سامي عبدالراضي يكتب: نائب عام مصر.. و"فتاة الشرف"

كتب: سامي عبدالراضي

سامي عبدالراضي يكتب: نائب عام مصر.. و"فتاة الشرف"

سامي عبدالراضي يكتب: نائب عام مصر.. و"فتاة الشرف"

1- نموذج خاص وقضية فرضت نفسها على الرأي العام طوال 130 يوماً.. وتحديدا منذ 12 يوليو الماضي.. وهي قضية "فتاة الشرف بالعياط" والتي كتب السطر الأخير فيها المستشار الجليل حمادة الصاوي النائب العام.. وجاء قراره أمس: "بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد أميرة أحمد عبدالله مرزوق "فتاة العياط" لعدم الجناية لوجودها في حالة دفاع شرعي عن عرضها "هكذا حسم الغموض والتفاصيل ومنع الجدل وكشف الستار بوضوح عن وجه العدالة الذي طل بقوة وشفافية على "أميرة" لتنجو من محاكمة.. بعد أن نجت منذ أسبوع من حبس وحجز بين مجرمات ومتهمات في جرائم قتل وسرقة ومخدرات وآداب على مدار اكثر من 120 يوما في حجز مركز شرطة العياط.

2- تابعت تفاصيل القضية منذ كانت دماء القتيل في المنطقة الصحراوية بالعياط.. وتوصلت الى معلومات وأقوال الصغيرة في أوراق التحقيق منذ الأسبوع الأول.. ونوهت في مقال سابق بأن القضية مصيرها "البراءة" وهو ما حسمته النيابة العامة بعدل مطلق، ليل أمس، حين أعلنت انتهاء القضية كاملة في الشق الخاصة بالمتهمة أميرة.. ولا أعرف لماذا تم حبسها منذ يوليو وكيف كان يجدد حبسها.. وكيف قضت تلك المدة.. وكيف لفتاة دافعت عن شرفها.. ووجدت نفسها فجأة في صحراء.. لا يوجد بها بشر.. وجدت نفسها بين خيارين في منطقة صحراوية.. وكان الليل يقترب من القدوم.. الخيار الأول أن تستسلم لشاب في سيارته "الميكروباص" ويعتدي عليها ويقضي على عذريتها.. والخيار الثاني أن يقتلها بـ"سكين " كانت "مقيمة" في سيارته "لزوم المشاجرات".. هنا الدفاع عن النفس يختلف.. فالمكان ليس مزدحماً بالمارة.. ليس في قلب القاهرة أو في قرية.. ولكنه في صحراء.. لا مجيب ولا مغيث.. مثلا عندما تدافع فتاة عن نفسها في شارع مزدحم.. ستجد العشرات يتدخلون مع "الطعنة الأولى".. ولكن في الصحراء.. زادت عدد طعناتها.. لأن القتيل لم يتوقف عن ملاحقتها.. فكلما اقترب طعنته.. لأنه لا بديل.. ولا هروب.. وكان الأمر منذ أيامه الأولى "دفاع شرعي".. ولم ينتبه لذلك إلا مؤخراً ومع قدوم النائب العام الجديد المستشار حماده الصاوي.. وأخلي سبيل الفتاة منذ نحو أسبوع.. وفي الأيام الأخير تم كتابة مذكرة توضح وضعية الدفاع الشرعي وظروفه وانتهت الدعوى نهائيا.

3- الفتاة عمرها 15 عاماً.. وماذا يعني هذا.. يعني أنه إذ واقعها شخص جنسياً فإن ذلك يعتبر اغتصاب.. وإذ واقعها أحدهم برضاها وأفقدها عذريتها مثلا من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر فهذا اغتصاب لأن الطفلة قاصر ولم تصل بعد إلى سن الـ18 عاماً.. وهو ما يعني أن هناك جريمة بحق أي شخص اقترب من الفتاة.. سواء حاول أو مارس الجنس على فرضية حدوث الممارسة في أوقات سابقة ليست بالطبع يوم الجريمة التي انتهت بمقتل المجني عليه الأمير.. سائق العياط.

4- وهل يفيد في التحقيقات أن الفتاة عذراء أو ليست عذراء.. نعم يفيد.. فإذ كانت الفتاة عذراء.. فهي تشتبك مع من يحاول الاعتداء عليها بطعنات كثيرة وهيستيرية.. وهذا الكلام يتطابق مع عدد الطعنات وقد وصل إلى 13 في حالة جريمة العياط.. وماذا عن فرضية كونها ليست عذراء، ففي هذه الحالة تكتفي المعتدى عليها بطعنات قليلة.. ولكن هنا "ظرف المكان مختلف.. فالفتاة.. كانت في منطقة جبلية وعرة بعيدة عن العمران والبشر.. وحدثت الجريمة.. وهنا زادت عدد الطعنات التي سددها للقتيل ورفعت شعار: "يا قاتل يا مقتول".

5- البيان الصادر عن النائب العام، أمس الثلاثاء، أفاد بأن تحقيقات النيابة العامة كشفت عن تفصيلات الواقعة التي وقعت 12 يوليو 2019، عندما انتهى لقاء المجني عليها بصديق لها وآخر بحديقة الحيوان واستقلوا حافلة إلى منطقة المنيب، حيث غادرها مرافقاها ليستقلا حافلة أخرى يعرفان سائقها الأمير فهد زهران عبدالستار؛ ذلك السائق الذي استغل لحظات ترجل صديقها من الحافلة بموضع بالطريق تاركًا هاتفه المحمول؛ ليجيب على اتصال من المجني عليها، واقفًا منه على رقم هاتفها، أخبرها خلاله بعثوره على الهاتف وبتواجده بمركز العياط وأن بإمكانها استلامه منه هناك، فعاودت الاتصال بصديقها مرات دون رد منه؛ لذلك استقلت حافلة إلى مركز العياط لاستلامه، وفي طريقها هاتفها السائق من هاتف نجل عمه، ووصف لسائق حافلتها الطريق إلى محطة وقود بالعياط للقائها فيها.

