الكينج 42 سنة غنا.. حدوتة مصرية بطعم الحرية
محمد منير
حالة استثنائية خاصة، نجح فى وضع بصمات تفرده، فتمرد على الصورة النمطية للحالة الغنائية السائدة فى نهاية السبعينات من القرن الماضى، واستطاع فى فترة وجيزة أن يكسر «أكليشيهات» الأغنية المصرية التى اعتاد زملاؤه تقديمها، فغنى للإنسان والوطن بشكل جديد بعيد عن المباشرة، واعتمد على مدرسة «الرمز»، فأصبح واحداً من أهم مطربى مصر والوطن العربى.. إنه الكينج محمد منير. «الوطن» تحتفى بمرور 42 عاماً على صدور أول ألبوماته «علمونى عنيكى»، وكان بمثابة الخطوة الحقيقية الأولى فى انطلاقه نحو النجومية.
نجح محمد منير خلال مشوار فنى دام 42 عاماً، فى أن يضع نفسه فى مكانة مميزة بين المطربين المصريين، ربما كان أكثرهم تنوعاً فى ألوانه الغنائية، فقدم الرومانسى والدينى والاجتماعى والوطنى، كما أنه الوحيد الذى وضع بصمة خاصة للأغنية الرومانسية، وانتقل بها من مرحلة الغزل المباشر إلى الرمز.
بدأ رحلته بـ"علمونى عنيكى".. قدم 24 ألبوماً.. و"شبابيك" الأعلى مبيعاً فى الوطن العربى
رحلة محمد منير الاحترافية مع الغناء بدأت 1977 مع إطلاق ألبوم «أمانة يا بحر»، الذى اجتمعت فيه أفكار عبدالرحيم منصور الشعرية مع ألحان هانى شنودة، لكن الألبوم لم يحقق النجاح المرجو، حيث لم يتفهم كثيرون وقتها فكرة «شرائط الكاسيت»، إضافة لعدم تقبل عدد كبير من المستمعين ظهور مطرب أسمر اللون، وهى الأسباب التى أوضحها الموسيقار هانى شنودة، إلا أنه آمن وقتها بموهبة «منير»، وأصر عليه، وبعد عام أطلقا سوياً ثانى ألبوماته «بنتولد»، وكانت الانطلاقة الحقيقية لـ«الكينج»، وحقق مبيعات جيدة، ما دفع شركة الإنتاج لإعادة طرح الألبوم الأول مرة أخرى فى الأسواق، ولكن اختارت له اسماً مختلفاً، فحمل اسم أغنية «علمونى عنيكى». فى الثمانينات من القرن الماضى، وهى الفترة التى أسس فيها «منير» شعبيته الجارفة فى النوبة، وبعدد من المحافظات، بعد إطلاقه 5 ألبومات غنائية، أبرزها «اتكلمى»، «برىء»، «وسط الدايرة»، وألبوم «شبابيك» الذى لا يزال واحداً من أهم الألبومات الغنائية التى حققت مبيعات ضخمة فى تاريخ الألبومات الغنائية، ويعود الفضل فى نبوغ «منير» خلال تلك الفترة إلى أستاذه أحمد منيب، الذى غنى له عدداً من أروع الأغنيات، منها «الليلة يا سمرة»، و«أم الضفاير»، و«يا مراكبى» و«اتكلمى».
فى العقد الأخير من القرن الماضى، وصل «منير» إلى مرحلة النضج الفنى والموسيقى، وصاحبه عدد من الألقاب، منها «الكينج» و«صوت مصر»، وزخرت تلك الفترة بأعمال رومانسية ووطنية، فقدم 7 ألبومات، من أهمها «يا إسكندرية»، «أسامينا»، «الطول واللون والحرية»، «افتح قلبك»، «ممكن»، «من أول لمسة» و«الفرحة»، وقدم فيها أغنيات للمجتمع والإنسان بشكل عام.
