8 سنوات من تهريب مواشي عبر الحدود "الليبية-المصرية" تسبب تهرب جمركي واسع

كتب: أحمد العميد

8 سنوات من تهريب مواشي عبر الحدود "الليبية-المصرية" تسبب تهرب جمركي واسع

8 سنوات من تهريب مواشي عبر الحدود "الليبية-المصرية" تسبب تهرب جمركي واسع

مع كل فجر جديد يشاهد سكان الوديان الحدودية بمحافظة مرسى مطروح قطعان ماشية تنزل من هضبة السلوم الكبيرة، يقودها رجال وصبية بعصيانهم، ما بين مواشى وأغنام وإبل وماعز، في صورة قطعان كبيرة، مشهد اعتاد سكان هذه المناطق خلال السنوات القليلة الماضية، بعد تجارة تدر ربحا كبيرا لتجار المواشي المصريين بعد استقدام هذه المواشي من أوربا ودخولها عبر هذه الصحراء الحدودية الواسعة دون دفع أي رسوم جمركية، وهى بالنسبة إليهم فرصة كبيرة للاستفادة من الصحراء الفسيحة واستغلال بعض سكان هذه الوديان الذين يعرفون مواقع "مدقات" قديمة تم تطهيرها من الألغام، لتصبح طريقهم إلى العبور الآمن بعيداً عن الألغام التي تهدد القطعان.

في البقعة الشمالية الغربية من مصر وعبر الصحراء الواسعة يسكن آلاف الناس في منطقة سيدي براني التابعة لمحافظة مطروح، خلال زيارتنا نجد المنازل قليلة الارتفاع الملاصقة للطريق الساحلي، بينما في الداخل وباتجاه الصحراء تتناثر البيوت والمنازل بعيدة عن بعضها وحول المنازل حظائر مغلقة تحوي حيوانات محلية وأجنبية كان هذا المشهد الذي رأيناه خلال زيارتنا، لرصد حركة التجارة في الحيوانات المهربة.

يقول إبراهيم محمد أحد سكان منطقة "أوجرين" الملاصقة لوادي الرابية أقرب الوديان من خط الحدود الليبية المصرية، والذى تعد هذه المنطقة موقعا لمعركة كبيرة بين الجيش النازي بقيادة المشير أرفين روميل، وبين القائد الإنجليزي مونتجومري، يقول الرجل الذى شاهد خلال شهر أبريل الماضي عددا من القطعان المهربة: "نرى قطعان تنزل من على الهضبة أمامنا وتسير باتجاه الشرق متجهة إلى مدينة سيدى براني"، يروى هذا الرجل كيف تمر القطعان أمام أعين أهالي الوديان في طريقها إلى مدينة سيدى براني التي تعد مركزا كبيرا لتجارة الحيوانات المهربة، والتي يقام فيها سوق للحيوانات صباح كل يوم، ويجرى فيه الاتفاقات بين التجار المصريين وبين المهربين الحدوديين لعقد صفقات التهريب، قائلاً: "من سنة 2011 بعد الثورة والتهريب شغال تقريبا مليون أو مليون إلا ربع رأس تيجي فيها الغنم والجمال والبقر، كل شيء يفوت ويعدى".

لكن حرس الحدود المصري يتمكن من ضبط كميات كبيرة أيضا ويضعها في محاجر تابعة للهيئة العامة للخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، تشير التقارير التي يرسلها الجيش المصري إلى وزارة الزراعة بضبطه آلاف من المواشي المهربة، ويطالب الجيش الوزارة بقرار حول كيفية التصرف في هذه المواشي لأنها غير مفحوصة بيطريا.