6- التحقيقات أضافت: "وما أن وصلت إليها والتقته حتى زعم بأن صاحب الهاتف قد تسلمه قبيل وصولها مباشرة، فصدقت زعمه وطلبت منه إيصالها إلى أقرب مكان تستقل منه حافلة إلى مسكنها بالفيوم لنفاذ مالها، فوجد في طلبها فرصة سانحة للوصول إلى مبتغاه، وعرضه عليها أن يقلها بحافلته إلى مسكنها بالفيوم؛ فما فطنت لسوء نواياه واستقلت الحافلة معه حتى توقف بها بمنطقة نائية وراودها عن نفسها؛ فلما رفضت ضرب وجهها وأشهر سكينًا يهددها به؛ فأوهمته بالقبول وطلبت منه إبعاد السكين لتمكنه من نفسها، فتركه وترجل متوجهًا إليها، وقبل وصوله استلت السكين وعاجلته بطعنة برقبته؛ فخلع قميصه ليحبس به نزف دمائه، واستكمل محاولاته للنيل منها، فانهالت على جسده بطعنات أصابت صدره ومواضع أخرى بجسده، حتى أيقنت خلاصها منه، وانطلقت تبحث عن الطريق حتى أبصرت مزارعين أعاناها على الوصول إلى عامل مسجد مكنها من الاتصال بوالدها لتبلغ الشرطة.

7- النيابة العامة عاينت مكان الواقعة، وتبين أنها بمنطقة صحراوية نائية بجبل طهما؛ وسألت المزارعين وعامل المسجد ومن تواجدوا بمحطة الوقود وقت لقاء المجني عليها المتوفى، ومن بينهم نجل عم الأخير وسائق الحافلة التي أقلتها إلى تلك المحطة.

8- الشهود بتفصيلات عن الواقعة لم تخالف ما كشفت عنه مشاهدة النيابة العامة لتسجيلات آلات المراقبة الخاصة بالمحطة من استقلال المجني عليها سيارة المتوفى رفقته، كما أمرت بإجراء الصفة التشريحية لجثمان المتوفى، والتي أثبتت أن وفاته حدثت من الإصابات الطعنية بالعنق والصدر، وأن الواقعة تحدث وفق التصور الذي كشفت عنه التحقيقات.

9- النيابة العامة طلبت تحريات المباحث والتي أجراها رئيس مباحث مركز العياط، وتأكد من خلالها من صحة رواية المجني عليها بشأن قتلها من توفى دفاعًا عن نفسها، واستعلمت النيابة العامة عن السجلات الخاصة بالخطوط الهاتفية التي جرت عبرها المحادثات المتعلقة بالواقعة، والتي جاءت متفقة وما أدلى به شهودها وقررته المجني عليها.

10- النيابة العامة استجوبت صديق المجني عليها ومن رافقه، فقرر صديقها بترجله من الحافلة قيادة من توفى وتركه هاتفه المحمول بها، وحال عودته إليها أبصره يتحدث عبر هاتفه مع المجني عليها غير أنه لم يكترث لذلك، وأن انشغاله بمرض والدته منعه من الرد على اتصالاتها التالية.

11- بيان النيابة لم يتوقف عند تفاصيل التحقيق في الواقعة ولكن النيابة وجهت رسالة قوية لكل أسرة.. ولكل أب وأم.. وناشدت الجميع الالتزام بالسلوك القويم.. ووجهت رسالة مباشرة للفتاة وأسرتها.. حيث قال البيان: "وأهابت النيابة العامة بالمجني عليها التزام السلوك القويم، وعدم إيراد نفسها موارد المخاطر والشبهات، كما تهيب بكل أب وأم أو ولي أمر، أن يرعوا أبناءهم وأن يضعوا أمنهم وحمايتهم نصب أعينهم، وأن يعظموا في أنفس فتياتهم وفتيانهم البعد عن مواطن المخاطر، بأن يفطنوا لخداع شرار الناس، وبأن يجعلوا الكياسة لتصرفاتهم أساس؛ فإن الوقاية من الخطر خير من علاج نتائجه بعد وقوعه".

 12- تحقيقات النيابة كانت الكلمة "الفصل".. وظهرت جلية مبررات ودوافع الفتاة في الدفاع عن نفسها وعن شرفها.. وجاء تحرك النيابة اللافت والسريع في الحسم وانهاء الجدل بعد شهور قضتها الصغيرة كما ذكرت داخل الحبس.. وكان يجدد حبسها وهي ابنة 15 عاماً دون مراعاة للظروف التي تواجهها في محبسها أو لتعاملها مع "متمرسات" في الإجرام.

13- البريق عاد الى النيابة العامة واستردت سرعتها في التعامل مع القضايا.. وزادت "الهيبة والتنظيم والنظام".. وتابعنا كيف كانت بيانات النيابة العامة حاضرة في قضية "البنا وراجح".. وكيف حسمت الجدل في قضية محمد عيد ضحية تذكرة قطار طنطا.. وكيف حققت وتوصلت إلى شهود في طنطا والقاهرة والأقصر حول جريمة وقعت تفاصيلها على قضبان السكك الحديد في قرية دفرة بطنطا.. شكراً لرجال النيابة العامة.. شكراً لنائب عام مصر.. معالي المستشار حمادة الصاوي.


مواضيع متعلقة