"مقبرة الغزاة" تنتظر أردوغان

"مقبرة الغزاة" تنتظر أردوغان
- تنسيقية الأحزاب
- عضو تنسيقية الأحزاب
- أحمد مبارك
- أردوغان
- تنسيقية الأحزاب
- عضو تنسيقية الأحزاب
- أحمد مبارك
- أردوغان
مصر لا تظهر عظمتها إلا بالضغط عليها، حقيقة تكررت في التاريخ، فهذا البلد المدهش قد يظهر أحيانا ضعفا و خنوعا، ولكنه في حالات الخطر ينتفض حتى يدهش نفسه، ويربك أعداءه.
مقبرة الغزاة ليس وصفا تعبيريا.. بل حقيقة تقرأها في كل فصل من التاريخ، منذ احتلال الهكسوس، ثم قيادة أحمس تقدما علميا وعسكريا مكنه من طردهم وتحريرِ كاملِ تراب الوطن منهم، وبعدها في ظروف أسوأ، مثل نهاية العصر الأيوبي، تمكنت الدولة الهشة من صد غزوات التتار، وحمت الحضارة الإنسانية من همجيتهم التي كادت تقضي عليها.
مقبرة الغزاة انتصرت على كل التهديدات العسكرية التي استهدفتها من الجنوب والغرب، وقاومت ببسالةٍ الجيوشَ الزاحفة من الشرق، فطاردت الحيثيين، وتحول جيش قمبيز الفارسي إلى لغز ضائع في الصحراء الغربية، وترنح الصليبيون في حطين، أما الجيوش التي كانت تأتينا من الشمال عبر البحر المتوسط، فقد ظلت تمثل خطورة، ورغم ذلك لم يقض هذا الخطر على مصر المحروسة، صحيح أنه أضرها، وعطل تقدمها الحضاري لفترات، وساهم في تخلفها عن مسيرة التطور، لكن مصر لم تمت، امتصت جيوش الإسكندر المقدوني، ومطامع نابليون، وعزلت قادة الرومان في حصونهم، وتحملت مطامع العثمانيين، وساهمت مع العالم الحر في تحجيم الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن الشمس تغرب عن أراضيها.
في حرب أكتوبر بعد سنوات من الهزيمة والتعرض لأول مرة في التاريخ الحديث لخطر ضياع الأرض تحول إلى انتصار سياسي وعسكري أدهش العالم وحير الأعداء.
عايشْتُهُ في ثورة 25 يناير بعد سنوات من الاستسلام حيث أكبر تظاهرات شبابية في هذا التوقيت مطالبة بالتغيير ظهر فيها شبابها عملاقا واعيا، مدهشا لنفسه ومربكا لأعدائه.
اختطف الإخوان المسلمون هذه الثورة، وحاكوا المؤامرات لإدخالها نفق التطرف الديني، وسرقة شرعية الشباب التي استردوها بإرادتهم السلمية. استطاع الشعب المصري في عام واحد أن ينجح فيما فشلت فيه أفغانستان وباكستان وإيران، وأخرج مصرَ من نفق التطرف المظلم الذي أدخلها فيه الإخوان، رافضا أن يُلَوِّنَهُم فصيل بلون واحد، معبرين عن وعيهم وامتلاكهم لإرادتهم الحرة.
وها نحن أمام مشهد جديد حيث تتعرض فيها على المستوى الداخلي والإقليمي والعالمي لمخاطر ليس لها مثيل عبر التاريخ وتجد نفسها مرة أخرى مدافعة عن العالم العربي كله والوحيدة حتى الآن التي استطاعت أن تقهر التقسيم مقاومة أسوأ إرهاب يواجه الحضارة الإنسانية.