بالحديث مع أحد المهربين الحدوديين، -رفض نشر اسمه حتى لا يتعرض لمشكلات أمنية- قال أن عملهم يقتصر على قيادة المواشي أمامهم من داخل الأراضي الليبية إلى داخل الأراضي المصرية، وأن المسافة التي يقطعها تتراوح ما بين 20 إلى 30 كيلو مترا في الرمال الصحراوية، وأنه يضطر إلى الدخول عبر فتحات في الحدود بين مصر وليبيا تم تطهير الألغام الموجودة بها، ويصف مدق الألغام بأن عرضه حوالى 15 مترا وعن يمينه وعن شماله كميات هائلة من الألغام الأرضية التي وضعت خلال الخلاف الذى حدث في العقد السابع من القرن الماضي بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات والرئيس الليبي المقتول معمر القذافي، وأن هذه الألغام موضوعة بطول الحدود المصرية الليبية من البحر وحتى السودان بطول 1200 كيلو مترا، ويوجد بها 10 مدقات تم تطهير منهم الألغام وإزالتها قام بها بعض المهربين في الماضي وبعض شيوخ القبائل التي يرتبط نسبها بأفراد من مصر وليبيا.

ويقول المهرب، إنه في الماضي كانت القبائل تعيش في الصحراء لا تعرف الحدود ولا دولة ليبيا أو مصر، وكان الأب له ابن في مصر وابن في ليبيا ويتبادلون الزيارات عبر الصحراء، لكن قيام الدول بوضع الألغام حد من هذا الترابط الأسرى ما جعلهم يضطرون إلى عمل مدق آمن يمرون عبره للزيارات وهذه المدقات الآن هي التي تستخدم في عمليات التهريب، مشيراً إلى أن الوقت المستغرق حوالى نصف يوم وأن موعد الانطلاق من ليبيا يكون عند غروب الشمس وموعد الوصول إلى مصر يكون عند شروق الشمس، حتى لا يتمكن حرس الحدود المصري من ضبط المواشي، لأنه يقوم بحجزها في المحاجر البيطرية.

ويضيف المهرب، أن الذى يضطرهم إلى ممارسة عمليات التهريب هذه، هو عدم وجود وظائف ومصادر دخل أخرى، وأنهم بارعين في معرفة دروب الصحارى لأنهم ولدوا فيها ويعرفون كل خباياها، وأن المجموعة التي تقود القطعان هو رجل كبير وعدد من الصبية لا يتجاوز عددهم 12 فرداً لمحاصرة القطيع حتى لا يدخل في حقل الألغام، مشيراً إلى أنه في بعض الأحيان تهرب بعض الحيوانات وتدخل حقل الألغام فينفجر بها الألغام ويسبب الذعر لبقية القطيع الذى يتشتت ويدخل في حقل الألغام وهذه تكون كارثة، ولكنها تحدث أحياناً، وأن بعض الحيوانات الأوربية غير المعتادة على جو الصحراء وشدة الحرارة تموت في الطريق من الإرهاق، ولكن ما يصل يكون كافي لتحقيق الأرباح، وأن بعد وصولهم الأراضي المصرية يتجهون إلى سيدى براني لتسليمها إلى التجار، ويتم شحنها عبر شاحنات أو تحجز في حظائر بالبيوت الملاصقة للطريق الدولي.

ويقول أبو سالم، أحد التجار الموجودين في منطقة سيدي براني وتاجر في هذه المواشي الليبية المهربة، إنه يقوم بحجز المواشي في حظيرة بجوار منزله لحين وصول تجار من مصر يشترونها وكذلك بعض أصحاب المطاعم الكبيرة في محافظات الدلتا يأتون لشراء هذه المواشي والأغنام التي تكون سعرها أقل من سعر الحيوانات المتوفرة في الأسواق الأخرى، وأنه يهتم بسرعة بيع هذه الحيوانات حتى لا تبقى لديه فترة طويلة فيخسر من خلال عملية إطعامها.

