أستاذ علاقات دولية: أمريكا وتركيا تحتفظان بالإرهابيين لـ«وقت عوزة».. وسوريا ستعود

كتب: سيد جبيل

أستاذ علاقات دولية: أمريكا وتركيا تحتفظان بالإرهابيين لـ«وقت عوزة».. وسوريا ستعود

أستاذ علاقات دولية: أمريكا وتركيا تحتفظان بالإرهابيين لـ«وقت عوزة».. وسوريا ستعود

قالت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، نورهان الشيخ، إن الحياة عادت إلى سوريا بنسبة 60%، وإننا نحتاج لنحو عامين لتعود الدولة السورية إلى سابق عهدها، موضحة أنه من المفترض أن يتم حسم الملفات العالقة خلال هذين العامين، وأهم هذه الملفات حسم «بورة إدلب الإرهابية»، وإنهاء الوجود الأمريكى والتركى العسكرى، بالإضافة إلى تسوية وضع الأكراد، وضبط.

وأضافت الخبير فى الشئون الروسية، فى حوارها لـ«الوطن» أن الروس لن يسمحوا بخروج الإرهابيين أحياء من إدلب، والأوروبيون أهدروا دمهم، مشيرة إلى أن الأمريكان والأتراك يرون فى الإرهابيين مصدراً للنفوذ والثروة، ويريدون الاحتفاظ بهم لـ«وقت عوزة».. إلى نص الحوار..

كيف ترين الوضع السورى الآن؟ ومتى تعود الحياة إلى طبيعتها فى سوريا؟

- الحياة عادت إلى سوريا بنحو 60%، وذلك يتضح من عودة اللاجئين إليها بشكل متزايد، واستئناف الخطوط الجوية السورية، وغيرها من الأمور، التى تعطلت بسبب الأحداث، وفى تقديرى أننا نحتاج لنحو عامين آخرين، لتصبح سوريا كما كنا نعرفها من قبل، وتتجاوز الحرب التى مزقتها طوال 8 أعوام، وتعود إليها الحياة بشكل كامل.

وماذا يمكن أن يحدث فى هذين العامين؟

- حسم الملفات العالقة، وأهمها بؤرة إدلب، والوجود العسكرى الأجنبى، خاصة فى قاعدة «التنف» فى الجنوب، والوجود التركى فى الشمال، ووضع الأكراد، بالإضافة طبعاً للخطوات المطلوبة لاستقرار الأوضاع الداخلية، ومنها الوصول لصياغة مرضية للدستور.

وما أخطر هذه الملفات الآن؟

- أزمة إدلب بالطبع، فهى خطيرة ليس فقط على استقرار سوريا، لكن على العالم كله، لأنها تضم من 80 ألفاً إلى 100 ألف مسلح، بينهم نحو 10 آلاف أجنبى ينتمون إلى ميليشيات مختلفة، أكبرها «النصرة». والسؤال المطروح فى كل عواصم العالم المعنية: ماذا يمكن أن نفعل فى هؤلاء؟

نورهان الشيخ لـ"الوطن": خروج العناصر الإرهابية أحياء من "إدلب" السورية يقلق العالم.. ومصر أول المتضررين

وفى رأيك ما الموقف الروسى من إدلب؟

- الروس مقتنعون أن الحل الأفضل هو إبادة هؤلاء المسلحين، لأنه من الصعب تركهم ليظلوا هناك إلى الأبد بأسلحتهم، ومن غير المتصور أن يُسمح لهم بالخروج الآمن إلى مناطق أخرى فى العالم، بعضهم خرج بالمناسبة واتجه إلى أماكن بعينها منها المنطقة الحدودية بين أفغانستان وطاجكستان، وهو الأمر الذى يقلق روسيا، وبعضهم خرج إلى سيناء وليبيا، ما يمثل خطراً داهماً على مصر.

وماذا عن موقف الأطراف الأخرى؟

- الأوروبيون غضوا الطرف عن مطالبهم السابقة التى كانت متحفظة، ولا يمانعون الآن فى حقيقة الأمر، فى أن يمضى الروس فى خيار التصفية، لأن أوروبا قلقة جداً من أن يتسلل هؤلاء إلى حدود أى من دولها.

ومن يعارض ضرب إدلب؟

- الأتراك والأمريكان، فكلاهما يعتبر هؤلاء المسلحين أصلاً واستثماراً مهماً، ويمكن استخدامهم أكثر لاحقاً، كما حدث أكثر من مرة، وهناك أعداد كبيرة من الإرهابيين فى سجون العراق، والأمريكان هم من يرفضون إعدامهم كما يرفضون الإفراج عنهم، ما يعنى أن واشنطن لديها رغبة فى الإبقاء عليهم لـ«وقت عوزة».

