«السريحة» داخل وسائل المواصلات: الرزق يحب الخفية

كتب: أحمد العميد

«السريحة» داخل وسائل المواصلات: الرزق يحب الخفية

«السريحة» داخل وسائل المواصلات: الرزق يحب الخفية

لا يمنعهم الزحام الشديد، الذى يسيطر على القطار، ولا فوضى وشجار واستغاثات الركاب فى معركة البحث عن مقعد، أو الحصول على بضعة سنتيمترات زيادة للوقوف بين المقاعد، من السعى بين الحشود والعربات لترويج بضاعتهم واصطياد زبائنهم، قبل النزول فى المحطة التالية، لاختيار قطار آخر وزبائن آخرين.. هكذا حال الباعة الجائلين فى كل يوم وكل قطار.

وسط زحام المشهد وفوضويته، يظهر هو بين الحشود، متجاهلاً معاناة الركاب، مستخدماً قوته فى عبورها وهو يتخفى من رجال أمن المحطة، ويحمل بضاعته صغيرة الحجم «خواتم فضة»، داخل علبة مفتوحة، يضطر أحياناً إلى «دهس» أقدام الواقفين، أغلبهم يلتزم الصمت، ولا يلتفت هو إلى ضرورة الاعتذار، لكن رجل مسن ينهره، قائلاً: «يا أخى داخل تدوس على الناس فى الزحمة دى، ما عندكش نظر؟، وده وقت بيع ده؟»، إلا أنه يستمر دون أن يرد على الرجل، منادياً على بضاعته: «يلا اللى عايز خواتم فضة، فضة هنا، خواتم سعر جملة ولا جشع التجار والمحلات».

الباعة يهربون من شرطة محطتى قطار رمسيس والجيزة بالركوب من خارج الرصيف ويتحركون بحرية فى بقية المحطات

يبدأ بائع الفضة فى بيع بضاعته وسط الزحام والشجار، وهو يغوص فى قلب العربة، ويختفى بعد أمتار قليلة ولا يبقى إلا صوته، وهو ينبه الجميع بصوت مرتفع: «معانا واحد هنا اشترى خاتم، مين تانى يا جدعان»، فيما يتمنى الركاب أن يمر من أمامهم فى سلام دون أى احتكاك، وفقاً لأحد الركاب، ويدعى مصطفى خالد، الذى قال: «دول الناس بيتلاشوهم، واخدين كل حاجة بلطجة، هما بلطجية أساساً، وبيعدوا كده ويدوسوا على أى حاجة، أى شنطة ليك يدوسوا عليها ولو واحد نايم ممكن يدوسوه».

يظهر «خالد»، الذى يقطن بمركز مغاغة، بمحافظة المنيا، ويعمل بأحد مطاعم الجيزة، غضبه الشديد من باعة القطار، موضحاً أنهم يخلّفون حالة من الهمجية والفوضى، بسبب تعاملهم بعنف مع الركاب، ومع بعضهم البعض.

سائقو القطار يخضعون لهم ويقفون فى المحطات التى يريدونها.. والكمسارية يخشون اعتراض طريقهم

بعد فترة وجيزة يصل القطار إلى المحطة التالية، وهى الجيزة، ليقف دقائق معدودة قبل أن يغادرها، ولحظة خروجه البطىء يقفز نحو ٣ بائعين متجولين مخترقين الزحام الشديد، أحدهم يبيع الشاى وآخر يبيع زجاجات المياه و«البسكويت» والثالث يبيع «الكعك المحشو بالعجوة»، دخلوا من باب واحد من أبواب العربة الأولى، وظلوا يتجولون فى القطار حتى العربة الأخيرة، وقد تستغرق رحلتهم الوقت الذى يقطعه القطار حتى المحطة التالية.

وبرر ركاب، قفز الباعة الثلاثة إلى القطار وقت تحركه، بأنهم يركبونه من خارج رصيف المحطة، فهم يركبون من خارج رصيف محطتى رمسيس والجيزة، هرباً من الشرطة، بينما يركبون من على الرصيف فى بقية المحطات.

