كانت مقررة في 5 أغسطس.. لماذا تم تقديم موعد ثورة 23 يوليو 1952؟

كتب: سمر صالح

كانت مقررة في 5 أغسطس.. لماذا تم تقديم موعد ثورة 23 يوليو 1952؟

كانت مقررة في 5 أغسطس.. لماذا تم تقديم موعد ثورة 23 يوليو 1952؟

في يوم 26 يناير 1952، الذي يحمل ذكرى حريق القاهرة الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر، توافد أكثر من 600 ضابط مصري من الجيش والشرطة على قصر عابدين منذ ضحى ذلك اليوم لحضور المأدبة الملكية التي دعاهم إليها الملك فاروق، احتفالا بميلاد ولي العهد أحمد فؤاد، وسط اندهاش من إصرار الملك على الحضور رغم الأنباء الواردة عن المذبحة التي وقعت اليوم السابق في الإسماعيلية، والتي دك فيها الإنجليز بدباباتهم ومدافعهم الثقيلة مبنى المحافظة والثكنات المجاورة لها.

كان السؤال الذي حير الجميع هو كيف يمكن للسلطات المسؤولة عن الأمن وقف أعمال الشغب والتدمير المنتظرة، والسيطرة على العاصمة في الوقت الذي يحتجز فيه الملك في قصره الحاكم صفوة القادة والضباط، وحسبما جاء في مقال المؤرخ العسكري جمال حماد، في صحيفة آخر ساعة والمنشور بتاريخ 27 يوليو 1994، فإنه بحلول الثانية ظهرا وحضور الملك ببذلته العسكرية، بدأ الغداء وسط قلق الحضور لما يجري في خارج أروقة القصر من حرائق جسيمة وصلت أنباءها إليهم.

انتهى الغداء والتف الضباط حول الملك في حديقة القصر متوقعين أن يستمعوا إلى كلام يخص الواقعة، ولكن بدأ العديد من الضباط يرددون عبارات دعم للملك "الجيش سيف الملك"، و"البوليس سيف الملك"، وبدا الملك سعيدا مبتسما، في الوقت الذي تواجه فيه العاصمة حرائق كبيرة، ووقعت فريسة في يد عصابات السلب والنهب والسرقة، كما ورد في المقال نقلا عن موقع أرشيف الصحافة المصرية.

لم تتمكن قوات الجيش من النزول إلى شوارع القاهرة بسبب ما حدث من تعطيل الضباط في قصر عابدين، إلا قبل الغروب وتم توزيع القوات على المرافق الحيوية والشوارع الهامة، فأعلنت الحكومة الوفدية برئاسة مصطفى النحاس باشا الأحكام العرفية، ومنع التجول طوال الليل، إلا أنه وبالرغم من ذلك في مساء 27 يناير تسلم رئيس الحكومة خطابا من الملك بإقالة الوزارة بعد اتهامها بالتقصير في حفظ الأمن والسلام.

 

وفقا لما ذكره المؤرخ العسكري جمال حماد، كانت الخسائر السياسية لحريق القاهرة فادحة، حيث تخلص الملك من الحكومة الوفدية، وتخلص أيضا من أحمد حسين وحزبه الاشتراكي"مصر الفتاة"، بعد أن ألقى بمسؤولية الحريق عليه، وأصبح الملك وحاشيته لهم اليد العليا في البلاد، وكان الحريق فرصة ذهبية للجانب البريطاني تمثلت في إخماد حركة الكفاح المسلح في منطقة القناة.

بداية تنظيم الضباط الأحرار

كان تنظيم الضباط الأحرار قرر في نهاية 1951 خوض معركة الانتخابات لتشكيل أول مجلس إدارة لنادي الضباط، كوسيلة لاختبار قوة التنظيم ومدى تأثيره على الرأي العام في الجيش، وفي الدقائق الأولى من عام 1952 تم إعلان النتيجة وحقق اللواء محمد نجيب مدير المشاة أغلبية ساحقة في نتيجة الانتخابات وتولى رئاسة مجلس الإدارة للتنظيم.

16 يونيو عام 1952 كان أخطر اجتماع عسكري عقد في الجيش منذ اجتماع ثورة عرابي

مضت أشهر وعندما استقرت الأوضاع ظاهريا في مصر، دعا مجلس إدارة التنظيم لعقد اجتماع في 16 يونيو عام 1952 الموافق 23 من شهر رمضان، وفي التاسعة مساء بدأ الاجتماع الذي يعد أخطر اجتماع عسكري عقد في الجيش منذ اجتماع ثورة عرابي العسكرية عام 1881، كما ذكر المؤرخ العسكري في مقاله.

في الاجتماع نفسه وقف العقيد رشاد مهنا مقرر الجلسة، وأعلن عدة اقتراحات وصلته، من بينهم عدم تمثيل سلاح الحدود في مجلس الإدارة، وتم الموافقة على هذا الاقتراح ماعدا صوت واحد، وكان ذلك بمثابة لطمة عنيفة للملك فاروق، وتحديا كبيرا له، وفي تلك الأثناء كان الفريق محمد حيدر أحد الحضور في الاجتماع، وحاول استرضاء مولاه، حسب وصف المؤرخ العسكري جمال حماد، وحاول التخلص من مجلس إدارة نادي الضباط الأحرار، معتمدا على تقديم الأعضاء استقالاتهم من خلال إيهام كل عضو على حدة بأن باقي الأعضاء قدموا استقالاتهم.

وبادر الفريق "حيدر" بإصدار قراره في 16 يوليو بحل مجلس إدارة النادي أملا في استرضاء الملك واستعادة مركزه ونفوذه، ولكن كان هذا القرار ناقوس الخطر الذي أيقظ لجنة القيادة لتنظيم الضباط الأحرار التي كان يرأسها جمال عبد الناصر، فعقدت اللجنة اجتماعات متتالية في أيام 17 و18 و19 يوليو للرد على قرار حل مجلس إدارة النادي، وتقرر حينها تاريخ الخامس من أغطسطس موعدا لقيام حركة الجيش والثورة.

ما السبب في تغيير موعد الثورة من 5 أغسطس إلى 23 يوليو؟

في 20 يوليو قدم حسين سري استقالة وزارته، وعلم الضباط الأحرار أنباء عن تقلد "سري" منصب وزير الحربية، ولم يعني ذلك سوى تحدي الملك للضباط، وبدء تنفيذ سياسة انتقامية منهم، والتنكيل بهم، إما بالطرد من الخدمة أو الاعتقال، وهنا كان السؤال الدائر في أذهان مجلس قيادة النادي، هل سيتمكنون من الغداء به قبل أن يتعشى هو بهم؟، حسب تعبير المؤرخ العسكري.

لم يكن هناك إجابة على هذا السؤال سوى تقديم موعد الثورة وتحددت ليلة 23 يوليو من عام 1952، بعد ساعات قليلة من حلف اليمين الدستورية للوزارة الحربية، حتى لا تتاح لها أي فرصة لاتخاذ أي قرارات تسبق بها ضربة الضباط الأحرار.


مواضيع متعلقة