من ينظر إلى الخريطة يرَ كيف تفككت العراق بعد الاحتلال العسكري الأمريكي، وكيف تحولت ليبيا لعصابات مسلحة بعد الضرب العسكري للناتو، و يرى كيف سقطت سوريا بين فكي المواجهة العسكرية الخارجية وظلام الإرهاب الداخلي، ويرى كيف تحول اليمن العريقة الى لا دولة،
وازداد المشهد تعقيدا بإعلان أردوغان موافقة بلاده على التدخل العسكري في ليبيا بحجة مساندة الحكومة الليبية لكن في الحقيقة ليدعم المليشيات المسلحة الإرهابية
تركيا تحقق مجموعة من الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية حال تمكنها من السيطرة علي ليبيا أولها تكوين قاعدة للمقاتلين الإسلاميين المتطرفين والإرهابيين لتستخدمهم للسيطرة على ليبيا وجوارها في اطار خطته لإحياء مشروع الخلافة أو ما يعرف بالإسلام السياسي ، وطبعا ستكون هذه القاعدة تهديد مباشر لمصر للضغط عليها وفرض أمر واقع عليها ..
أما عن الجانب الاقتصادي فتعتبر ليبيا خامس احتياطي نفطي في العالم (تقدر الاحتياطيات اللبيبة ب ٧٤ مليار برميل من خام النفط) ، وهو ما يعزز قدرتها الإستراتيجية في تهديد منتدى غاز شرق المتوسط الذي تشارك فيه مصر وتحقق تركيا سيطرة جيواستراتيجية في البحر المتوسط ..
أما سياسيا فحال نجاح تركيا فى السيطرة على ليبيا ستكتسب قوة مضافة لموقفها التفاوضي في الملفين العراقي والسوري أمام القوى الدولية والإقليمية ..
أما على المستوى التركي الداخلي فالمغامرة العسكرية في ليبيا محاولة لتحقيق دعايا لانتصار سياسي يُعزز من موقفه الداخلي في ظل ارتباك سياسي تركي داخلي يُهدد مشروعه بالكامل مُستخدماً لخطاب قائم على الترويج لاستعادة المجد العثماني الزائل .
كل تلك الأمور تؤكد أن الوجود العسكري التركي على حدود مصر الغربية وفي البحر المتوسط يرتبط بشكل مباشر على أمن الدولة المصرية واستقرارها، وما ستسببه تهديد العناصر الإرهابية المدعومة من الجيش التركي على طول الحدود المصرية 1200 كيلو متر، كما أنه يمثل تهديدا مباشرا في حقوق مصر من الغاز شرق لمتوسط والتي تُمثل مسألة حياة أو موت للدولة المصرية، وبالتالي فإن الموقف التركي برمته يأتي ضد المصالح المصرية وتهديداً مباشراً لأمن واستقرار الدولة المصرية.
نضيف إلى هذا عدم الوصول إلى حل نهائي حتى الآن في أزمة سد النهضة، والتي تهدد الأمن المائي لمصر، بالإضافة لاستمرار الاضطرابات على حدود مصر الشرقية في غزة، وتهديده بوجود إرهاب في شمال سيناء، كل هذا يقول إن مصر محاصرة كما يم يحدث من قبل..
وعلى الرغم من ذلك وكما أوضحت في بداية رؤيتي للتاريخ، فإن هذه هي الظروف التي قد تبدع فيها مصر، ويتألق ناسها. نحن شعب يظهر أفضل ما لديه في الأوقات العصيبة، نحن شعب المستحيلات الذي يفاجئ العالم دوما بما لم يكن في حساب أحد. نحن أحرار بالفطرة، ومروضون للتاريخ، لكننا نفعل ذلك عندما تزداد علينا الضغوط.. ونحن قادرون على ردع كل من تسول له نفسه المساس بحقوقنا وأمننا.. كما كنا دوما مقبرة للغزاة والطامعين والمغامرين مثل أردوغان.
أثق في تماسك ووعي الشعب المصري حامل جينات الحضارة، وأثق في قدرات الجيش المصري وأجهزة مصر السيادية أنها قادرة على التعامل بكفاءة مع تهديدات عسكرية أصبحت حتمية لحدودنا الغربية وحقوقنا الطبيعية وأمننا ككل
أثق في القيادة السياسية وقدرتها على التعامل مع الأزمة دون إفراط أو تفريط، دون اندفاع أو تهاون..
أحمد مبارك
عضو تنسيقية الأحزاب