"العملات الرقمية" تقلب موازين العالم.. والبنوك المركزية تتحرك لمواكبة التغيرات

"العملات الرقمية" تقلب موازين العالم.. والبنوك المركزية تتحرك لمواكبة التغيرات
- العملات الرقمية
- البيتكوين
- العملات الرقمية غير الرسمية
- البنك المركزى المصرى
- العملات الرقمية
- البيتكوين
- العملات الرقمية غير الرسمية
- البنك المركزى المصرى
يبدو أن التكنولوجيا لن تنتهى من إخراج ما فى جعبتها بعد، ولكن من المؤكد أن العالم على موعد مع تغيرات جذرية ستُغير كثيراً من مجريات الاقتصاد، فمنذ 8 سنوات اخترع ساتوشى ناكاموتو «البيتكوين» كأول عملة رقمية لم تصدر عن بنك مركزى ويتم تداولها إلكترونياً، وعلى الرغم من الانتقادات الكبيرة التى شهدتها العملات الرقمية عقب إطلاق «البيتكوين»، إلا أنه فى السنوات الأخيرة وصل عدد العملات الرقمية لنحو 2500 عملة رقمية، وأعرب أكثر من 150 بنكاً مركزياً فى الآونة الأخيرة عن رغبتها فى إصدار عملات رقمية، الأمر الذى يُعيد رسم مستقبل العملات وأساليب الدفع عالمياً.
150 بنكاً مركزياً تستعد لإصدار عملات رقمية رسمية وتقرير دولى: انتشارها قد يزيح الدولار من صدارة الاحتياطيات الدولية
وتعد العملات الرقمية عملات افتراضية يتم تداولها بشكل إلكترونى فقط، ولا يمكن طباعتها مثل النقود الورقية والمعدنية، كما يمكن شراء أى سلعة أو خدمة من خلالها مثلها مثل الأموال التقليدية، وأهم ما يميز العملات الرقمية أنها عملات يتم التعامل بها مباشرة بين شخص وآخر دون الحاجة لوسيط مثل الحكومات والبنوك.
مزايا ومخاطر
تتميز العملات الرقمية برسوم تحويل منخفضة جداً مقارنة بالطرق الأخرى لتحويل الأموال، كما يتاح استخدام العملة الرقمية لكل متصل بالإنترنت بشكل مباشر وسريع، كما أنها تُيسر من حركة التجارة العالمية خاصة أنها تتيح للأفراد تحويل الأموال عبر الحدود دون التأثر بمضاعفات تقلبات أسعار الصرف.
وعلى الرغم من مزايا العملات الرقمية المتعددة إلا أنها تحتوى على مخاطر كبيرة، تبرز فى إتمام كل المعاملات المالية إلكترونياً التى قد يتم توجيهها للأعمال غير المشروعة، خاصة فى الدول النامية التى لم تتوسع فى استخدام نظام الـBIG DATA.
ويرى بعض الاقتصاديين أنه قد يصعب الثقة فى نظام إلكترونى يتم من خلاله تداول الأموال وحفظ مدخرات الأفراد، بينما قد يتعرض النظام إلى اختراق إلكترونى، لذلك تطلب الصين من شركات الدفع الإلكترونى أن يربطوا العملات الرقمية باحتياطات مالية بنسبة 100% يتم وضعها فى البنك المركزى التابع للدولة، والتى قد تُعد فكرة جيدة ستحمى أموال الأفراد.
وقد يكون للعملة الرقمية تأثير سلبى على البنوك لأن الصفة الأساسية للعملات الرقمية تكمن فى إلغاء دور الوسيط المالى وتتم المعاملات المالية بين شخص وآخر بشكل مباشر، مما قد يحد من المعاملات المالية التى ستتم من خلال القطاع المصرفى، خاصة إن لم تتمكن البنوك من تقديم خدمات إلكترونية لتداول العملات التقليدية تواكب الأدوار التى تلعبها العملات الرقمية وتتمكن من منافستها.