أما تركيا التى استثمرت فى هذه الجماعات، فتعتبرها ثروة ومصدراً للنفوذ، لكن الأتراك أسقط فى يدهم وبدأوا يستسلمون لوجهة نظر الروس، خاصة أن تركيا لم تستطع الالتزام بتعهدها بالسيطرة على المسلحين فى إدلب، فى اتفاق سبتمبر 2018.. وواصلت «جبهة النصرة» تهديد الجيشين السورى والروسى، واستخدمت فى ذلك أسلحة وطائرات مُسيرة، مصنوعة فى تركيا، ما يعنى أن أنقرة متورطة بشكل أو بآخر.

وما الذى يمنع الروس من تنفيذ عملية التصفية الآن؟

- العملية بدأت بالفعل.. لكن «قضمة.. قضمة» كما قلت لك، وتتم بقتل 50 أو 100 مسلح يومياً، بدلاً من عملية كاسحة ومفاجئة، تجنباً لعملية نزوح جماعى تؤثر سلباً على أوروبا وتثير ردود فعل دولية رافضة، مع العلم أن الأوروبيين وصلوا لقناعة مفادها أنه يجب ألا يخرج هؤلاء المسلحون أحياء من إدلب.

بم تعهد الأتراك فى سبتمبر 2018؟ ولماذا؟

- رجب طيب أردوغان تعهد بأن يكون ضامناً للأمن والاستقرار فى إدلب، وألا تهاجم الجماعات المسلحة هناك الجيش السورى أو القوات الروسية، فضلاً عن السيطرة على تصرفات المسلحين، بحيث لا يحدث قتال داخلى فيما بينهم، لكن كل ذلك لم يحدث، فقد حاربوا بعضهم بعضاً وهاجموا الجيشين الروسى والسورى.. هو تعهد بذلك استناداً لعلاقاته المتميزة مع هذه الجماعات، فهو الراعى الرسمى لها، وهو من أدخلها لسوريا وسلحها بأسلحة متقدمة.

احتلال الشمال السورى حلم تركى قديم.. وتفوق السلاح الروسى أحد أسباب أزمة "إس٤٠٠"

هل يسعى الأتراك لاحتلال شمال سوريا؟

- هذا حلم قديم لهم وعبروا عن هذه الرغبة أكثر من مرة، تحت اسم إقامة منطقة آمنة، وهم يريدون هذه المنطقة لردع طموحات الأكراد من ناحية، والتواصل مع الجماعات المتطرفة فى إدلب من ناحية أخرى.

وإلى أى حد تمثل طموحات الأكراد ضغطاً على النظام السورى؟

- لا أعتقد أن ملف الأكراد يمثل أولوية الآن، لعدة أسباب أولها أن النظام فى سوريا قادر على التفاهم معهم، وكان دائماً على علاقة طيبة معهم، بل إنه كان يرحب بالأكراد المقيمين فى دول أخرى، ويرغبون فى اللجوء إلى سوريا، وهو ما كان يمثل إحدى نقاط الخلاف والتوتر مع أنقرة، وأدى فى العام 1999 إلى تهديد تركيا باجتياح شمال سوريا، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقية بين البلدين، تسمح لتركيا بملاحقة عناصر الأكراد المسلحين داخل الأراضى السورية لكن بضوابط.. وما يسهل هذا التفاهم الآن هو أن عدو النظام السورى والأكراد واحد، هو الإرهابيون وتركيا، أضف إلى ذلك أن الأكراد الآن وتاريخياً أيضاً على علاقة طيبة مع روسيا، وهذا يمثل نقطة خلاف بين أنقرة وموسكو، التى كانت تدعم وتستقبل قيادات حزب العمال الكردستانى.

ما سقف الطموحات الذى يمكن أن يتقبله النظام السورى من الأكراد؟

- حكم ذاتى يسمح للأكراد بحرية واسعة، فى إدارة شئونهم فى مناطق وجودهم، فقط لا غير.

لكن لماذا لا تقولين فيدرالية؟

- النظام السورى كان واضحاً فى ذلك ورفض فكرة الفيدرالية أو حتى النموذج الفيدرالى العراقى «المشوه»، أى مزيج من المحاصصة الطائفية والعرقية والحكم الذاتى.

هل يتعرض تحالف روسيا - إيران - تركيا للتفكك تحت ضغط الخلافات؟

- لا أتفق مع هذا الرأى، فما زال هناك ما يجمع التحالف أكثر مما يفرقه، لكن طبعاً مع اقتراب الأزمة من مراحلها الأخيرة تظهر التناقضات والخلافات أكثر، خاصة مع بدء معركة إدلب.

