مياة الجولان وغذاء غور الأردن.. الاحتلال يستهدف مصادر حياة المنطقة

كتب: عبدالرحمن قناوي

مياة الجولان وغذاء غور الأردن.. الاحتلال يستهدف مصادر حياة المنطقة

مياة الجولان وغذاء غور الأردن.. الاحتلال يستهدف مصادر حياة المنطقة

ما أشبه الليلة بالبارحة، فلم يمض أكثر من ستة أشهر على الوعد الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإعلان هضبة الجولان أرضًا إسرائيلية، في مارس الماضي، والذي اكتمل بتوقيع مرسومًا جديدًا يعترف فيه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، حتى خرج بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الكيان الصهيوني بوعدٍ آخر لناخبيه بضم منطقة غور الأردن وفرض السيادة الإسرائيلية، إذا أعيد انتخابه في 17 سبتمبر الحالي.

مياه الجولان كانت الدافع الكبير خلف الرغبة والإصرار لدى دولة الاحتلال على ضم الجولان، حسبما تقول وثائقهم منذ بداية القرن العشرين، حيث كتب ديفيد بن جوريون عام 1918، في واحدةٍ من وثائقه، التي وضع فيها تصوره للدولة الإسرائيلية، في إشارة لأهمية "الجولان" التاريخية للدولة المنشودة حينها: "إن الدولة الإسرائيلية تضم النقب برمته، ويهودا والسامرة، والجليل، وسنجق حوران، وسنجق الكرك، وجزءًا من سنجق دمشق وأقضية القنيطرة ووادي عنجر وحاصبيا".

وجاء كذلك في مذكرة المنظمة الصهيونية العالمية قبل 100 عام، بتاريخ 3 فبراير1919 التي قدمتها إلى مؤتمر الصلح في باريس، أن هذه الدولة يجب أن تضم جبل الشيخ، وعلّلت ذلك بحاجة الدولة المنشودة إلى مصادر المياه من هذا الجبل الذي يلتصق بالجولان، كما أن حاييم وايزمان، الزعيم الصهيوني المعروف، قال في رسالة إلى رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج، ليلة انعقاد مؤتمر سان ريمو عام 1920، والذي حدد مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي: "الصهيونيون لن يقبلوا تحت أي ظروف خط سايكس-بيكو، حتى كأساس للتفاوض، لأن هذا الخط لا يقسم فلسطين التاريخية ويقطع منها منابع المياه التي تزود الأردن والليطاني فحسب، بل يفعل أكثر من ذلك، إنه يحرم الوطن القومي بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها المشروع بأسره إلى حد كبير".

ويقول إيجال آلون، منظر حزب العمل الإسرائيلي، والوزير في الحكومة العمالية الإسرائيلية في السبعينيات، إن لهضبة الجولان ولمنحدر جبل الشيخ أهمية حيوية، لا من أجل الدفاع عن مستوطنات وادي الحولة ضد الرميات السورية فحسب، وإنما أيضًا لحاجات إسرائيل الاستراتيجية الشاملة في الإشراف على الجولان، فهذا الأمر يتعلق بالدفاع عن الموارد الأساسية لمياهنا، وبالدفاع عن الجليل الأعلى والأسفل، وبالدفاع عن الأردن الأعلى والأوسط، ووادي الحولة وبحيرة طبريا والوديان المحيطة بها ووادي بيسان.

سعي دولة الاحتلال للسيطرة على المياه في الجولان خطط له مؤسس الحركة الصهيونية، تيودر هيرتزل، الذي يقول  في كتابه "الأرض الجديدة … الأرض القديمة" إن وجود إسرائيل متوقف على وجود الموارد المائية، وإن المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة القديمة هم مهندسو المياه، وإن إنشاء إسرائيل يحتاج إلى خطط مائية توفر الكميات اللازمة للزراعة والصناعة ومياه الشرب، لذا وضع مخططو الدولة أنهار الأردن واليرموك والليطاني ومن ثم نهري النيل والفرات نصب أعينهم.

سعي الاحتلال للسيطرة على مصادر الحياه في المنطقة لم يتوقف عند مياه الجولان، حيث امتد لوعد نتنياهو بفرض السيادة على "سلة الغذاء" المعروفة باسم غور الأردن، فالمنطقة التي تسعى دولة الاحتلال لضمها تمتد على طول ضفة نهر الأردن الذي يقع الجزء الأكبر منه على الأراضي الأردنية ويمتد إلى الأراضي الفلسطينية من الناحية الأخرى، وتقسم الأغوار إلى عدة مناطق، حيث توجد الأغوار الشمالية والأغوار الوسطى، والشونة الجنوبية، وكذلك منطقة دير علا، ومنطقة البحر الميت، ويطلق عليها أيضا اسم "وادي الأردن".

الغور سهل خصيب تبلغ مساحته حوالي 400 كيلومتر، أي حوالي ربع مساحة الضفة الغربية، ويتراوح مستواه بين 200 وأكثر من 400 متر تحت سطح البحر، ليصل إلى البحر الميت، وهو من أخصب الأراضي الزراعية، ويتمتع بأجواء دافئة في فصل الشتاء وحارة جدا في فصل الصيف، ما يجعله يناسب الكثير من أنواع الفواكه والخضراوات التي يتميز الغور بإنتاجها، وخاصة فاكهة الموز، ويطلق عليه "سلة الغذاء"، فهو أكبر مصادر الخضار والفاكهة في المملكة، حيث يغطي إنتاجه المملكة كلها.

وتستخدم دولة الاحتلال أجزاء واسعة من هذه الأراضي من أجل الزراعة التي تدر عليها مئات الملايين من الدولارات سنويا، ومنذ بداية الاحتلال الصهيوني عام 1967، اتبع سياسة ممنهجة لطرد الفلسطينيين عنوة من غور الأردن، فدمرت قواته البيوت والقرى والمزارع الفلسطينية بهدف إنشاء مستوطنات مكانها في المنطقة الغنية بالمصادر الطبيعية، لتسيطر على منابع المياه ومصادر الغذاء في المنطقة.


مواضيع متعلقة