المتضررون بعد قرار وزراء الصحة العرب بتفعيل الـ«بى سى آر»: «نفسنا نسافر»

كتب: أحمد عصر ومريم الخطرى

المتضررون بعد قرار وزراء الصحة العرب بتفعيل الـ«بى سى آر»: «نفسنا نسافر»

المتضررون بعد قرار وزراء الصحة العرب بتفعيل الـ«بى سى آر»: «نفسنا نسافر»

قبل نحو 12 عاماً، اكتشف محمد يحيى، البالغ من العمر 40 سنة، عن طريق الصدفة أنه مصاب بمرض الالتهاب الكبدى الوبائى (فيروس سى)، كان حينها ينهى الإجراءات الأخيرة قبل سفره إلى المملكة العربية السعودية من أجل العمل بها معلماً للغة الإنجليزية، ليصطدم بعجزه عن السفر وهو مصاب، ما جعله يدخل فى مرحلة من البحث عن علاج استمرت نحو 4 أعوام أخرى إلى أن شفى من المرض تماماً، ليراوده تفكير السفر مرة ثانية، إلا أن صدمة أخرى وقفت عائقاً أمامه، بعد معرفته أن المتعافين من المرض يتكون فى أجسامهم ما يسمى بـ«الأجسام المضادة»، ورغم أن هذا أمر طبيعى لدى جميع المتعافين من المرض، إلا أن معظم دول الخليج تمتنع عن استقبال هذه الفئة من المواطنين، ما جعل «يحيى» وغيره كثيرين من متعافى «فيروس سى» يعانون منذ سنوات طويلة دون حل لأزمتهم: «أنا واحد من ضحايا التحاليل الظالمة دى، وعملت مقابلات عمل كتيرة واتقبلت فيها وتحليل الأجسام المضادة هو اللى بيقف قدامى».

يعيش «يحيى» فى مركز دمنهور بمحافظة البحيرة، ويتردد بينها وبين القاهرة كثيراً من أجل إجراء العديد من الفحوصات، تارة للاطمئنان على صحته، من خلال تحليل «بى سى آر»، الذى يؤكد إذا كان مصاباً بالمرض أم شفى منه، وكانت كل نتائج التحاليل التى أجراها سلبية، بما يعنى خلو جسده من المرض، وتارة أخرى كان يحاول فيها تفهم الأمر من معامل التحاليل المركزية التابعة لوزارة الصحة بالقاهرة التى تخرج له تحاليل الأجسام المضادة بنتيجة إيجابية وبناء عليها يتم رفض سفره، كل ذلك كلف «يحيى» أموالاً كثيرة أثقلت عليه أعباءه، ليعبر عن ذلك قائلاً: «الواحد عليه ديون كتير، والسفر بالنسبة لى هو طوق النجاة».

"يحيى": "عليّا ديون كتير والعمل فى الخارج طوق النجاة.. وعملت مقابلات عمل كتيرة واتقبلت فيها وتحليل الأجسام المضادة هو اللى بيقف قدامى"

عرف «يحيى» بما دار فى اجتماع مجلس وزراء الصحة العرب الأخير قبل أيام، ما جعل الأمل يتسرب إليه مرة أخرى فى إيجاد حل لهذه الأزمة، إلا أن أحداثاً شبيهة مضت قبل سنوات جعلته لا يجزم بما سيحدث خلال الأيام المقبلة: «لما الوزيرة اتكلمت إحنا قلنا بشرة خير، بس المشكلة إن كلام كتير من النوعية دى حصل قبل كده وبرضو النتيجة واحدة ومفيش حاجة بتتحل، لازم يكون فيه حركة أسرع من كده لأن اللى زيى لغاية ما تموت الأجسام المضادة هتفضل تحاليلها إيجابية عشان ده مش مرض».

«والله إحنا اتخرب بيتنا وحالنا واقف من اللى بيحصل فينا ده» بهذه الكلمات بدأ عصام النبوى، صاحب الـ45 عاماً، سائق، حديثه، قبل أن يوضح أنه يعيش فى هذه الأزمة منذ ما يزيد على 4 أعوام، عندما ساعده صديق له يعمل فى دولة الكويت بأن أرسل له «فيزا» عمل كلفّته ما يزيد على 80 ألف جنيه، ولم يكن حينها يعانى من أى مرض ما جعله يشرع فى تجهيز الأوراق المطلوبة، التى من بينها تحليل «فيروس سى» الذى أجراه فى معمل تحاليل خاص بمدينة شبين الكوم، التى يعيش فيها بمحافظة المنوفية، وكانت النتيجة خلوه من المرض، إلا أن معلومة أخرى أضافها إليه أحد أصدقائه تفيد بضرورة عمل هذا التحليل فى المعامل المركزية بالقاهرة لكى يتم اعتمادها فى السفر، وكانت المفاجأة تنتظره هناك: «رحت دفعت 50 جنيه وخدوا عينة وقالوا لى تعالى بعد 5 أيام، رُحت قالوا لى انت ملكش نتيجة، ولازم تعيد تانى، خدت عينة تانى، وقالوا 5 أيام تانى، ولما رُحت أجيب النتيجة قالوا لى نفس الكلام ملكش نتيجة، وفضلت فى نفس الموال ده 5 مرات رايح جاى عليهم من المنوفية، لحد ما زعقت فقالوا لى انت إيجابى ضعيف وكده ملكش سفر لأننا بناخد بالأجسام المضادة».

