د. نورهان الشيخ: الرئيس الروسى راهن على «السيسى» باعتباره زعيماً وطنياً ليس له هوى «شرقى أو غربى»

كتب: سيد جبيل

د. نورهان الشيخ: الرئيس الروسى راهن على «السيسى» باعتباره زعيماً وطنياً ليس له هوى «شرقى أو غربى»

د. نورهان الشيخ: الرئيس الروسى راهن على «السيسى» باعتباره زعيماً وطنياً ليس له هوى «شرقى أو غربى»

قالت الدكتورة نورهان الشيخ، خبيرة الشئون الروسية، وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن هناك 4 ملفات تتصدر أجندة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى ولايته الرابعة، مشيرة إلى أنها تتمثل فى تحسين معيشة المواطن، وسوق الطاقة والإرهاب، وإدارة العلاقة المتوترة مع الغرب على أكثر من جبهة، لا سيما ما يتعلق بالوضع فى سوريا التى تعتبر أكثرها سخونة. وأضافت «نورهان» فى حوارها لـ«الوطن»، أن «روسيا حريصة جداً على علاقاتها مع مصر، لافتةً إلى أن «بوتين» راهن على الرئيس السيسى منذ ظهوره على الساحة السياسية لأنه رأى فيه زعيماً وطنياً، مستبعدة تورط موسكو فى محاولة اغتيال الجاسوس «سكربيال».

إلى نص الحوار:

{long_qoute_1}

 

ما أهم الملفات التى تنتظر الرئيس بوتين فى ولايته الرابعة؟

- الاقتصاد ورفع مستوى معيشة المواطن الروسى، هو أكبر التحديات التى تواجه بوتين، خصوصاً فى ظل انخفاض أسعار البترول، فضلاً عن قضايا الطاقة إجمالاً، التى تعد أحد ملفات الأمن القومى الملحة عليه، وهو ينسق فى هذا الملف مع عدد من الدول المنتجة للنفط والغاز فى المنطقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، كما أن هناك أيضاً إدارة العلاقة مع الغرب التى اتصفت مؤخراً بكثير من التوتر على أكثر من جبهة، والتى تعتبر سوريا أكثرها سخونة، إضافة إلى ملف الإرهاب أيضاً، وكل تلك الملفات تعطى للشرق الأوسط أهمية خاصة لدى الرئيس الروسى.

كيف تفسرين تقدم روسيا فى تقنيات معقدة مثل غزو الفضاء والأسلحة المتقدمة على حساب صناعة السيارات والأجهزة المنزلية؟

- هذا يرجع للميراث الشيوعى الذى لم يكن يعطى أولوية كبيرة لهذه المنتجات باعتبارها «سلعاً رفاهية»، ولكن هذا بدأ يتغير، وهناك اتجاه للمنافسة فى مختلف الأسواق، لكن طبعاً الواقع قاسٍ لأن دولاً أخرى سبقتها بكثير فى هذه القطاعات، ومنافستها ليست سهلة، خصوصاً فى ظل التزام روسيا بقواعد منظمة التجارة العالمية.

وماذا عن العلاقة مع مصر؟

- بوتين كان وما زال حريصاً على العلاقات مع مصر لأبعد مدى، وقد راهن منذ سنوات على علاقة خاصة مع الرئيس السيسى انطلاقاً من قناعته أنه زعيم وطنى أولوياته أولاً وأخيراً مصالح بلده، أينما تكون، ما يعنى أنه ليس «غربى أو شرقى الهوى»، وبالتالى كان وما زال واثقاً أن روسيا ومصر تجمعهما كثير من المصالح المشتركة، ومحاربة الإرهاب أحد أهم هذه الملفات، لأن مصر مستهدفة وبشدة من الجماعات المتطرفة، مع تضييق الخناق عليهم فى سوريا، فقد يسعون للتسلل إليها، وهذا أمر يهم روسيا بقدر ما يهمنا، ومصر هنا لديها فرصة كبيرة جداً لتعزيز علاقاتها مع روسيا، لكن هذا يتوقف على إدارتنا لهذه العلاقة.

لماذا تصاعدت قضية مقتل الجاسوس سيرجى سكريبال على الأراضى البريطانية بهذا الشكل؟

- قضية الجاسوس سيرجى سكريبال فى تقديرى مفتعلة وهدفها الأساسى تشويه صورة روسيا، وحشد الرأى العام العالمى ضدها قبيل الانتخابات الرئاسية الروسية بأيام وكأس العالم فى يونيو المقبل.

{long_qoute_2}

معنى ذلك أنك تعتقدين أن الحكومة الروسية بريئة من محاولة تسميم «سكريبال» وابنته؟

- بالطبع هذا الرجل كان ضابطاً بجهاز الاستخبارات العسكرية الروسية، وتم تجنيده من قبل المخابرات البريطانية فى مدريد فى التسعينات، أى فى الفوضى التى سبقت تفكك الاتحاد السوفيتى، وكان يلعب دوراً خطيراً، فهو يخطر لندن بأسماء ضباط الاستخبارات العسكرية فى مختلف السفارات الأوروبية، ويسعى لتجنيد من يعرف أنه مستعد منهم ليكون عميلاً مزدوجاً، وقُبض عليه فى 2004 وحُكم عليه فى 2006 بـ13 سنة سجناً، وفى 2010 تم الإفراج عنه فى صفقة لتبادل الجواسيس مع الولايات المتحدة بمقتضاها استردت روسيا 10 من عملائها وسلمت أمريكا 4 عملاء، وكان «سكريبال» من بينهم بناء على طلب من لندن، وصفقة التبادل تمت فى فيينا ومنها انتقل «سكريبال» إلى لندن، حيث استقر هناك إلى يومنا هذا، وأصبح محاضراً فى دوائر الاستخبارات البريطانية يشرح هيكل المخابرات العسكرية الروسية وطريقة عملها، ولم تسع أيضاً روسيا لقتله، ثم تقاعد عند بلوغه الـ(66 سنة) بسبب ظروفه بعد وفاة زوجته وابنه، وكان فى استطاعة روسيا تصفيته، وهو تحت يديها ولم يحدث، فلماذا تفعل ذلك الآن وقد تقاعد، ثم إن الحكومة الإنجليزية لم تقدم حتى الآن أى دليل ضد موسكو.

