بريد الوطن.. خلف الشرفات قصص وحكايات

بريد الوطن.. خلف الشرفات قصص وحكايات
اعتدت أن أرنو إلى تلك النوافذ البعيدة، وألمح المصابيح الخافتة فى تلك الشرفات القديمة العالية، أثناء عودتى من العمل عبر زجاج نوافذ السيارات المحكم، وأتخيل أننى أتحدث إلى من يعيشون داخل هذه المنازل، يحكون لى عن قصص شائقة لم أسمعها من قبل، وقدراً طلب أحد الأصدقاء اصطحابى إلى منزل من تلك التى اعتدت أن أنظر إلى شرفاتها كل يوم، وفور وصولنا فتح لنا الباب شاب ثلاثينى يتكئ على عصا ويستند الحائط، ويبدو أنه من أصحاب الهمم، ورحب بنا بابتسامة مشرقة، ودعانا إلى الجلوس على كنبة عربى قديمة ونظيفة، وأخبرنى صديقى فى حديث هامس: أن هذا الشاب عبقرى فى صيانة وبرمجة الكومبيوتر واللاب وبأسعار رمزية، وأخاه يدرس فى كلية الطب ويعمل هو ووالدته فى أحد المصانع، لأن معاش الوالد لا يكفى وتم تأجيل زواج الأخت الصغرى لحين تجهيزها، وأنهم يرفضون أى مساعدة مادية نهائياً وراضون بحياتهم، والابتسامة لا تفارق وجوههم، وأحضر لنا أخوه الشاى وبعض الحلوى المنزلية، وأشار صديقى إلى الشقة المواجهة بأن بها بطلاً رياضياً يحلم ببطولة العالم، والشقة المجاورة لهم بها طبيبة يأتى لها الناس من آخر الدنيا، ليس لأن الكشف بسعر رمزى فقط بل لأنها طبيبة شاطرة وصادقة، وتتزاحم قصص الكفاح وتتعدد وتطل إلينا من نوافذ مضيئة بالأمل، وبقى انطباع طيب وراق بهذه الأسر الأصيلة التى لا تشكو الظروف، وبل تخرج ناجحين فى كل المجالات، وشعرت بضآلة الكثيرين من معتادى الشكوى أمام هذه الأسر، وأننى أتساءل لماذا ينجح البسطاء دائماً رغم ظروفهم الصعبة؟ ومتى تستقر الطبقة المتوسطة وتصبح مستورة؟ وفى اليوم التالى تابعت الشرفات المضاءة هذه المرة وأنا أعرف بعضاً من قصص من يعيشون خلف هذه النوافذ.
أحمد حمزة نمير
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com