قدم «منير» خلال مشواره الغنائى 24 ألبوماً، منها ألبومان جمع فيهما أشهر أغنياته، وهما «مشوار» الذى أصدره عام 1993، و«حواديت» الذى طرح فى 2004، وعلى صعيد الأفلام قدم أغنيات فى 16 فيلماً سينمائياً، من بينها ألبوم «حدوتة مصرية» عام 1982، و«المصير» عام 1997، و«دنيا» فى 2005، وظهر صوته فى 17 مسلسلاً درامياً، وأصدر لهم ألبومين غنائيين، هما «مقدرش» فى 1988، و«حبيبتى» فى 1998، والخاص بأغنيات مسلسل «جمهورية زفتى»، إضافة لعدد هائل من المسلسلات الإذاعية.
وعلى صعيد المسرحيات، شارك فى مسرحيتين، هما «الشحاتين» مع سعيد صالح، و«الملك هو الملك» مع صلاح السعدنى، وهى المسرحية التى أطلق فيها ألبوماً بنفس الاسم، وقدم خلال مسيرته أغنيات «دويتو»، مثل «ليه يا دنيا» مع خالد عجاج، و«القاهرة» مع عمرو دياب، و«بلاد طيبة» مع أنوشكا، و«أكيد» مع حميد الشاعرى، ليصل مجموع أغنياته لقرابة الألف أغنية.
موسيقيون: صاحب مشروع متفرد.. ولا يكتفى بنجاحاته
تعاون محمد منير خلال مسيرته الغنائية مع عشرات الشعراء والموسيقيين، كانت لديهم بصمة خاصة وضعت «منير» على طريق النجاح، وميّزته عن غيره من زملائه، وبدأت الرحلة مع الموسيقار هانى شنودة، الذى كان سبباً فى تقديمه للجمهور، وشهرته، فضلاً عن الملحن وجيه عزيز، والفنان يحيى خليل، وغيرهم. يحكى الموسيقار هانى شنودة لـ«الوطن»، عن كواليس رحلة اكتشافه لمحمد منير، قائلاً: «تعرفت على منير من خلال الشاعر الراحل عبدالرحيم منصور، الذى قدمه لى، وقال لى معايا صوت هايل من النوبة يحتاج إلى خبرتك وموسيقاك لكى يظهر بالشكل المناسب، وإنه لن يستطيع غناء الأعمال العادية التى يقدمها أغلب المطربين الحاليين، فى مصر، وحين التقينا صارت بيننا صداقة ومودة، وبدأنا سوياً رحلة النجاح مع ألبومى أمانة يا بحر وبنتولد».
وعن أقرب الأغنيات إلى قلبه، أضاف «شنودة»: «(أنا بعشق البحر)، التى أعاد غناءها بعد الفنانة نجاة الصغيرة، من أقربها إلىّ، رغم أننى كنت متخوفاً للغاية قبل بدء تسجيلها، وعدم تقبل الجمهور لفكرة غناء «منير» لعمل سبق أن قدمته نجاة، لذلك طلبت منه أن يُغنيها بطريقته ويبتعد تماماً عن أداء نجاة، وللعلم «منير» منذ ولادة الأغنية لنجاة كان موجوداً معى، وغنى لى الأغنية قبل أن أُسلمها لنجاة، وظل محتفظاً بحبه للأغنية حتى أداها بنفسه». وعن توقف عطائه مع «منير»، قال: «فوجئت فى يوم ما بمكالمة من الصحفى الفنى ثروت فهمى يخبرنى بإجرائه حواراً مع محمد منير يقول فيه إنه يرى نفسه الآن مع موسيقى يحيى خليل، وأن مرحلته الموسيقية مع هانى شنودة قد انتهت، وطلب منى الرد على منير، فأخبرته أننى سعيد بأى نجاح يحققه منير، لأنه ابنى الفنى، وعينى التى أرى بها الحياة الموسيقية».
تقول الفنانة لطيفة، أكثر المطربات اللاتى شاركنه فى حفلاته: «يوم ما أغنى مع محمد بأكون فى أسعد أيام حياتى، ورغم تعاوننا سوياً فى أعمال عدة، فإننى ما زلت أتمنى أن تجمعنا أغان جديدة، ومنير بالنسبة لى الشخص اللى بيغذى الفن زى ما نهر النيل بيغذى مصر».
