مكواة الرِّجل وزنها 18 كيلو.. ومكوجى قايتباى يحتفظ بطرازين قديمين: «دوّبوا 20 صنايعى»

كتب: حسين عوض الله ونهال سليمان

مكواة الرِّجل وزنها 18 كيلو.. ومكوجى قايتباى يحتفظ بطرازين قديمين: «دوّبوا 20 صنايعى»

مكواة الرِّجل وزنها 18 كيلو.. ومكوجى قايتباى يحتفظ بطرازين قديمين: «دوّبوا 20 صنايعى»

بين ذكريات المهنة التى امتهنها فى سن 12 سنة، والصور المعلقة على جدران محله سبق أن التقطها له أجانب أذهلهم مشهد «مكواة الرِّجل»، يقف أحمد أمين الشهير بـ«الجون» 66 عاماً، ليطل بهمة ونشاط قد لا تتوفر لبعض من هم فى نصف عمره، وتطل معه مكواته الحديد التى تزن 18 كيلوجراماً بعد أن تركها فوق الموقد لمدة ساعة، ليمسكها من اليد الحديدية الطويلة ويضعها على الملابس، مثبتاً قدمه اليسرى على قطعة خشبية أعلى القاعدة تعزل عن قدمه سخونة المكواة، ليضغط بكل ما أوتى من قوة فتخرج الملابس مرتبة أنيقة لأطول فترة ممكنة.

يحكى «الجون» عن ذكريات مر عليها نصف قرن، قائلاً: «اتعلمت المكوة الرِّجل وأنا عندى 12 سنة على إيد عمى فى كوم الشيخ سلامة أيام لما كنا بنكوى لشركات الحكومة زى سمعان صيدناوى وداود عدس وبنزايون وشملا، وكانوا بيجيبوا لنا الهدوم بالكوم علشان كده اتسمى كوم الشيخ سلامة، وبعد ما نكويها ياخدوها ويوزعوها على الشركات، كان وقتها الجلابية بتتكوى بـ3 تعريفة»، وتابع «اليوم أكثر زباينى من الترزية اللى بيفصلوا جلابيات وعبايات بلدى، وفيه زباين بتيجى من مصر الجديدة ومدينة نصر ومن المنشية والدراسة بييجوا لحد هنا علشان أكوى لهم الجلابية البلدى والعباية والقفطان.. البخار ماتقدرش تكويهم زى الرِّجل».

الشهير بـ"الجون": "شغلتنا عاوزة صحة.. والبخار ما يعملش نفس النتيجة اللى إحنا بنطلَّعها".. والمحل سيغلق أبوابه بوفاتى

وكعادة التكنولوجيا التى لم تترك مهنة ولا طريقة إلا وكان لها بصمتها، فكان لظهور المكواة البخار نصيب من السوق الذى أثر بالسلب على مُمتهِنى الكى باستخدام مكواة الرجل، ولأن طريقة «الجون» تحتاج مجهوداً بدنياً كبيراً وطريقة التكنولوجيا توفر الوقت والجهد، فقد عزف عن الطريقة القديمة بعض الحرفيين القدامى لتتحول محالهم إلى اقتناء التقنية الحديثة، كما قلَّ أو انعدم أن تجد شاباً صغيراً يريد أن يتعلمها، فبحسب الرجل الستينى «من وقت ما المكوة البخار طلعت والمكوة الرجل اختفت لأنها شقا وعايزة صحة وقليل لما تلاقى حد بيشتغلها.. مابقاش فيه صبيان بيتعلموها ومثلاً ولاد عمى قلبوا محلهم للبخار.. النهارده العيال عايزة تلعب فى الشارع وماتشتغلش». لكن ابن منطقة قايتباى أبى أن يترك ما تعلمه: «أنا بحب المكوة الرجل وقبل كده ناس جولى المحل وعرضوا عليا آخد قرض من البنك وأشترى ماكنة البخار بس أنا رفضت لأنى متربى عليها.. دى مكوة الباشوات زمان.. لولا شقاها والمجهود اللى بتحتاجه كان زمانى تعبان وصحتى وحشة»، وفى الوقت نفسه بحث عن مصدر آخر للرزق «عندى دكان بابيع أنابيب علشان الحال يمشى، ماقدرش أعتمد على المكوة وخصوصاً إن شغلها مابقاش زى زمان».

ورغم أن مهنة «الجون» تحتاج منه مجهوداً بدنياً كبيراً يتمثل فى حمل وزنها الثقيل والضغط عليها بقدمه وقوة جسمه إلا أنه يجدها الرياضة التى لم يستطع أن يكمل طريقه فيها مثل أقرانه الذين لعبوا لنوادٍ كبرى «أنا شغال ومش حاسس إنى تعبان.. باعتبر المكوة الرِّجل رياضة بتحافظ على صحتى واللى يشوفنى مايقدرش يعرف إنى عندى 66 سنة.. يعنى لو فيه ماتش دلوقتى هاقدر أقف جون زى أى شاب وزى ما كنت باقف زمان أيام ما كنت بالعب فى المنطقة ولما روحت نادى الترسانة وأنا عندى 16 سنة، لكن ماقدرتش أكمل علشان زمان كنا محتاجين فلوس نصرف على أهلنا مش دلوقتى الأهالى بتدفع فلوس لولادها علشان يلعبوا كورة».

الأسف بدا واضحاً على تعبيرات مكوجى الرِّجل، فبعد نظرات حوله فى المحل تذكر أن المحل لن تفتح أبوابه بعد وفاته: «عندى 3 بنات اتخرجوا من الجامعة واتجوزوا وماكانش ينفع يتعلموا الشغلانة دى علشان متعبة.. المهنة دى مش هتقد من بعدى وبتنقرض، يعنى دكانى هيتقفل من بعدى أو هيبقى حاجة تانية.. المكاوى بتاعتى يتحطوا فى متاحف علشان ماحدش هيشغلهم ولا حد بيتعلم المهنة»، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاحتفاظ باثنتين من مكاوى الرِّجل من الطراز القديم «المكوتين بتوعى دول دوِّبوا 20 مكوجى.. المكوة الرِّجل تدوِّب بنى آدمين لكن هى ماتدوبش.. عمرك شُفت حديد بيدوب وينتهى؟».


مواضيع متعلقة