نص كلمة السيسي أمام الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة

كتب: الوطن

نص كلمة السيسي أمام الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة

نص كلمة السيسي أمام الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة

شارك الرئيس عبدالفتاح السيسي، في اجتماعات الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بنيويورك، للمرة السادسة على التوالي، وألقى الرئيس السيسي كلمة مصر أمام الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وجاء نص كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي كالتالي:

السيد الرئيس، يسعدني بداية أن أقدم لكم خالص التهنئة على توليكم رئاسة الجمعية العامة، في دورتها الرابعة والسبعين، وأن أعرب عن تقديري، لجهود السيدة ماريا اسبينوزا رئيسة الدورة السابقة.

يأتي جمعنا هذا العام، في وقت ازدادت فيه جسامة التحديات التي يشهدها العالم، ما يحتم علينا جميعا، أن نفتح نقاشا معمقا، حول تطوير عملنا تحت مظلة الأمم المتحدة، إعلاء للقيم السامية.. التي تم إنشاء المنظمة على أساسها، من خلال تأكيد التزامنا بنظام دولي فاعل وعادل، قوامه الحوار والتعاون.. وإعلاء ثقافة السلام والاحترام المتبادل.

ومصر، كعضو مؤسس للأمم المتحدة، ولعدد من المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي الذي نحظى هذا العام بشرف رئاسته، وجامعة الدول العربية.. لطالما كانت لديها رؤيتها وإسهامها.. في مواجهة أهم التحديات التي يشهدها عالمنا، فاسمحوا لي من هذا المنبر المهم، أن أستعرض تلك الرؤى والمساهمات.

احترام مبدأ الملكية الوطنية للحلول أمر حتمي لضمان فاعلية منظومة العمل الدولي

السيد الرئيس، إن احترام مبدأ الملكية الوطنية للحلول، هو أمر حتمي، لضمان فاعلية منظومة العمل الدولي متعدد الأطراف، وإن لمصر تجربة وطنية رائدة في هذا الشأن، حيث أطلقت خطة طموحة للنهوض بمجتمعها على نحو شامل، بما فى ذلك التصدي الحاسم للإرهاب، أو عبر برنامج إصلاح اقتصادي، هو الأكثر طموحا في تاريخها الحديث، وذلك وفقا لخطة وأولويات تبلورت وطنيا، وحظت بدعم الشعب المصري، الذي كان له الفضل الأول في تحمل أعبائها، وتنفيذ مراحلها الأولى بنجاح.. فاق المتوقع.

برنامج الإصلاح الاقتصادي الأكثر طموحا في تاريخ مصر الحديث

وأما على النطاق الإقليمي، فقد عملنا بحكم رئاستنا للاتحاد الأفريقي.. وبالمشاركـة مع أشقائنا، على ترسيخ مبدأ "الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية"، حتى يتسنى اعتماد مقاربة شاملة، تستهدف إرساء دعائم التنمية، من خلال رؤية قارية، تستند إلى مقومات التاريخ المشترك ووحدة المصير، والثقة في قدرتنا على السير قدما نحو الاندماج.. وإعلاء مصالح شعوبنا، وتعزيزا لهذا التوجه، فقد تم تدشين آلية جديدة في القاهرة لهذا الغرض، هي "مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية"، الذي سيركز على إعادة بناء الدول.. في مرحلة ما بعد النزاعات.

ولا شك أنكم جميعا، تابعتم النتائج الناجحة لتطبيق مبدأ الملكية الوطنية، من خلال دور أفريقي فاعل، أثمر عن اتفاق السلام في أفريقيا الوسطى، وتصور مشترك بين الأطراف المختلفة في السودان، لإدارة المرحلة الانتقالية.

ومن هنا أؤكد، أهمية رفع السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، تقديرا للتحول الإيـجابي الذي يشهده هذا البلد الشـقيق، وبما يمكنه من مواجهة التحديات الاقتصادية، من خلال التفاعل مع المؤسسات الاقتصادية الدولية، تلبية لآمال شعبه، وأن  يأخذ المكانة التي يستحقها ضمن الأسرة الدولية.

وارتباطا بمبدأ الملكية الوطنية، فإن دول القارة على يقين تام، بأهمية تطوير شراكات حقيقية وفعالة، للتصدي للتحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها، وللحصول على المعرفة والتكنولوجيا وتطوير الموارد البشرية الأفريقية، وتوفير التمويل والدعم السياسي، وهي أمور تعد أساسية لتحقيق أجندة الاتحاد الأفريقي التنموية 2063.