لماذا نحتاج لعملات رقمية رسمية؟
على الرغم من إبداء أوجستين كارستينس، المدير العام لبنك التسويات، وهو البنك المركزى للبنوك المركزية، عدم ترحيبه بإصدار البنوك المركزية لعملات رقمية، إلا أن قرار موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» بإصدار عملته الرقمية التى تدعى «ليبرا» قلب الموازين العالمية، وأجبر «كارستينس» على مناشدة البنوك المركزية بإصدار عملات رقمية رسمية، حيث يرى أنه على الدولة اللحاق بالركب العالمى، وإصدار بديل رسمى وآمن وأقل مخاطرة عن العملات الرقمية غير الرسمية والتى تخرج عن رقابة الدولة، ولذلك أعلن ١٥٠ بنكاً مركزياً من مختلف دول العالم عن اعتزامهم إطلاق عملات رقمية رسمية، أبرزها كان البنك الفيدرالى الأمريكى، والبنك المركزى بالسويد. وعبرت كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولى السابق، أنه على البنوك المركزية أن تعمل بشكل جدى على إصدار عملات رقمية رسمية، لأنها تُعد تجربة جديدة لا بد أن يتم التعامل معها بحذر شديد.
وترى «لاجارد» أن إصدار البنك المركزى عملات رقمية سيدعم الدول فى تحقيق أهدافها العامة مثل الشمول المالى، والأمن وحماية المستهلك، موضحة أن تعامل غالبية الأفراد مع النظم التكنولوجية سيُتيح الفرصة أمام العملات الرقمية للانتشار سريعاً.
المضاربة فى العملات الرقمية
يبدو الأمر غريباً أن عملة رقمية ليس لها وجود مادى يتم التعامل عليها كسلعة وتدخل حيز المضاربة بين الأفراد، إلا أن الواقع كان له رأى آخر، حيث تمكنت العملات الرقمية من تحقيق مكاسب قوية رفعت من قيمتها السوقية خلال عام 2018 من 120 مليار دولار إلى 760 مليار دولار، ورغم المكاسب الكبيرة التى حظيت بها العملات الرقمية، إلا أن المضاربة بها شديدة الخطورة، وذلك لأن العملات الرقمية تخضع لقوانين العرض والطلب بشدة، لأنها ليست سلعة أساسية ولم يتم ربطها بأصول أو قيم اقتصادية حتى الآن، لذلك تتأثر القيمة السوقية سريعاً بالعرض والطلب على هذه العملة، فدائماً ما تجدها تتأثر صعوداً وهبوطاً وغير مستقرة تماماً.
الدولار V.S العملات الرقمية
أوضح تقرير مفصل أعدته صحيفة «وول ستريت جورنال» أن توجه كثير من دول العالم لإصدار عملة رقمية سيهز من ثبات الدولار كاحتياطى للبنوك المركزية، وقد يشعل حرب عملات جديدة بين العملات الرقمية والدولار.
وأشار التقرير إلى أن تراجع حصة صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من إجمالى الصادرات العالمية إلى 8.8% بعدما كانت 25% منذ بداية العام الحالى سيدعم موقف استخدام العملات الرقمية أمام الدولار، ولا داعى للتعجب عندما يطالب محافظ البنك المركزى بإنجلترا إلى التخلص من الاعتماد على الدولار والتعامل بدلاً منه بعملة رقمية لتكون العملة الاحتياطية عالمياً، كما طالب بإنشاء منظومة مالية متعددة الأقطاب عن طريق عملة احتياطية رقمية مدعومة من البنوك المركزية العالمية وفقاً لما ذكره التقرير الصادر عن «وول ستريت جورنال».
تجربة مصرية مرتقبة
منذ حوالى عام أعرب البنك المركزى المصرى عن رغبته فى إصدار عملة رقمية تواكب المجريات العالمية التى يمر بها سوق العملات، خاصة بعد زيادة أعداد مستخدمى العملات الرقمية والمضاربة بها، ولم تكن هذه أولى خطوات «المركزى» بهذا الشأن، ففى بيان رسمى له حذر من استخدام العملات الرقمية غير الرسمية لأنها شديدة التقلب نتيجة مضاربة الأفراد عالمياً عليها دون مراقبة جهة رسمية، مما يجعل قيمتها ترتفع بشكل مبالغ ثم تخسر قيمتها بشكل مفاجئ، فالعملات الرقمية غير الرسمية بمثابة فقاعات متنامية قد تنفجر قريباً، لذلك كان لا بد على البنك المركزى إصدار عملة رقمية تتم المراقبة عليها تضمن الحفاظ على أموال الأفراد.