يرى الموسيقار حلمى بكر، أن سر تميز محمد منير فى الغناء، على مدار 40 عاماً، يرجع إلى احتفاظه بأسلوبه وشخصيته ولونه الغنائى الخاص به، يقول: «لم يخرج عن ثوبه طوال هذه السنوات، لذلك أصبح نجماً كبيراً وناجحاً، ولديه قطاع كبير من الجمهور، لاسيما فئة الشباب، وهو دائماً ما يطور مدرسته الغنائية الخاصة، ولا يقف عند نقطة مُحددة، أو يكتفى بالنجاحات التى حققها طوال السنوات الماضية». من ناحيته، يؤكد الناقد الغنائى والشاعر محمود فوزى السيد، إن منير بمثابة مشروع غنائى متفرد، فلم يبحث يوماً عن الانتشار بقدر بحثه عن كلمة ذات مضمون، يقول: «منير يرفض تصنيفه فى قالب مُعين، وأذكر أنه كان متردداً من تقديم أغنية (لما النسيم) التى كتبها الشاعر بهاء الدين محمد، خشيه تصنيفه فناناً رومانسياً».
على "الشاشة": يختار مدرسة "شاهين" و"بشارة"
الآن، أنظر إلى الوراء متوجساً، فأشعر حيناً أننى شبعت من الدنيا، وأخذت كفايتى من كل شىء. وحيناً آخر أشعر أن كل ما تمنيته، وحلمت به، لم يأتِ بعد، وغالباً لن يأتى. عشت لحظات يأس وإحباط وفقدان توازن، وعشت لحظات أمل وفرح وثبات، وفى الحالين كان «صوت» محمد منير مثل غيمةٍ، تحملنى إلى أماكن مجهولة، قاحلة، معتمة، فى أعماق نفسى.
لم أستطع -طوال أربعة عقود من شغفى وارتباطى بهذا الصوت وصاحبه- أن أكتبه كما أشعر به. لم أكتب عنه سوى مقال صغير وهزيل فى مجلة «الكواكب» عندما سمعته لأول مرة أواخر السبعينات. ولحسن الحظ أن هذا المقال ضاع إلى الأبد. وقبل خمسة أعوام تقريباً كتبت فقرة واحدة من مقال آخر، كان عنوانها «كل الأصوات باطلة.. إلا صوتك»، ونُشِرت هذه الفقرة فى جريدة «الوطن» تعليقاً على صورة معبِّرة لـ«ملامح» محمد منير. من يومها وأنا أحاول أن أستكمل كتابة هذا المقال. أغرف من فيض مشاعرى وأبحث فى «معجمه الغنائى» عن تفسير.
تجارب تمثيلية معدودة قدّمها الفنان محمد منير، بين السينما والمسرح والتليفزيون، طوال مشواره الفنى الممتد منذ نهاية السبعينات، حقق من خلالها نجاحات لافتة، أبرزها فيلما «حدوتة مصرية» و«المصير»، ويضم تاريخه 11 فيلماً و3 مسرحيات و3 مسلسلات، آخرها مسلسل «المغنى» الذى قدمه فى شهر رمضان 2016، ليتفرغ بعدها للغناء فقط.
تقول الناقدة ماجدة موريس، إن «منير» نجح فى بعض الأعمال السينمائية، منها «حكايات الغريب» و«حدوتة مصرية» و«المصير» و«دنيا»، لكنه بدأ يتراجع فنياً بشكل تدريجى، بُغية التركيز فى الغناء، وتضيف: «أعتقد أن المُشاهد خسر (ستايل) منير فى السينما والتليفزيون كونه يمتلك هيئة مميزة، لا سيما فى الشكل، فضلاً عن أسلوب رائع فى التعبير». من ناحيته، أكد الناقد الفنى نادر عدلى، أن السينما بالنسبة لجميع المطربين فى مصر، بداية من محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، تعد نوعاً من الدعم أو استغلال لدورهم الغنائى، باستثناء محمد منير، يوضح قائلاً: «على مدار مشواره الفنى، كان منير إضافة للأعمال التى قدّمها كافة، وليس استهلاكاً لنجوميته فى وسيلة أخرى، كما أنه كان أداة للتنوير فى أفلامه».
وأوضح «عدلى» أن محمد منير، كان صاحب قضية فى الأعمال التى قدّمها، مهتماً بالثقافة، ويختم حديثه قائلاً: «المساحة التى عمل فيها محمد منير لم يقترب منها أحد على مدار السنوات الماضية، وهذا من ضمن أسباب تميزه».