الرئيس يطالب مؤسسات التمويل الدولية بتمويل التنمية في أفريقيا

ومن ثم، أطالب مؤسسات التمويل الدولية والقارية والإقليمية، بأن تضطلع بدورها في تمويل التنمية بأفريقيا.. بأفضل وأيسر الشروط ، مؤكدا أن القارة الإفريقية هي قارة الفرص، التي يمكن أن تكون قاطرة جديدة للاقتصاد العالمي، خاصة مع إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية، وتعزيز ترتيبات التكامل الإقليمي، ووضع استراتيجية طموحة للبنية التحتية.

وأشير في هذا الإطار إلى مبادرة مصر، بالدعوة لعقد النسخة الأولى من "منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين"، في ديسمبر من العام الجاري بمدينة أسوان، ليكون نموذجا لإطلاق الحوار بين الفاعلين الدوليين والإقليميين، من القادة السياسيين، والمؤسسات التمويلية، والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لوضع المبادرات والآليات الدولية والإقليمية في أفريقيا موضع التنفيذ.

تصفية الأزمات المزمنة الموروثة شرط ضروري لأي عمل جاد لبناء منظومة دولية أكثر فاعلية

السيد الرئيس، إن تصفية الأزمات المزمنة الموروثة، شرط ضروري لأي عمل جاد لبناء منظومة دولية أكثر فاعلية، والمثال الأبرز في هذا الشأن، هو أقدم أزمات منطقة الشرق الأوسط، وهي القضية الفلسطينية.

عدم التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية استنزاف لمقدرات الشرق الأوسط

إن بقاء هذه القضية، دون حل عادل مستند إلى قرارات الشرعية الدولية، يفضى لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، لا يعني فقط استمرار معاناة الشعب الفلسطيني، وإنما يعني أيضا استمرار مرحلة الاستنزاف لمقدرات وموارد شعوب منطقة الشرق الأوسط.

نحن بحاجة لقرارات جريئة تعيد الحق للفلسطينيين

وأستطيع، بضمير مطمئن، أن أؤكد ما سبق وذكرته على هذا المنبر في السنوات الماضية، من أن العرب منفتحون على السلام العادل والشامل، وأن المبادرة العربية للسلام لا تزال قائمة، وأن الفرصة ما زالت سانحة، لبدء مرحلة جديدة في الشرق الأوسط. إلا أننا بحاجة لقرارات جريئة تعيد الحق للفلسطينيين وتفتح الطريق أمام نقلة كبرى في واقع هذه المنطقة، بل – ودون مبالغة–  في تاريخ النظام الدولي كله  يترتب عليها إقامة منظومة أمنية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط ، قوامها السلام والأمن والتعاون.. والمصلحة المشتركة.

السيد الرئيس، إن اعتماد الحلول الشاملة لجذور المشكلات الدولية، هو أمر حتمي لنجاح منظومة العمل الدولي متعدد الأطراف.

آن الأوان لوقفة حاسمة تعالج جذور المشكلة الليبية بشكل شامل

ينطبق ذلك على الأزمة الممتدة التي يعيشها الشعب الليبي الشقيق، الذي يعاني يوميًا من ويلات النزاع المسلح الذي يستوجب إيقافه، فقد آن الأوان لوقفة حاسمة، تعالج جذور المشكلة الليبية بشكل شامل، من خلال الالتزام بالتطبيق الكامل لجميع عناصر خطة الأمم المتحدة  التي اعتمدها مجلس الأمن في أكتوبر 2017، ومعالجة الخلل الفادح في توزيع الثروة والسلطة، وغياب الرقابة الشعبية، من خلال الممثلين المنتخبين للشعب الليبي، على القرار السياسي والاقتصادي في ليبيا، مع ضرورة توحيد المؤسسات الوطنية كافة، والنأي بهذا الجار الشقيق عن فوضى الميليشيات، والاستقواء بأطراف خارجية دخيلة.

وعلى غرار حتمية الحـل الشامل للأزمة الليبية ، فإن الحل السياسي في سوريا، بات ضرورة ملحة لا تحتمل المزيد من ضياع الوقت، والاستمرار في الحلقة المفرغة، التي تعيشها سـوريا منذ 8 أعوام، إن مصر إذ ترحب بالإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، فإننا نطالب ببدء عملها بشكل فوري ودون إبطاء، كخطوة ضرورية نحو التوصل لتسوية سياسية شاملة، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وبما يحقق وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية وسلامة مؤسساتها، ووقف نزيف الدم، والقضاء التام على الإرهاب.

يجب إنهاء التدخلات الخارجية الساعية لتقويض الأمن القومي العربي

وبالمنطق نفسه أقول: لقد آن الأوان لوقفة حاسمة تنهي الأزمة الممتدة في اليمن، من خلال تنفيذ الحل السياسي بمرجعياته المعروفة، وإنهاء التدخلات الخارجية من أطراف إقليمية غير عربية، تسعى لتقويض الأمن القومي العربي، ومواجهة التهديدات غير المسبوقة، التي تعرضت لها منطقة الخليج العربي، سواء في صورة تهديدات للملاحة، أو عبر الاعتداءات التي تعرضت لها منشآت نفطية.. في المملكة العربية السعودية الشقيقة.