ومن حاول قتله إذن؟

- على الأرجح فعلتها بريطانيا نفسها، التى سعت للتضحية بكارت محروق لم يعد له قيمة وهو «سكريبال»، أملاً فى تحقيق عدة أهداف، أولها: حرمان روسيا من عوائد كبيرة من إقبال الجماهير الأوروبية على حضور كأس العالم هناك، وثانياً: تشويه صورة الرئيس فلاديمير بوتين استجابة لضغوط واشنطن الراغبة فى التصعيد، ثالثاً: دعم صورة رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، التى تعانى من تراجع فى شعبيتها كما أنها متهمة بالضعف، فأرادت أن تقدم نفسها باعتبارها مارجريت تاتشر الجديدة، ونلاحظ أنها مثلاً أشارت بعد طرد الدبلوماسيين الروس إلى أن هذه الخطوة لم تتم منذ 30 عاماً أى منذ حقبة «تاتشر»، لكن عموماً بدأت بريطانيا تجنح للتهدئة بعد الرد الروسى العنيف على طرد دبلوماسييها.

ولماذا تسعى الولايات المتحدة وبريطانيا للتصعيد ضد موسكو وتشويه صورة بوتين؟

- لأن بوتين صداع فى رأس الغرب، فهم عاجزون عن التعامل معه بمعنى التأثير عليه، لأنه رجل غير قابل للاختراق، وقد نجح فى إعادة روسيا إلى صفوف الدول العظمى بعد كل السنوات التى قضاها الغرب فى التخطيط لتفكيك الاتحاد السوفيتى، وبعد كل هذا الجهد وجدوا أنفسهم أمام روسيا قوية من جديد، والأسوأ أنه يخطط لسنوات 6 مقبلة، ينقل فيها روسيا نقلة أخرى تماماً بعد أن نجح فى عقد شراكات قوية مع الصين والهند واليابان أيضاً، وهم مدركون أنه سيفوز فى الانتخابات الروسية، وأيضاً أنهم لا يستطيعون منع ذلك، وبالتالى فلا أقل من السعى لإضعافه ومحاصرته بكل السبل الممكنة، وهذه المحاولات ليست جديدة فقد سعوا قبل انتخابات 2012 لتشويه صورة بوتين عندما مولوا احتجاجات نظمتها المعارضة هناك، عرفت وقتها بـ«ثورة الثلوج» لكنهم لم ينجحوا، وكانت النتيجة أنه بعد انتخابه استرد «بوتين» شبه جزيرة القرم، وقلب الأوضاع فى سوريا 180 درجة على رأس المعسكر الغربى، فماذا يمكن أن يفعل هذا الرجل لو بقى فى السلطة 6 سنوات أخرى؟ فهو كارثة على الغرب.

هل الصراع بين الغرب وروسيا أمر حتمى؟

- هناك تناقضات كبرى بين روسيا والغرب، فروسيا دولة كبرى، وولدت إمبراطورية، صحيح تمكن الغرب من هزيمتها فى الحرب الباردة وقوض قدراتها، لكن لحسن حظها جاء بوتين الذى أعاد الأمور إلى طبيعتها، وكان ذلك هدفه منذ اليوم الأول، ففى يناير 2000 عندما كان قائماً بأعمال الرئيس قال فى أحد خطبه إن هدفه الرئيسى إعادة روسيا لمصاف القوى الكبرى، وقد فعل، فى كل ملف رئيسى ستجد روسيا وأمريكا على طرفى نقيض، فى أوكرانيا وسوريا والأمن الأوروبى ومنظومة الدرع الصاروخية الأمريكية هناك، والمؤسسات الأمريكية تشعر بخطر مضاعف، لأن صعود روسيا يتزامن مع وجود مشاكل فى القيادة فى الولايات المتحدة وأوروبا، ارتباك واشنطن ظهر جلياً تحت إدارة «ترامب» الذى تتوالى استقالات قيادات إدارته اعتراضاً على سياساته، وأوروبا تعانى منذ فترة أطول من مشكلة قيادة، كانت فرنسا هى من يقود الاتحاد الأوروبى، ومع تراجع قوتها تولت ألمانيا القيادة، لكن ألمانيا باتت تعانى من مشاكل أحد تجلياتها عجزها عن تشكيل حكومة منذ عدة شهور، وهناك مشكلة خروج بريطانيا والهجرة غير الشرعية، فى هذه الأوضاع تخشى المؤسسات الأمريكية أن يجد الغرب نفسه مضطراً لتقديم تنازلات فى أى صراع أمام روسيا، هذه التنازلات تضر بمصالحه، ماذا يمكن أن يحدث مثلاً إذا اهتزت صورة أمريكا باعتبارها أفضل منتج للسلاح، واتجهت دول العالم للسلاح الروسى أو حتى الصينى؟ وكم سيكون حجم خسائر شركات السلاح الأمريكية؟ وما حجم الضرر الذى يلحق بمنتجى النفط والغاز الصخرى الأمريكى، إذا عجزوا عن اختراق السوق الأوروبية، التى هى تقليدياً مستهلكة للوقود الروسى.

 

د. نورهان الشيخ فى حوارها لـ«الوطن»


مواضيع متعلقة