محمد بديع التحق بالجماعة على يد شاب سوري.. وأقسم "يمين الولاء" لصالح تنظيم لا يعرفه

محمد بديع التحق بالجماعة على يد شاب سوري.. وأقسم "يمين الولاء" لصالح تنظيم لا يعرفه
- سيد قطب
- اغتيال عبدالناصر
- حسن الهضيبى
- زينب الغزالى
- تنظيم 65
- مجلس قيادة الثورة
- الإخوان الإرهابية
- تنظيم الإخوان الإرهابية
- تنظيم الإخوان السري
- سيد قطب
- اغتيال عبدالناصر
- حسن الهضيبى
- زينب الغزالى
- تنظيم 65
- مجلس قيادة الثورة
- الإخوان الإرهابية
- تنظيم الإخوان الإرهابية
- تنظيم الإخوان السري
هناك انطباع ما لدىّ عن المرشد محمد بديع لم أتمكن من صياغته بداخلى فى كلمات محددة، منذ المرة الأولى التى رأيته فيها على شاشات الفضائيات فى مؤتمر صحفى يلقى فيه كلمة بمناسبة توليه مسئولية إرشاد جماعة الإخوان المسلمين عام ٢٠٠٨.
حين طالعت محاضر تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا مع المتهم محمد بديع سامى، البالغ من العمر ٢١ عاماً سنة ١٩٦٦، الذى كان يعمل معيداً بكلية الطب البيطرى آنذاك، وحين قرأتها مراراً، أدركت ما هو الانطباع القديم الذى يعود إلى 12 عاماً ولم أتمكن من صياغته بداخلى.
هذا رجل رغم صلابته الظاهرة.. «مهزوز»!
دعك من الملامح الجافة والنظرة المتجهمة والوجه الواجم.. فشخصية محمد بديع فى نظر أى محلل نفسى أو سيناريست أو روائى، على الأرجح، لن تبدو كشخصية قيادية على الإطلاق، وذلك إذا ما كانت قراءة الشخصية استناداً إلى ما وراء الإجابات التى أدلى بها أمام وكيل نيابة أمن الدولة العليا محمد وجيه قناوى. فهو ليس مدركاً لما يجرى حوله فى التنظيم بدقة، ويتم إجباره على فعل أشياء لا يريدها، ويؤخذ من يده هنا وهناك، ويُفتح موضوع تزويجه دون إرادة منه، وكأنه بلا حول ولا قوة.
ولا أتكلم هنا عن الولاء التنظيمى أو عن أجواء التخفى التى سعت قيادات تنظيم ٦٥ لفرضها على أجواء أفراده، ولا حتى عن المراوغة فى الإجابات. وحين تقارنه مثلاً بزميله فى التنظيم، ثم شريكه فيما بعد فى قيادة الجماعة محمود عزت، ستجد «عزت» أكثر إدراكاً لما يدور حوله من مسائل تنظيمية، وأكثر إحاطة بالتفاصيل والأغراض وطبيعة أدوار الأشخاص وطبيعة الغرض المرجو فى نهاية المطاف.
لن تفهم محمد بديع إلا إذا قارنته بمحمود عزت.. ولن تفهم كيف تسير الجماعة ككل إلا إذا تحليت بشىء من الخيال الكيميائى الذى يمكنك من توقع شكل التفاعل بين العناصر المختلفة إذا ما وضعت فى مخبار مدرج واحد! المفاجأة الأولى أن محمد بديع التحق بجماعة الإخوان على يد شاب سورى كان يزامله فى الكلية، وهو الذى ساقه لعبدالفتاح إسماعيل (ثالث ثلاثة أعدموا مع سيد قطب ويوسف هواش فى القضية)، وقد تولى إسماعيل فيما بعد المسئولية لإعداد الكادر محمد بديع.
