صلاح الدين الأيوبي.. ذكرى وفاة محرر القدس

كتب: أحمد البهنساوى

صلاح الدين الأيوبي.. ذكرى وفاة محرر القدس

صلاح الدين الأيوبي.. ذكرى وفاة محرر القدس

لا يمكن لعدد محدود من السطور وبعض الكلمات أن تسرد سيرة قائد إسلامي بحجم صلاح الدين الأيوبي، محرر القدس، وبمنطق ما لا يدرك كله لا يترك كله، فإن السطور التالية ستلقي لمحة من خلال بعض المعلومات المذكورة عن هذا القائد العسكري الذي تحل ذكرى وفاته اليوم.

صلاح الدين ولد بتكريت في العراق عام 532 هـ 1138م، في ليلة مغادرة والده نجم الدين أيوب قلعة تكريت حينما كان واليًا عليها، وقد أسس صلاح الدين الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن في ظل الراية العباسية، بعد أن قضى على الخلافة الفاطمية التي استمرت 262 سنة.

قاد صلاح الدين عدّة حملات ومعارك ضد الفرنجة وغيرهم من الصليبيين الأوروبيين في سبيل استعادة الأراضي المقدسة التي كان الصليبيون قد استولوا عليها في أواخر القرن الحادي عشر، وقد تمكن في نهاية المطاف من استعادة معظم أراضي فلسطين ولبنان بما فيها مدينة القدس، بعد أن هزم جيش بيت المقدس هزيمة منكرة في معركة حطين.

كان صلاح الدين يقول بمذهب أهل السنة والجماعة، ويشتهر بتسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه، لذا فهو من أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي والأوروبي المسيحي، حيث كتب المؤرخون الصليبيون عن بسالته في عدد من المواقف، أبرزها عند حصاره لقلعة الكرك في مؤاب، وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه لا سيما ملك إنجلترا ريتشارد الأول "قلب الأسد"، وبدلاً من أن يتحول لشخص مكروه في أوروبا الغربية، استحال رمزًا من رموز الفروسية والشجاعة، وورد ذكره في عدد من القصص والأشعار الإنجليزية والفرنسية العائدة لتلك الحقبة.

وكانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقرا للدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي بحلول ذلك الوقت سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهي، لذا أصبح أسد الدين شيركوه هو الرجل الأول في البلاد، ودام على هذا الحال وصلاح الدين يُباشر الأمور مقررًا لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته طيلة شهرين من الزمن.

عندما توفي أسد الدين، أسند الخليفة الفاطمي الوزارة لصلاح الدين، ويذكر المؤرخون، وفي مقدمتهم عماد الدين الأصفهاني، أنه بعد وفاة شيركوه وانقضاء مدة الحداد، طالب الزنكيون، أمراء دمشق، الخليفة الفاطمي بل ضغطوا عليه حتى يجعل صلاح الدين وزيرًا له، وقد قبل الخليفة ذلك على الرغم من المنافسة الحادة التي كانت الدويلات الإسلامية تشهدها في تلك الفترة من الزمن، للسيطرة على الأراضي العربية، لشدة ضعف الدولة الفاطمية وقوّة الزنكيين وشعبيتهم، وشعبية صلاح الدين نفسه بين الناس وأمراء الشام، بعد ما أظهره من حسن القيادة والتدبير في المعارك.

على الرغم من هذا التأييد، لم يمرّ تولّي صلاح الدين وزارة مصر بسلام، فقد تعرّض بعد بضعة أشهر من توليه لمحاولة اغتيال من قبل بعض الجنود والأمراء الفاطميين، وتبيّن أن المحرّض الرئيسي على هذا كان مؤتمن الخليفة الفاطمي وكان خصيًا بقصر العاضد لدين الله، وكان هذا الخصي يتطلع إلى الحكم فيه والتقدم على من يحويه فقُبض عليه وأُعدم.

كانت المواجهة مع الملك ريتشارد ومعاهدة الرملة آخر أعمال صلاح الدين، إذ أنه بعد وقت قصير من رحيل ريتشارد، مرض بالحمى الصفراوية يوم السبت في 20 فبراير سنة 1193م، الموافق فيه 16 صفر سنة 589 هـ، وأصابه أرق فلم ينم الليل إلا قليلاً، وأخذ المرض يشتد ويزيد، حتى قال طبيبه الخاص، أن أجل السلطان أصبح قاب قوسين أو أدنى، واستمر المرض يشتد حتى انتهى إلى غاية الضعف، وبعد تسعة أيام حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب، ولمّا كان اليوم العاشر حُقن دفعتين، وحصل له من الحقن بعض الراحة، لكنه عاد واشتد عليه المرض حتى يأس الأطباء من حاله، فتوفي فجر يوم الأربعاء 4 مارس سنة 1193.


مواضيع متعلقة