عند مركز العياط يقفز بائع متجول آخر، يحمل طاولة دائرية مليئة بأكياس بلاستيكية شفافة بها «لب سورى»، منادياً على الركاب بـ«يلا يا جماعة تسالى بجنيه، لب بجنيه»، وبعد دقائق هدأ سائق القطار من سرعته إلى حد كبير جداً حتى كاد أن يتوقف، ليقفز بائع «اللب»، ثم عاد إلى سرعته، وبرر الراكب إبراهيم عبدالعاطى، صاحب مقهى ببنى سويف، ما فعله سائق القطار: «هو بيهدى أوى أو بيقف علشان البياعين السريحة بينزلوا قرية كفر عمار فهو بيهدى علشان هما ينزلوا وبعدين يطلع».

الركاب: لا نحتك بهم لأنهم بلطجية و"عبدالعاطى": "شرطة القطار ما بتقدرش عليهم"

وأضاف أن السائقين يعرفون المناطق التى سينزل فيها «السريحة»، وأنه مجبر على ذلك لأنه إن لم يقف سيشد الباعة فرامل اليد بعربة القطار ليقف، وسيضطر عندها السائق إلى الانتظار نصف ساعة لملء الفرامل بالهواء ويعاود الانطلاق.

ويؤكد أن «البائعين يمارسون عملهم بالقوة ولا أحد يقدر عليهم، لأنهم يفعلون كل شىء كما يريدون، وإذا أرادوا أن يوقفوا القطار فيوقفوه بشد فرامل اليد الموجودة فى العربة للطوارئ، وأن شرطة القطار لا تقدر عليهم وتتركهم لأنهم بإمكانهم ضرب الشرطة وإنزالهم من القطار، والدليل أنهم مستمرون فى عملهم ولم يمنعهم أحد على مدار السنين»، مشيراً إلى أن «الكمسرى لا يمكنه الاعتراض على وجودهم، لأنه يخشى على نفسه، والمبالغ التى يجمعها مقابل بيع التذاكر، هما عصابة ومقسمينها مين بيسرح بإيه وحدوده لحد فين، وأحياناً لما حد جديد يتعدى حدوده بيتضرب».

ولفت إلى ضرورة تقنين أوضاعهم وأن يرتدوا زياً موحداً، عليه شارة مدون عليها بيانات كل بائع، بحيث إذا أراد أحد الركاب أن يشتكى من أى بائع، يكون على علم ببياناته، مضيفاً: «أنا مش متضايق منهم لو هما موجودين ويخدموا على الناس، وبصراحة وجودهم مهم فى الصيف والحر الناس بتبقى عايزة تشرب والدنيا زحمة لا فى حد بيجيب ميّه ولا أكل، وناس بتفضل واقفة متفعصة فى بعض من القاهرة للأقصر، بس محتاجين نظام ما تبقاش الناس خايفة منهم».

يقف القطار فى المحطة التى تليها، وهى «الواسطى»، ويدخل اثنان من «السريحة» يحمل أحدهما طاولة مستطيلة عليها «سندوتشات طعمية»، منادياً بـ«جنيه 3 سندوتشات»، بينما الآخر يحمل المياه والمقرمشات، وقبل أن يتحرك القطار دخل ثالث، لكنه لم يكن غير مرغوب فى وجوده، فتشاجر معه بائع المياه، فبدأ الاشتباك بينهما وتبادلا اللكمات وسط الزحام، وحاول أحدهما إلقاء الآخر من القطار، إلا أن الركاب تدخلوا لفض المشاجرة.

وعند محطة بنى سويف، صعد إلى القطار بائع فطائر، ومعه آخر يبيع الشاى، ووقفا فى منتصف العربة يتعاونان فى بيع البضاعة، ولحق بهما 3 آخرون عند محطة «ببا»، أحدهم يبيع الشاى، والثانى حقائب خفيفة وميداليات، والثالث يبيع المقرمشات، وفى «الفشن»، لحق بهم آخر يبيع «حلوى عسلية»، وهو ينادى: «عسلية بجنيه، يلا عسلية بجنيه».


مواضيع متعلقة