وبالحديث مع مرضى سعد القطعاني، مدير وحدة الدعم الفني والإرشادي بمدينة سيدى براني، التابعة لمركز بحوث الصحراء بوزارة الزراعة المصرية، قال إن عمليات التهريب بدأت منذ اندلاع الثورة في ليبيا عام 2011 والانفلات الأمني هناك، ما أدى إلى خوف أصحاب المواشي والأغنام على ثرواتهم ولم يطمئنوا للحفاظ عليها فقاموا ببيعها لتجار مصريين وهربوها عن طريق الصحراء لأنه ممنوع توريد الحيوانات من ليبيا لمصر، وأن الكثير من عمال الرعي والمزارع كانوا من السودان وعادوا إلى بلادهم بسبب سوء الأوضاع الأمنية وعدم قدرة أصحاب المزارع والحيوانات على دفع رواتبهم لتعطل البنوك خلال الأحداث، مشيراً إلى أنه بعد أن فقدت ليبيا ثروتها الحيوانية عبر عمليات التهريب هذه، قامت باستيراد الحيوانات من أوربا كالدنمارك وإسبانيا، وغيرها من الدول الأوربية، ولكن حتى هذه الحيوانات تم تهريبها على مدار السنوات الماضية، مرجحاً أن تكون الأعداد التي تدخل سنوياً حوالى نصف مليون رأس من الحيوانات المهربة.

بالبحث حصلنا على مذكرة رسمية تكشف عن العدد الكبير الذى يتم ضبطه وحجزه في المحاجر البيطرية بسيدي براني والسلوم، حيث تم ضبط 4945 رأساً من الماشية والأغنام خلال الفترة ما بين الأول من فبراير حتى منتصف مارس عام 2017 أي خلال شهر ونصف الشهر فقط، كما حصلنا أيضاً على وثيقة صادرة من مديرية الطب البيطري بمحافظة مطروح موجهة إلى إدارة الهيئة العامة للخدمات البيطرية بتاريخ 21 مايو 2017 تطلب الموقف الواجب اتخاذه من حيوانات مضبوطة ومحتجزة في المحاجر البيطرية بمدينة سيدى براني، لارتفاع نسب نفوق هذه الحيوانات خلال حجزها، ووثيقة أخرى ترد فيها الهيئة العامة للخدمات البيطرية على مديرية الطب البيطري بمطروح توصى فيها بضرورة ذبح الحيوانات وتطهير المجزر بعد الذبح وإجراءات بيطرية أخرى وفقاً للوائح والقوانين الخاصة بها لحماية الثروة الحيوانية المصرية من أي عدوى وأمراض.

على الجانب الأخر من عمليات التهريب، توصلنا إلى نسخة من قرار وزير الاقتصاد والصناعة بالحكومة الليبية المؤقتة والمنشور في ديوان وزارة الاقتصاد والصناعة، والذي نص في مادته الأولى بحظر تصدير المواشي الحية ولحومها (الاغنام - الأبقار- الإبل) من كافة المنافذ البرية والبحرية، وأن على الجهات المختصة حماية المنافذ وضبط كل من يخالف أحكام هذا القرار، وتعد الحكومة الليبية المؤقتة هي التي تحكم قبضتها على المنطقة الشرقية ولها السلطة على مناطق واسعة من ليبيا وحاليا تحاول ضم المنطقة الغربية لها.

ويقول عبدالنبى بلل، مدير جمارك البطنان، في اتصال هاتفي إن الدولة الليبية وضعها الأمني لا يسمح لها بالسيطرة على حدودها بشكل كامل، وأن عمليات التهريب التي تتم تعد هدراً للأموال الليبية، لأن التاجر يحصل على الدولار بسعر جيد لكي يستورد وفي المقابل لا يقوم ببيع هذه الحيوانات داخل السوق الليبي بل يهربها إلى مصر ويحصل على أرباح كبيرة، لأنه حصل على دولار بسعر مناسب وفرته له الدولة وفي نفس الوقت يهرب هذه المواشي من دون دفع أي رسوم جمركية.

هذا المقال جزء من برنامج ثروات الأمم، وهو برنامج تطوير المهارات الإعلامية الذي تديره مؤسسة طومسون رويترز‪ ‬بالشراكة مع مركز التطوير الإعلامي.

للمزيد من المعلومات اضغط على الرابط 

http://www.wealth-of-nations.org/ar/

‪مؤسسة طمسون رويترز ليست مسؤولة عن محتوى هذه المادة، ترجع هذه المسؤولية للمؤلف و الناشر.


مواضيع متعلقة