أستاذ علم النفس السياسى: الاستشهاد من أجل الوطن له جذور ثقافية وتاريخية عميقة لدى المصريين

أستاذ علم النفس السياسى: الاستشهاد من أجل الوطن له جذور ثقافية وتاريخية عميقة لدى المصريين
قالت الدكتورة عفاف القاضى، أستاذ علم النفس السياسى بجامعة المنوفية، إن فكرة الاستشهاد فى سبيل الدفاع عن الوطن متجذرة وعميقة فى نفوس المصريين، وعلى رأسهم من يلتحقون بالكليات العسكرية، الذين يعتبرون أنفسهم «مشاريع شهداء» دفاعاً عن أمن الوطن وشعبه، وأوضحت «القاضى» فى حوارها لـ«الوطن» أن الشخص المستعد للشهادة يتماهى مع الوطن وتكون حياته بالنسبة له رخيصة فى سبيل الدفاع عن أمنه وسلامته.. إلى نص الحوار:
ما الجذور النفسية والثقافية المصرية التى تعزز فكرة الاستشهاد فى سبيل الوطن؟
- فى بلد ذى تاريخ عريق مثل مصر، تعرض لمنعطفات تاريخية كبيرة وموجات غزو واحتلال، فإن فكرة الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله لها جذور ثقافية ونفسية عميقة لدى أفراد هذا الشعب، الذى يقدر التضحية من أجل الوطن بأغلى أنواع التضحية، وهى التضحية بالحياة نفسها، فالشهيد له منزلة كبيرة فى نفوس المصريين، والتاريخ الإسلامى كان حافلاً بالشهداء العظماء الذين تلقوا تكريماً يليق بهم، ومنهم حمزة، عم النبى محمد، والإمام الحسين، كما ظل الشهيد له مكانة كبيرة جداً فى التاريخ المصرى الحديث، فنرى الشهيد عبدالمنعم رياض الذى أحبه المصريون وترسخ فى وجدانهم، وهناك نموذج الشهيد عاطف السادات، الشقيق الأصغر للرئيس الراحل أنور السادات، الذى استشهد فى طلعة جوية فى حرب أكتوبر 1973، وكان من أوائل من استشهدوا فى هذه الحرب.
وقد كان يمكن لأخيه الرئيس أن يبعده بنفوذه عن المشاركة فى الحرب ومخاطرها أصلاً، إلا أنه لم يفعل ذلك، نظراً للمكانة الكبيرة فى نفوس المصريين لفكرة الدفاع عن الوطن والاستشهاد من أجله.
د. عفاف القاضى: من يهب نفسه للدفاع عن بلده يعتبر "مشروع شهيد"وتهون عليه حياته حفاظاً على "الأرض والعرض"
وفى ثقافة المصريين ودينهم ما يعزز ذلك، فالآية الكريمة تقول: «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون»، ما يعنى أنه حى وفى وضع أفضل بكثير جداً، والأكثر من ذلك أنه وفقاً للمعتقدات الإسلامية فإنه سيشفع لسبعين من أهله ليدخلوا معه الجنة، وما أعظمها من منزلة، وقد يبدأ الوعى بفكرة الاستشهاد وقيمتها عند من يهبون أنفسهم للشهادة فى سبيل الوطن عندما يقرر أحدهم مثلاً الالتحاق بإحدى الكليات العسكرية، فهذا ينطوى ضمنياً على وجود استعداد لديه للاستشهاد فى سبيل الوطن، خاصة أن شعار المؤسسة العسكرية هو «النصر أو الشهادة»، والشعب المصرى يشعر بالفخر لمجرد التحاق أبنائه بالكليات العسكرية، لدرجة أن هناك أسراً يكون لديها ابن وحيد، وبالتالى معفى من دخول الجيش، ومع ذلك تجد أهله يشجعونه على الالتحاق بالكليات العسكرية من منطلق إيمانهم بأهمية الوطن والدفاع عنه والانتماء له، حتى لو فقد الإنسان حياته فى سبيل ذلك.
همجية الإرهاب تعطى دافعاً أكبر للاستشهاد من أجل إنقاذ البلد وأهله والشهداء تماهوا مع قضيتهم ولهم منزلة كبيرة فى نفوس أفراد الشعب
كيف يمكن أن نصف التركيبة النفسية لمن يعتبرون أنفسهم مشاريع شهداء ويتعرضون لاحقاً بالفعل للشهادة؟
- العسكريون منذ أن يُصبحوا طلبة فى الكليات التى تعدهم وتؤهلهم ليدافعوا عن الوطن، تكون عقيدتهم الأساسية معتمدة على اعتبار أنفسهم مشاريع شهداء، وهم يحسبونها بطريقة عقلانية مفادها أن من الممكن أن تنتهى حياتهم وهم يقومون بهذه المهمة، والمنطق الذى يحكمهم فى ذلك أن الحياة تهون من أجل الحفاظ على الوطن والأرض والعرض.
وما موقع فكرة «التضحية» فى عقل ونفسية الشهيد؟
- حياة الشخص المستعد للشهادة تكون بالنسبة له رخيصة فى سبيل الوطن الذى تحمل أمام المجتمع مسئولية أمنه وسلامته، ومن منطلق هذه الثقة التى أولاها له المجتمع، تهون حياته ويمكنه أن يضحى بها بسهولة إذا ما تطلب الأمر ذلك، لدرجة أن بعضهم عندما يذهب لأداء مناسك الحج والعمرة، تكون الدعوة الأساسية بالنسبة له هناك، هى «يا رب بلغنى الشهادة»، ولأنه يريد أن يفوز بهذه المنزلة ربما تجده يقول لأمه أو أقاربه «ادعوا لى أنول الشهادة»، وهنا يبدو أنه يتماهى مع الوطن.
ما الدوافع الإضافية التى تقود أى رجل أمن لقبول الاستشهاد من أجل الوطن؟
- على عكس الحروب التقليدية التى يكون فيها العدو ظاهراً ومعروفاً، فإن الإرهاب يمثل تحدياً أكبر، ولا شك أن من يسعى للشهادة فى الحرب ضد الإرهاب ينظر للإرهابيين باعتبارهم سرطاناً داخلياً فى جسد المجتمع، وبالتالى فإن عليه ألا يعطيهم الفرصة لكى يضيعوا وطنه وشعبه، والمواجهة معهم تعطيه تحدياً أكبر فى أنه لا يتوانى فى الدفاع عن الوطن بكل ما أوتى من قوة، حتى لو كان الثمن التضحية بحياته.