"طريق الرحمة": مواجهة إباحة ضرب الزوجات وإيذاء الأطفال وجرائم الشرف

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

"طريق الرحمة": مواجهة إباحة ضرب الزوجات وإيذاء الأطفال وجرائم الشرف

"طريق الرحمة": مواجهة إباحة ضرب الزوجات وإيذاء الأطفال وجرائم الشرف

حارب الإسلام كافة أشكال العنف والتعذيب، وعلى رأسها العنف الأسرى، إلا أن الرؤى الشاذة أحالت دون توضيح هذا الأمر، فاعتبرت الرجل الآمر الناهى فى كل شىء حتى حياة امرأته وأبنائه ويجوز له ضربهم حتى الموت فى سبيل تحقيق المصلحة والحفاظ عليهم، ما نتج عنه العديد من وقائع التعذيب الأسرى خلال السنوات الماضية، والتى أثارت استياء داخل المجتمع المصرى.

وخصص شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب برنامجاً فى شهر رمضان لمواجهة ظاهرة العنف الأسرى، حيث أكد الإمام الأكبر أنه لا يجوز ضرب الزوجة غير الناشز مهما وصل حد الخلاف، فيحرم ضربها، كما لا يجوز أن يبدأ العلاج بالضرب الرمزى، بل يبدأ بالموعظة، ثم الهجر فى المضجع، ثم يأتى بعد ذلك الضرب الرمزى، والضرب فى الآية الكريمة «واللاتى تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن فى المضاجع واضربوهن»، لم يأت هنا لا على سبيل الفرض أو الوجوب ولا السنة أو الندب، بل هو أمر يباح اللجوء إليه فقط إذا تأكد أو غلب الظن أنه سينقذ الأسرة من التفكك.

"الأزهر" يطلق حملتى "جنة" و"أولو الأرحام" لنشر المودة بين أفراد الأسرة

أوضح أن الضرب الرمزي، لا يكون على الوجه، بل يكون ضرباً رمزياً، كأن ينكز الرجل زوجته بمسواك أو فرشاة أسنان، بهدف كسر تكبرها وتجبرها فقط، وذلك بنية الإصلاح ومن منطلق محبة الزوج لزوجته وحرصه على الحفاظ عليها، كما يفعل الأب أو الأم مع الابن أى أنه ليس من قبيل العدوان، لأنه إذا كان من قبيل العدوان فهو محرم، كما أطلق الأزهر حملة «أولو الأرحام»، لمواجهة العنف الأسرى، ومخاطر ذلك على استقرار الأسرة والمجتمع، وتوضيح الأسس السليمة لترسيخ روح المودة والرحمة بين أفراد الأسرة. كما أطلق أيضاً حملة «جنة»، لمناهضة العنف ضد الأطفال، والتوعية والتذكير بحقوق الطفل على والديه ومجتمعه، وتوضيح الأسس السليمة لبناء طفل سليم.

"الجندى": الإسلام لا يقر التعامل باستخدام العنف

بدوره، أكد د. محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن ظاهرة العنف الأسرى، تعرف بأنها استخدام أحد أفراد الأسرة العنف فى الاعتداء لفظياً أو جسدياً على فرد أو مجموعة بالأسرة، كالذى يحدث بين الأزواج، ومن الآباء والأمهات تجاه أطفالهم، أو حتى تجاه المسنين أو ذوى الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن العنف بين الأطفال أنفسهم، ويرجع لأسباب اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ونفسية، والإسلام لا يقر التعامل باستخدام العنف بين الناس عامة، وبين أفراد الأسرة الواحدة خاصة، ويظهر هذا الأمر واضحاً فى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فقد رغب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الإنسان فى التحلى بالرفق فى جميع أحواله، فقال:«إن الرفق لا يكون فى شىء إلا زانه، ولا ينزع من شىء إلا شانه».

