شركات التكنولوجيا العملاقة تفرض واقعاً جديداً على النظام المالى العالمى

كتب: مصطفى محمود ومحمد المالكى

شركات التكنولوجيا العملاقة تفرض واقعاً جديداً على النظام المالى العالمى

شركات التكنولوجيا العملاقة تفرض واقعاً جديداً على النظام المالى العالمى

سادت حالة من فقدان الثقة فى مدى قدرة ومتانة النظام المالى العالمى على تحقيق الاستقرار منذ اجتياح الأزمة المالية العالمية العالم فى 2008 وحتى الآن، وذلك فى ظل التطورات التكنولوجية السريعة، والانتشار الواسع للهواتف الذكية، جميعها أمور ساعدت الشركات التكنولوجية على اقتحام القطاع المالى كلاعب أساسى على الساحة الاقتصادية العالمية.

ومع هذا التطور توقع الكثير من المحللين الاقتصاديين انقلاب موازين التمويل الدولى بشكله التقليدى، وفرض تحد لا يستهان به على المنظومة المالية العالمية، ودخل مؤخراً صندوق النقد الدولى على خط الجدل الدائر بشأن العلاقة بين شركات التكنولوجيا والنظام المالى العالمى، مما جدد النقاش مرة أخرى حول هذا الموضوع، وأثار عاصفة من ردود الفعل التى هيمنت على ساحة النقاش الاقتصادى العالمى. وحذرت كريستين لاجارد، المدير العام لصندوق النقد الدولى، بشكل واضح من أن شركات التكنولوجيا العملاقة قد تسبب خللاً كبيراً فى النظام المالى العالمى، مبررة ذلك بأن عدداً قليلاً من تلك الشركات باتت قادرة على التحكم فى قواعد المعلومات الرئيسية وبرامج الذكاء الاصطناعى، ومن ثم التحكم فى ترتيب عمليات الدفع وتسوية حساباتها. وتزامنت تحذيرات «لاجارد» مع اجتماع وزراء مالية دول قمة العشرين فى اليابان، الذى احتل موضوع سبل سد ثغرات النظام الضريبى لشركات الإنترنت العملاقة مثل «جوجل» و«فيس بوك» موقعاً مهماً على جدول أعماله، وذلك عبر فرض الضرائب على تلك الشركات فى البلدان والمناطق التى تحقق فيها أرباحاً، وليس فى الدول التى تقع فيها مقارها الرئيسية.

بعد تحذيرات صندوق النقد بأنها قد تهدد الاستقرار المالى العالمى

وفى الحقيقة أصبحت سيطرة قطاع التكنولوجيا على الاقتصاد العالمى فى الآونة الأخيرة واضحة جداً، خاصة بعد القفزات المتتالية للشركات الكبرى فى ظل نتائج مذهلة حققتها هذه الشركات فى الفترة الأخيرة، ومثلت أهم القطاعات التى تتبنى المدفوعات وتحويل الأموال، التأمين، التمويل والإقراض الرقمى، إدارة الثروات، وإطلاق تقنيات مالية جديدة مثل Blockchain والعملات الرقمية المشفرة.

وبناء على ذلك قام «الوطن الاقتصادى» بطرح تساؤلات حول أسباب الخلل فى النظام المالى القائم؟ وهل تقف هذه الشركات وراء هذا الخلل؟ واستناداً إلى أن السنوات التى سبقت الأزمة المالية العالمية السابقة شهدت ظهور أدوات مالية لم تكن مفهومة للمستثمرين بوضوح.. فهل يحمل انتشار هذا النوع من الشركات بوادر أزمة مالية عالمية جديدة؟

وزارة المالية: نسعى لتنظيم مؤتمر لمناقشة فرض ضرائب على أرباح الشركات التكنولوجية.. وحازم مغازى: تنامى شركات التكنولوجيا العملاقة يربك القطاع المصرفى

وفى هذا الصدد قال محمد أبوباشا، رئيس قسم تحليل الاقتصاد الكلى بالمجموعة المالية هيرميس، إن مخاوف لاجارد مبالغ فيها، وإن الخلل الراهن فى النظام المالى العالمى يصعب تحميله لطرف واحد، وإنما هو حصيلة مجموعة من العوامل الدولية، ومساهمة شركات التكنولوجيا الحالية والمستقبلية فيه هامشى وضعيف. وأوضح أن الابتكار التكنولوجى يحمل وعوداً كبيرة فى توفير الخدمات المالية، سواء تمثل ذلك فى القدرة على زيادة الوصول للأسواق، أو مزيد من عروض المنتجات المالية، أو السرعة فى الأداء مع خفض التكاليف للعملاء، مما يتيح لها القدرة على الوصول إلى شريحة عريضة لا يستطيع القطاع المصرفى الوصول إليها، مما يخلق مزيداً من المنافسة والتنوع فى عمليات الإقراض والمدفوعات والتأمين والتجارة، فضلاً عن دورها فى جعل النظام المالى أكثر كفاءة ومرونة. ومن ناحية أخرى، يرى أبوبكر إمام، رئيس قسم البحوث ببنك الاستثمار سيجما، أن تضخم وانتشار شركات التكنولوجيا المالية فى العالم يمثل تهديداً ومنافسة كبيرة للقطاع المالى العالمى، مستبعداً أن ينطبق هذا الوضع على الاقتصاد المحلى فى الوقت الحالى، خاصة أن هذه الشركات تعمل فى إطار ضوابط وقوانين. وأشار «إمام» إلى أن شركات التكنولوجيا المالية فى مصر تعتمد فى الأساس على القطاع المصرفى للحصول على التمويل اللازم للوصول إلى شرائح يصعب على القطاع المصرفى النفاذ إليها ومن ثم فهى تدعم النظام المالى فى مصر.

