حماية لها عندما كان معارضاً سياسياً ومطارداً من السلطات، ورفض أن يساهم أثناء خدمته العسكرية بتنفيذ إعدام أحد المعارضين لنكتشف أنه ذلك المجند الهارب فى الجزء الثانى.
فيلم رسولوف «لا يوجد مكان للشر» من خلال السيناريو الذكى والكاميرا المتمهلة والمتأملة، فى حالة أقرب إلى السيمفونية والتى تحمل جملاً هادئة ثم تصل إلى ذروتها مع «كريشندو» ملىء بالإيقاعات لنعود مجدداً إلى حالة من العزف الرائق الذى ينفذ لروحك، رغم المبالغات الدرامية إلا أن الفيلم يجعلك لا تتوقف عن طرح الكثير من التساؤلات والتى تحملها معك بعد مغادرة دار العرض، بل تظل معك كثيراً، فى ظل عالم يسير بخطى واسعة نحو اللا إنسانية.