لكن الإسرائيليين مقتنعون باحتمالية تخلى الروس عن الإيرانيين فى صفقة ما مع الأمريكان؟

- الأمريكان والإسرائيليون بالفعل يتحدثون عما يسمونه بـ«الصفقة»، وفحواها إرضاء الروس بتنازلات فى الملف السورى وغيره، مقابل إجبار الإيرانيين على الخروج من سوريا، لكن الروس يدركون تماماً أن خروج إيران من سوريا مستحيل. ووزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف قال قبل ذلك، إنه لا يمكن تصور خروج إيران لأكثر من سبب، أولها أنها استثمرت كثيراً فى هذا الصراع ولها هناك مصالح كبرى، وثانيها أنه من غير المنطقى إقناعهم بالخروج فى وجود أمريكا وتركيا، وثالثاً أن روسيا لا تملك القدرة على إجبار إيران ولا الرغبة فى إقناعها بذلك لأنها تعتبرها شريكاً مهماً.

ألا تتفقين مع من يرى أن مصالح البلدين ستتعارض على اعتبار أن روسيا تريد أن تكون سوريا نقطة انطلاق لدعم علاقاتها بدول المنطقة، فيما تريد إيران أن تكون سوريا نقطة ضغط على هذه الدول ومشاكستها؟

- هذا رأى الأمريكان وليس رأى الروس، وحتى هذه اللحظة لا توجد تناقضات ولا مزاحمة، فالروس يرون الدور الإيرانى داعماً وشريكاً وموازياً لدور الأتراك والأمريكان.. وهناك تفاهمات بين البلدين، أى إنهما باختصار شريكان وليس متنافسين، حتى هذه اللحظة على الأقل.

ماذا تقصدين بـ«حتى هذه اللحظة»؟

- أقصد أن ذلك قد يتغير مستقبلاً إذا حدث تغيير كبير فى النظام الإيرانى مثلاً، وإيران لا تريد مشاكسة دول الخليج كما قلت، هى تريد تأمين مصالحها، خاصة فى قطاع الطاقة، وهى تتبع فى ذلك منهجاً براجماتياً.

رغم براجماتية «بوتين»؟

- هذه البراجماتية لها حدود ولا تصل لدرجة بيع الحلفاء، خاصة إذا كان الحليف أميناً وملتزماً بتعهداته.

ما مصالح إيران المتعلقة بالطاقة فى سوريا؟

- إيران ترغب فى مد خطوط أنابيب للبترول والغاز لتربط بين حقولها وحقول أخرى فى دول آسيا الوسطى وبحر قزوين مروراً بالعراق، وسوريا، وصولاً لأوروبا عن طريق البحر المتوسط، وهو مشروع يدعمه الروس لأنهم يستثمرون فى قطاع الطاقة الإيرانى.

وما مصالح روسيا فى سوريا الآن؟

- روسيا لها أولويات محددة أولها الوجود الاستراتيجى متمثلاً فى القاعدتين العسكريتين، اللتين أقامتهما هناك، الأمر الثانى يتعلق بملف الطاقة، فموقع سوريا يجعلها معبراً مميزاً لنفط وغاز يأتى من آسيا الوسطى وبحر قزوين المتاخمة لإيران، مثل تركمنستان، ومن إيران نفسها، ثم يمر عبر العراق وصولاً لسوريا ثم أوروبا عن طريق البحر المتوسط، وروسيا تستثمر فى قطاع النفط والغاز فى هذه الدول، هذه خطط لمشروعات كبرى يمكن أن تتحقق لاحقاً لكنها لم تبدأ بعد. ثالثاً سوريا من أكبر أسواق السلاح فى المنطقة، وروسيا تريد الاستيلاء عليه حصرياً. صحيح أنها لا تستطيع أن تدفع الآن، لكن عندما تتعافى ستدفع، وروسيا استغلت وجودها هناك للبرهنة على تفوق السلاح الروسى أى إن العمليات العسكرية هناك كانت دعاية مجانية للسلاح الروسى.. وإحدى نتائج ذلك شراء تركيا مثلاً منظومة صواريخ إس 400، التى تريد الهند والسعودية ودول أخرى شراءها رغم معارضة أمريكا، وبصفة عامة سوقا السلاح والطاقة يحكمان السياسات الدولية.

ماذا عن أزمة «إس 400»؟

- أظنها مشكلة اقتصادية أكثر من كونها أمنية أو عسكرية.. طبعاً هناك الخطر التقنى لكن البعد الاقتصادى أراه أهم، لأن شراء تركيا، العضو المهم فى حلف شمال الأطلسى، منظومة دفاع روسية ستكون سابقة من شأنها أن تشجع حلفاء أمريكا الآخرين على شراء هذه المنظومة، وإذا أضفت أن الصين ثم الهند ترغبان فى شراء هذا المنظومة، فهذا عنصر إضافى لزيادة جاذبية المنظومة، والعراق بدأ يتجه مؤخراً للسلاح الروسى، ثم أن الصين أزاحت الدول الغربية، واحتلت المركز الثالث فى قائمة الدول الأكثر تصديراً للسلاح، بعد أمريكا وروسيا، وكل هذا يؤثر على مبيعات الأسلحة الغربية.


مواضيع متعلقة