الشرع الحنيف، وضع قواعد تعامل الأسرة مع الأطفال، حسبما أوضح الشيخ محمود شلبى أمين الفتوى بدار الإفتاء، حيث أكد أن الضرب ليس هو الوسيلة الأنفع فى التربية، كما يقرره كثير من علماء التربية والنفس، فالعنف يولد السلوك العدوانى لدى الطفل المعاقب، فينظر لمن ضربه نظرة الحقد والكراهية، ولا يجوز أن تكون العلاقة قائمة على الخوف، بل قائمة على المودة والحب والاحترام، فلا يجوز اللجوء لضرب الطفل مع وجود البدائل التربوية النافعة للتوجيه والتقويم ترغيباً وترهيباً، فالنبى لم يرد عنه أنه ضرب طفلاً قط، وهو الأسوة والقدوة الحسنة الذى يجب أن نقتدى بسيرته الكريمة العطرة فى التربية والتوجيه».

"شلبى": النبى لم يضرب طفلاً قط

واستشهد أمين الفتوى، بما روته أم المؤمنين عائشة حين قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد فى سبيل الله، وما نيل منه شىء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهك شىء من محارم الله فينتقم لله عز وجل»، وأضاف: الأصل فى الشرع حرمة الإيذاء بكل صوره وأشكاله، وضرب الصبى لا يجوز أن يكون بالسوط والعصا ونحوهما، بل يكون باليد فقط تعبيراً عن اللوم وإظهاراً للعتاب، ولا يجوز أن يكون بقصد الانتقام بل التأديب، كذلك يجب أن يبتعد عن الأماكن الحساسة والأماكن الشريفة التى يشعر الضرب فيها بالمهانة، كالوجه والرأس والنحر والفرج والقفا، ولا يجوز أن يكون الضرب مبرحاً ولا مدمياً ولا مؤذياً» كما ذكر بعض الفقهاء أنه لا تجوز الزيادة على 3 ضربات، لما روى أن النبى، صلى الله عليه وآله وسلم، قال للصحابى مرداس المعلم «إياك أن تضرب فوق الثلاث، فإنك إن ضربت فوق ثلاث اقتص الله منك».

د. سعاد صالح، رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أكدت أن العنف الأسرى تعامل غير آدمى وتحول الأسرة من السلوك العقلى الإنسانى للسلوك الحيوانى العنيف، فالإسلام لا يقر التعامل بالضرب حتى حديث النبى «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر» ليس معناه إقرار الضرب والإيذاء النفسى بقدر ما هو نوع من التربية والترويض فالبعض يتخذ هذا الأمر بوابة للجلد والعقاب البدنى وهو سلوك منهى عنه، الضرب للإرشاد وليس للتشويه والتجريح بل هو «ضرب خفيف»، موضحة أن العلماء قالوا إن الأفضل تركه والتعامل بالإقناع حتى يكون ولى الأمر قدوة للطفل.

وأضافت: لو صح الضرب كوسيلة للتربية فى فترة زمنية ما فلا يصح فى كل العصور، وللأسف الضرب يشوه روح الطفل، كذلك علينا الاقتداء بالنبى محمد فى التعامل برفق مع الطفل، فعن عائشة رضى الله عنها قالت: جاء أعرابى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: تقبّلون الصبيان فما نقبّلهم، فقال النبى: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة». ودعت رئيس قسم الفقه المقارن لضرورة وضع تشريعات وقوانين للحد من ظاهرة العنف ضد الطفل وضد المرأة.

وفى سياق متصل، قاومت دار الإفتاء المصرية القتل باسم جرائم الشرف وأوضحت، فى فتوى لها أنها من المحرمات العظيمة والكبائر الجسيمة، واتفق أهل الملل على تحريمها، وجعلوها من أشد الحدود، لأنها جناية على الأعراض والأنساب، فالشرع الحنيف وضع تعريفاً دقيقاً منضبطاً لجرائم الشرف جعل له صورة محددة لا تلتبس بغيرها من الصور نظراً للخطر العظيم لهذه الجريمة وما يتبعها من آثار، لذا احتاط الشرع احتياطاً شديداً فى إثباتها، ووضع شروطاً دقيقة لترتيب العقوبة عليها، ولم يثبتها إلا بأحد أمرين، أولهما الاعتراف وهو الإقرار من الفاعل بأنه ارتكب الجريمة، والثانى هو البينة، أن يشهد 4 شهود بأنهم قد رأوا حدوث الفعل، مشيرة إلى أنه بدون هذين الطريقين لا يعول على إثبات جريمة الزنا.


مواضيع متعلقة