وقال إيهاب نصر، وكيل المحافظ المساعد لنظم وخدمات الدفع وتكنولوجيا المعلومات بالبنك المركزى، إن العملة الرقمية ستخفض من التكاليف الضخمة لطباعة النقود التى تتحملها الدولة، وستجبر الأفراد على أن تكون كل التداولات إلكترونية، كما ستدعم توجه الدولة نحو التحول إلى مجتمع رقمى خالٍ من تداول الكاش.
إيهاب نصر: "المركزى المصرى" يدرس إصدار عملة رقمية بالتعاون مع خبراء دوليين.. والقطاع المصرفى القناة الرسمية لتداولها
وأشار إلى أن إصدار عملة رقمية رسمية سيدعم الدور الرقابى للدولة على الأموال التى يتم تداولها، خاصة أن العملة الرقمية المصرية سيتم تداولها من خلال القطاع المصرفى، مما يعنى أن البيانات المالية ستكون فى قبضة البنوك، وبذلك ستحد كثيراً من توجيه الأموال فى الأعمال غير المشروعة، كما ستضاعف العملة الرقمية من حصيلة الضرائب وستقلص من الأموال المهدرة لدى الدولة.
وتابع «نصر» أن تثقيف وتوعية الأفراد بمدى أهمية استخدام العملة الرقمية الرسمية وليست العملات الرقمية غير المشروعة تحصل على حيز كبير من الدراسة الحالية التى يعدها البنك المركزى لإصدار عملة رقمية.
وذكر أن البنك المركزى المصرى يعكف على إصدار العملة الرقمية بأعلى درجات الأمان، ضماناً للحفاظ على أموال ومدخرات الأفراد باستخدام أفضل النظم المالية الإلكترونية عالمياً.
يحيى أبوالفتوح: "الدراسات الدقيقة" الفيصل فى نجاح العملات الرقمية الرسمية
ويرى يحيى أبوالفتوح، نائب رئيس البنك الأهلى المصرى، أن إصدار البنوك المركزية عملات رقمية رسمية تُعد تجربة جديدة، ومليئة بالمخاطر، لذلك لا بد من إعداد الدراسة جيداً لكيفية تطبيقها مهما تكلف الأمر من وقت، خاصة مع عدم وجود تجربة سابقة يمكن الاقتداء بها، حيث إن كافة الدول ما زالت فى مرحلة الدراسة والتجربة.
وأوضح أن إصدار عملات رسمية رقمية أمر ضرورى لتكون بديلاً أمام الأفراد عن استخدام العملات الرقمية غير الرسمية والتى يتم تداولها عالمياً بشكل كبير.
وقال أبانوب مجدى، محلل أول قطاع البنوك والمؤسسات المالية فى شركة بلتون فايننشيال، إنه على البنك المركزى المصرى الاستعداد ووضع اللوائح والنظم اللازمة لإصدار عملة رقمية، خاصة أن هناك نحو 150 دولة حول العالم تدرس إصدار عملات رقمية.
أبانوب مجدى: ربطها بقيم اقتصادية "ضرورى" للحفاظ على أموال الأفراد
وأشار إلى أن مصر أمامها فترة ليست بالقصيرة لإصدار عملة رقمية، مشيراً إلى أن عدد المتعاملين مع البنوك من خلال الإنترنت والموبايل البنكى لا يتخطى الـ9 ملايين فرد فى مصر، مشيداً بدور البنك المركزى فى ضبط وإحكام الرقابة على جميع المعاملات التى تتم من خلال الأنظمة التكنولوجية المختلفة.
وأوضح «مجدى» أن العملة التقليدية عادة ما تكون مربوطة بقوة اقتصادية ولها قوة سياسية، أما العملة الرقمية مثل عملة فيس بوك «ليبرا» فتربط بكيانات اقتصادية كبيرة، ولابد أن يتم ربط العملة الرقمية فى مصر بودائع أو نشاط اقتصادى معين لضمان الحفاظ على أموال ومدخرات الأفراد.