علينا مواجهة تهديدات الملاحة والمنشآت النفطية بالسعودية

السيد الرئيس، ينطبق مبدأ ضرورة المعالجة الشاملة كذلك، على أخطر تحديات العصر، وهو الإرهاب،  فقد طالبت مصر دائما، باتباع نهج شامل لمكافحة الإرهاب، يقوم على ضرورة التصدي لجميع التنظيمات الإرهابية دون استثناء.

وأؤكد هنا ضرورة التزام الجميع، بالتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وضرورة محاسبة داعمي الإرهاب بالمال أو السلاح، أو بتوفير الملاذات الآمنة، أو المنابر الإعلامية، أو التورط في تسهيل انتقال وسفر الإرهابيين.

يجب محاسبة داعمي الإرهاب بالمال أو السلاح أو توفير الملاذات الآمنة

ومن هذا المنبر، فإنني أكرر استعداد مصر بما لديها من خبرات في مكافحة الإرهاب، لتكثيف تعاونها مع الدول الصديقة والأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالتصدي لأيديولوجيات الإرهاب.

وأشدد في هذا الخصوص، على أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2354، المعني بتنفيذ الإطار الدولي الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابي، وهو القرار الصادر بناء على مبادرة مصرية، ولإعلاء قيم التسامح وتجديد الخطاب الديني.

وفى سياق تطرقنا لمجلس الأمن، فإنه يتعين علينا العمل بجدية وإصرار، لمعالجة القصور القائم في تشكيل وعملية اتخاذ القرار.. في مجلس الأمن، خاصة من خلال ضمان تحقق التمثيل العادل والمتوازن في المجلس.

وارتباطا بذلك، وفيما يتعلق بقارتنا الأفريقية، فإنه يتعين العمل على إزالة الظلم التاريخي الواقع عليها. وأؤكد تمسكنا بالموقف الأفريقي الموحد، القائم على توافق "أوزولويني" وإعلان "سرت"، مطالبا إياكم بتبني هذا الموقف العادل، في إطار المفاوضات الحكومية ذات الصلة.

السيد الرئيس، إن مصر سعت على مدار عقود، إلى تعزيز وتعميق أواصر التعاون مع أشقائها من دول حوض النيل ، التي ترتبط معهم، بعلاقات أزلية. وتأكيدا لحرصها على رفعة شعوب حوض النيل الشقيقة، أعربت مصر عن تفهمها لشروع إثيوبيا فى بناء "سد النهضة"، رغم عدم إجرائها لدراسات وافية.. حول آثار هذا المشروع الضخم، بما يراعي عدم الإضرار بالمصالح المائية لدول المصب.. ومنها مصر.

مصر مازالت تأمل في التوصل لاتفاق يحقق المصالح المشتركة حول سد النهضة

بل وبادرت مصر، بطرح إبرام "اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة"، الموقع في الخرطوم.. في 23 مارس 2015، والذي أطلق مفاوضات امتدت لأربع سنوات، للتوصل لاتفاق يحكم عمليتي ملء وتشغيل سد النهضة، إلا أنه –ومع الأسف– لم تفض هذه المفاوضات إلى نتائجها المرجوة.

ورغم من ذلك، فإن مصر مازالت تأمل في التوصل لاتفاق يحقق المصالح المشتركة، لشعوب نهر النيل الأزرق في إثيوبيا والسودان ومصر.

إن استمرار التعثر في المفاوضات حول سد النهضة، سيكون له انعكاساته السلبية على الاستقرار، وكذا على التنمية في المنطقة عامة، وفي مصر خاصة، فمع إقرارانا بحق إثيوبيا في التنمية، فإن مياه النيل بالنسبة لمصر، مسألة حياة، وقضية وجود، وهو ما يضع مسئولية كبرى على المجتمع الدولي، للاضطلاع بدور بناء، في حث جميع الأطراف على التحلي بالمرونة، سعيا للتوصل لاتفاق مرض للجميع.

السيد الرئيس، ختامًا، فإن رسالة مصر اليوم تأتي في شكل دعوة للسعي لتحقيق السلام، دعوة للعمل لصالح الإنسانية، دعوة للتعاون والتفاهم المشترك، دعوة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ودعوة لإدراك أن ذلك هو السبيل الأمثل، لما فيه صالح المجتمع الدولي.

وفقنا الله جميعًا لما فيه الخير لكل شعوبنا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


مواضيع متعلقة