مرشد الإخوان طلب من عبدالفتاح إسماعيل أن يختار له إحدى فتاتين متدينتين للزواج منها دون أن يبادر أو يطلب أو يفكر
يقول «بديع»: «فى ١٩٦٢ أو قبل كده تعرفت عن طريق زميلى فى الكلية السورى ويدعى محمد سلمان النجار طالب فى كلية الطب معانا وكان سابقنى بسنوات، بطالب سورى يدعى أحمد فارس، ومن ترددى على محمد النجار توثقت الصلة بينى وبين أحمد فارس، ونشأت بيننا صداقة لاتحاد ميولنا الدينية، وفى نفس العام ١٩٦٢ سافر محمد سلمان النجار واستمرت علاقتى بأحمد فارس، وقبل ما يسافر بمدة بسيطة إلى سوريا بعد انتهاء أجازته عرفنى بمحمد عبدالمنعم شاهين، الشهير بعاطف ومرسى مصطفى مرسى فى منزل عاطف عشان نكون مجموعة». ثم اتصلت هذه المجموعة فيما بعد بعبدالفتاح إسماعيل الذى سرعان ما طلب منهم الانضمام للتنظيم، وهنا وفى مجرى التحقيقات يكشف محمد بديع عن مفاجأة مذهلة، وهى أنه أدى قسم الولاء لعبدالفتاح إسماعيل لصالح تنظيم لا يعرف بديع ما هو على وجه اليقين ولا من هو أميره الذى أدى إليه البيعة!
يتابع «بديع» قائلاً: «وأقسمنا على المصحف ومعاه قسم على أن نعمل للإسلام وأن ندين بالطاعة والولاء لأمير الجماعة واتكلمنا معاه فى أن التنظيم ده لحساب مين، فقال إنه مش لحساب الإخوان المسلمين أو غيرهم، وإن إحنا مش عايزين نحط رايات نسير عليها، وإنما إحنا بنعمل للإسلام فقط ووافقنا على الانضمام للتنظيم». اللافت هنا أيضاً هو التكييف الحركى والتبعية التنظيمية التى وصف بها عبدالفتاح إسماعيل وضعية التنظيم «مش لحساب الإخوان أو غيرهم!».
ملمح آخر من شخصية «بديع» يتضح فى هذه التفصيلة التى يحكيها عن ذهابه هو وزميله فى التنظيم عاطف شاهين مع عبدالفتاح إسماعيل للكشف عن طبيب (لا يعرف بديع إذا ما كان ضمن أفراد التنظيم أم لا، لأنه مدارش كلام غير عادى، على حد تعبيره)، وبعد الكشف سيعرض عليهما عبدالفتاح إسماعيل مسألة الزواج من فتاتين إحداهما دكتورة والثانية فى الثانوية العامة ومتدينتين. لا يسترسل بديع فى توضيح ما القرار الذى ترتب بعد أن عرض عليه إسماعيل تزويجه بإحدى الفتاتين، دون أن يبادر هو أو يطلب أو يفكر، ثم بجرأة إسماعيل أن ينتقى له زوجة من إحدى فتاتين «متدينتين» كما لو كان بديع مساقاً بلا حول ولا قوة. بعد قليل سيتضح أن الواسطة بين الشابين والعروسين المحتملتين ليس عبدالفتاح إسماعيل، ولكن سيد قطب شخصياً!
الأخطر على الإطلاق فى تحقيقات وكيل نيابة أمن الدولة العليا محمد وجيه قناوى، هى التفاصيل التى يرويها بديع عن كواليس اللقاء الأول بينه وبين سيد قطب.
يقول «بديع»، بعد واقعة عرض الزواج من الفتاتين، إن عبدالفتاح إسماعيل اصطحبهما إلى رأس البر: «وهناك تقابلنا مع سيد قطب وفهمنا أنه هو على صلة بعائلة الدكتورة وقال متنفعش معاكم لأنها عندها ٢٩ سنة وانتم صغيرين».
"قطب" الذى انشغل بالحاكمية والتكفير انشغل أيضاً بتزويج أعضاء النظام الخاص
أى إن سيد قطب الذى انشغل بالحاكمية والتكفير والكتابة عن الطواغيت والمجتمعات الجاهلية، كان مشغولاً أيضاً بمسائل تزويج أفراد الميليشيا المسلحة التى يتزعمها، جنباً إلى جنب.
