عمر الجيزاوي.. مونولج الأفندي "أبو جلابية"

عمر الجيزاوي.. مونولج الأفندي "أبو جلابية"
يرتدي جلباباً فضفاضاً يرفعه من منطقة الوسط ويضع رباطاً محكماً، وعلى رأسه عمامة من عِدة طبقات، ويتحدث بلكنة صعيدية تخطف بسمتك وانتباهك فور سماعها.
لم يتخل عن هذا الزي يوماً، وعندما غيره مازحته الفنانة شادية، "من بعد طاقية وجلابية، شرّفت يا فندي الأفندية"، ليرد عليها وهو ممسكاً برباط العنق، سائلاً إياها "ماخبرشي دي إيه؟"، لترد: "دي الكرافتة"، ويعود سائلاً ملوحاً بجاكت البدلة، "ودي تطلع إيه"، تخبره شادية،"تبقى جاكتة"، وتستمر هي "وده حزام تتحزم به"، لينفعل الصعيدي: "هو أنا هترجص يا ولية".
هذه المقطوعة الغنائية، كانت في فيلم "بنت الجيران"، الذي ظهر فيه الفنان عمر الجيزاوى، الذي ولد في مثل هذا اليوم 24 ديسمبر من عام 1917، وأداها أمام الجميلة شادية، والفنانة وداد حمدي.
عمر الجيزاوي، الذي اشتهر بتأدية دور الصعيدي ذو الجلباب الفضفاض، ممسكاً بيده طرف جلبابه دائماً، وباليد الأخرى ممسكاً عصاه التي يتكأ عليها، عاشقاً للغناء والكوميديا، وقف أمام إسماعيل ياسين، والسيد بدير، وكبير الرحيمية محمد التابعي، وشكّل الرباعي فريقاً يتنافس كل منهم في إطلاق الإيفيهات، في فيلم "ابن ذوات"، ولم يخلو الفيلم من غناء "الجيزاوي" بلكنته الصعيدية "سِماعين يا وِلد الزين، جوازك الليلة.. مبروك يا نور العين يا مشرّف العيلة".
نشأة "الجيزاوي" كانت في محافظة أسيوط، واسمه الحقيقي عمر سيد سالم، ابتعد عن التعليم، وكان يملك صوتاً عذباً، لدرجة جعلته يغني بين أبناء قريته والقرى المجاورة، حتى جاء إلى الجيزة، ليغني في الأفراح الشعبية والملاهي الليلية، وذاع صيته.
يُعرف عن "الجيزاوي"، زيجاته الكثيرة، وإنجابه عدد من الأبناء، كما تميز بطيبة القلب، وعِشقه للمونولج، منها "الفاكك والفكوك"، و"العرقسوس شِفا وخمير.. يااللي اللمون منك بيغير"، ومن أشهر أغنياته "اتفضل قهوة"، والتي قلدته فيها الطفلة الصغيرة لبلبة عام 1954 في فيلم "4 بنات وضابط"، وهي ترتدي جلبابه وتترقص بالعصا، وتردد "اتفضل جهوة .. أنا متشكر.. اتفضل جهوة.. لسه طافحها".
شهرته بتأدية المونولوجات الساخرة، جعلته يزور عدد كبير من مختلف بلدان العالم، بصحبة فرقته الاستعراضية، ونال شهرة واسعة بالتحديد في دولة فرنسا، تم تكريمه في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لمجهوده الحربي عام 1956، وتكريمه في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، والذي سبق وغنى "الجيزاوي" في فرحه.
اشترك "الجيزاوي"، في عدد من الأفلام، منها "حلال عليك، خد الجميل، أنا الدكتور، لسانك حصانك"، ولكن هذا القلب الطيب والوجه الضاحك، عرف طريق الاكتئاب، بعدما جرى إذاعة أغنية "شادية" الوطنية، "مصر اليوم في عيد"، منسوب لحنها إلى جمال سلامة، خصوصاً أنَّ "الجيزاوي"، سبق ولحّن هذه الأغنية وسجلها بصوته في الإذاعة المصرية "ياللى من البحيرة وياللي من أخر الصعيد"، وتقدم ورثته بشكوى إلى وزارة الثقافة وجمعية المؤلفين والملحنين، وتبي بعدها أن "المذهب" من تلحين الجيزاوي، وتمّ تسجيل اللحن مناصفة مع جمال سلامة.
وبعد سنوات من عِشق الفن والغناء، توقف قلب عمر الجيزاوي عن النبض، ليرحل عن عالمنا في 22 أبريل 1983، تاركاً وراءه إرثاً فنياً كبيراً، وأدوراً رغم تشابهها لكنها ستظل خالدة على مر الزمان.