وأضاف أن القدرة الاحتكارية للشركات التكنولوجية هى أخطر ما يهدد النظام المالى العالمى، حيث إن قدرتها أعلى بكثير مما هو متاح للبنوك باعتبارها مؤسسات مالية تقليدية.

أشرف صبرى: شركات التكنولوجيا العملاقة يمكن أن تخلق منظومة مالية عالمية جديدة

وكانت «لاجارد» قد أشارت فى تحذيرها إلى شركتين فقط تسيطران على أكثر من 90% من سوق المدفوعات عبر الهواتف المحمولة فى الصين، مما يجعلها أكثر قدرة فى الهيمنة على الأسواق وتوجيهها فى الاتجاه الذى يحقق مصالحها.

وحول قضية الضرائب الخاصة بشركات التكنولوجيا العملاقة، قال محمد مصطفى، المتحدث الرسمى باسم وزاره المالية، ورئيس وحدة تسعير المعاملات بمصلحة الضرائب، إن قضية الضرائب الخاصة بهذه الشركات تمثل جانباً مهماً من الاضطرابات التى يمكن أن تحدثها فى النظام المالى العالمى، مشيراً إلى أن هذه القضية أصبحت تحظى باهتمام دولى كبير بالرغم من عدم التوصل إلى اتفاق عالمى للتعامل مع هذه القضية.

أبوبكر إمام: القدرة الاحتكارية للشركات التكنولوجية أخطر ما يهدد النظام المالى العالمى.. وأوضاعها فى مصر محكومة بضوابط وقوانين

وأشار إلى أن وزارة المالية بدأت فى التعاون مع منظمات دولية للتوصل إلى أسلوب للتعامل مع الشركات التكنولوجية العاملة فى السوق المحلية، منوهاً بأن الوزرة تستعد خلال الفترة المقبلة لتنظيم مؤتمر بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، لمناقشة أوجه التعاون وأهم التحديات التى تواجه قضية فرض ضرائب على أرباح الشركات التكنولوجية. وقال حازم مغازى، الرئيس التنفيذى لشركة أمان للخدمات المالية، إن شركات التكنولوجيا المالية العملاقة حتماً ستؤثر فى الاستقرار المالى العالمى، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تغيير هيكل السوق فى الخدمات المالية.

وأشار إلى أن دخول شركات التكنولوجيا المالية سوف يُحدث حالة من الارتباك بقطاع البنوك على المستوى العالمى، مرجعاً ذلك إلى أن النظام المصرفى يعمل وفقاً لقواعد عمل تقليدية مقارنة بشركات التكنولوجيا العملاقة والتى تستطيع طرح منتجات مالية أكثر حداثة، قد يكون لبعضها آثار ضارة على المؤسسات المالية التقليدية.

واستبعد «مغازى» أن تنطبق تصريحات «لاجارد» على واقع الاقتصاد المصرى، مؤكداً أن انتشار هذه الشركات لا يمثل خطراً على النظام المالى والمصرفى فى مصر، مشيراً إلى أنها تعمل فى إطار التعاون مع القطاع المصرفى، ومن ثم فإن المنظومة التكنولوجية تدعم دور القطاع المصرفى فى مصر فى ضواء الدور الرقابى للبنك المركزى. ويرى أشرف صبرى، الرئيس التنفيذى لشركة فورى لتكنولوجيا المدفوعات الإلكترونية، أن دخول شركات التكنولوجيا العملاقة حتماً سيؤثر على النظام المالى الدولى، مرجعاً ذلك إلى ما تمتلكه هذه الشركات من قدرة احتكارية أعلى بكثير مما هو متاح للبنوك باعتبارها مؤسسات مالية تقليدية.

وأشار إلى أن هذا الجانب الاحتكارى المدعوم بالقدرة الإبداعية لشركات التكنولوجيا والقدرات المالية الهائلة لديها، بجانب معرفة أكثر دقة باحتياجات العملاء من خلال قواعد البيانات التى تمتلكها، يجعلها أكثر قدرة فى الهيمنة على الأسواق وتوجيهها فى الاتجاه الذى يحقق مصالحها.

وتابع أن هناك أسلوبين يمكن أن تتبعهما شركات التكنولوجيا للتعامل فى الأسواق، يتمثل الاتجاه الأول فى التعاون مع المنظومة البنكية لتقديم خدمات للعملاء، بما يدعم دور المنظومة المصرفية ولا يخلق تهديداً للنظام المالى، حيث يضمن عدم تخطى المنظومة الحدود الآمنة فى التعامل.

وأوضح أن الاتجاه الثانى يعكس توجهات شركات التكنولوجيا العملاقة مثل «جوجل» و«فيس بوك» والتى تتعامل بعيداً عن المنظومة البنكية بالكامل، وتستطيع تغيير منظومة الحوكمة للقطاع المصرفى بالكامل، مؤكداً أن هذا الاتجاه يمكن أن يخلق منظومة مالية عالمية جديدة، وهو ما يشهده النظام المالى فى الولايات المتحدة والصين حالياً، حيث باتت بعض شركات التكنولوجيا تقدم خدمات التأمين والإقراض وتتوسع فى إدارة الحسابات والأصول.


مواضيع متعلقة