الحوار الأخطر فى لقاء بديع الأول بقطب هو التالى:
«وبعدين سألنى سيد قطب عن حال الدعوة فى أسيوط فقلت له أنا لما رحت ما اتصلتش بحد والجو هناك مشحون نظراً للتعصب الدينى هناك، فسيد قطب قال لى إن هذا من صالحنا بأن يكون الناس عندهم حافز إلى الرجوع لدينهم وإن دعوتهم ستكون سهلة».
تكشف هذه السطور القليلة عن نظرة سيد قطب للفتن الطائفية بوصفها بيئة مواتية لتحركات الجماعة، وأن التعصب الدينى والتشدد فى صالح الدعوة للرجوع للدين، وهى الإجابة التى يمكن أن تلقى بظلالها على سلوك الإخوان فى عشرات الوقائع من الفتن الطائفية منذ الستينات وحتى اليوم، وهى الإجابة التى تشرح الأساس الفلسفى لجماعة يرى زعيمها أن الوطن حفنة تراب وأن التعصب الدينى بين عنصرى الأمة الواحدة.. مجرد تهيئة وبيئة مواتية للحركة!
ثم الأخطر أن سيد قطب نفسه من أسيوط، ورغم الحنين الافتراضى والولاء والوفاء الذى يربط الإنسان بمراتع الصبا، إلا أن قطب لم يعبأ بأن تلبد الكراهية والتعصب أجواء محافظته، فالأهم هو «فكرته» هو و«تصوره» هو و«مخططه» هو. وبعد هذا اللقاء سيعقب محمد بديع لوكيل نيابة أمن الدولة: «وأنا فهمت من سؤال سيد قطب أنه على صلة بالتنظيم لكن معرفش إيه وضعه فى التنظيم»، وهو الملمح المتكرر من محمد بديع، الذى يشى بقصور نظر وتكلس فى الذهن وحذر فى الاستنتاج أو حتى فى ربط الأمور ببعضها البعض ووزن الأشخاص والأحداث بوصفها البديهى، فإذا لم يكن سيد قطب هو زعيم التنظيم فمن سيكون إذا كان هو الآمر الناهى، وإذا كان عبدالفتاح إسماعيل المسئول الأول من الناحية التى تطلع أنت عليها، يأخذك من يدك لسيد قطب فى رأس البر ليسألك ويحدد من تصلح زوجة لك ومن لا تصلح.. فما هى وضعيته؟ ثم من سيكون فوق سيد قطب فى هذا الوقت الذى خفت فيه بريق الجميع، بينما بزغ نجم قطب منفرداً؟ بل إن فى موضع آخر من التحقيقات يشير بديع إلى أنه تم تزويده داخل التنظيم بمنشورات مكتوبة بخط اليد تحت عناوين «خيوط خطة» و«من هم؟» ومن نحن؟» و«الحاكمية»، وهى المنشورات التى كتبها سيد قطب، لكن بديع لا يعرف من الكاتب.
يسأل محمد وجيه قناوى المتهم محمد بديع:
- هل اهتديت لكاتب هذه المنشورات؟
- أنا سألت مرسى من كاتب هذه المنشورات قال لى شخص من الإخوان المسلمين موجود فى السجن.
- ألم يحدد لك من هو الشخص وكيف تسرب هذه المنشورات من السجن إلى يد التنظيم؟
- لا مقاليش ولكن ما تردد فى المنشورات كان يتردد فى كتب سيد قطب والمودودى.
أى إن محمد بديع رضى من عبدالفتاح إسماعيل بعدما أدى له يمين الولاء بقوله إن التنظيم لا يتبع الإخوان المسلمين، ثم فيما بعد وهو يقرأ منشورات التنظيم العقائدية يقال له إن كاتبها من الإخوان المسلمين وفى السجن!
ثم يقول إن كاتبها من الإخوان وفى السجن وما يتردد فيها كان يتردد فى كتب سيد قطب، لكنه مع ذلك عاجز عن الاستنتاج أن سيد قطب هو زعيم التنظيم!