"عصام": "إحنا اتخرب بيتنا وحالنا واقف من اللى بيحصل فينا ده ومفروض كان الموضوع خلص لأنهم اتكلموا فيه قبل كده"

سنوات «عصام» مع هذه الأزمة جعلته يشهد العديد من المحاولات التى أجريت فى هذا الشأن ولكن دون فائدة، فرغم اعتماد وزارة الصحة فى عهد الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة السابق، لـ«شهادة شفاء» يمكن أن يحصل عليها أى متعاف من «فيروس سى»، إلا أن هذا الأمر لم يفلح فى إقناع دول الخليج التى لم تعتمد هذه الشهادة، كما لم يفلح الأمر أيضاً عندما أثيرت الأزمة فى اجتماع وزراء الصحة العرب فى جنيف العام الماضى، حسب «عصام»: «نفس الكلام اللى اتقال دلوقتى هو نفس الكلام بتاع كل مرة، ومفروض كان الموضوع خلص بشكل نهائى فى الاجتماع لأنهم اتكلموا فيه قبل كده».

لدى «عصام» من الأولاد ثلاثة، وكان السفر بالنسبة له أملاً كبيراً من أجل تحسين معيشتهم، ما جعله يستدين لإتمام تكلفة استخراج «الفيزا»، وبعد أن ضاع هذا الأمل لسبب لا يقتنع به، على حد قوله، حاول استرداد ما دفعه إلا أن الأوان قد فات: «قالوا لى خلاص انت فلوسك راحت لأن الفيزا طلعت، والمشكلة من عندك مش من عندنا، وبدل ما أنا كنت عايز أسافر عشان أجهز بنتى اللى وش جواز بيتى اتخرب».

«الأجسام المضادة» كانت لغزاً لم يتمكن الأربعينى أحمد زكى، المقيم فى مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، من فهمه، عندما جاء مطمئناً إلى المعامل المركزية لوزارة الصحة بالقاهرة، من أجل إجراء التحاليل المطلوبة للسفر إلى الكويت من أجل العمل: «لقيتهم بيقولوا لى إنى عندى أجسام مضادة، وأنا أصلاً معرفش يعنى إيه أجسام مضادة، ولما حاولت أفهم محدش فهمنى حاجة»، صدمة «أحمد» الذى يعمل «كوافير رجالى»، لم تكن فى ضياع فرصة السفر عليه فحسب، وإنما كانت فى اعتقاده أنه مصاب بهذا المرض، ما جعله يتوه فى جولة بين الأطباء ومعامل التحاليل انتهت بتأكده من أنه غير مصاب بـ«فيروس سى»، ليذهب مرة أخرى إلى المعامل المركزية ليجرى «تحاليل اطمئنان» فكانت النتيجة هذه المرة سلبية، ولكنهم أخبروه أيضاً بأنه لن يتمكن من السفر: «قالوا لى الاطمئنان حاجة والتحليل المطلوب للسفر حاجة تانية، ومبقتش عارف أعمل إيه، وكل اللى أنا عايزه إنى أعرف المشكلة فين؟ لأن أنا ماكانش عندى فيروس ولا حتى عندى دلوقتى».

على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تجمع الآلاف من متعافى «فيروس سى»، ممن لديهم فرص عمل بدول الخليج، حاولوا من خلال هذه المجموعة الافتراضية، التى أطلقوا عليها اسم «حلم اعتماد بى سى آر»، متابعة ما يدور حولهم فى الواقع ويمس أزمتهم، من قرارات ومناقشات واجتماعات، لم تأت أى منها بنتيجة حاسمة حتى الآن، على قول الأربعينى أحمد المصرى، مدير هذه المجموعة، الذى لم ينكر ما قامت به الدولة من مجهودات فى هذا الشأن، ليضيف قائلاً: «الدولة عملت مجهود كبير وواقفة على التكة الأخيرة اللى تساعد الناس للسفر».

رفض معظم دول الخليج تحليل الـ«بى سى آر»، الذى يؤكد خلو الشخص من المرض أو حمله له، واشتراطها تحليل «الأجسام المضادة»، التى تكون موجودة بطبيعة الحال عند أى متعاف من المرض، ولا تعنى أنه يحمل الفيروس، كل هذا يثير العديد من التساؤلات لدى «المصرى» ومن معه فى مجموعتهم على «الفيس بوك»، منادياً بضرورة سرعة إنهاء ما أشارت إليه الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، فى اجتماع مجلس وزراء العرب الأخير: «إحنا بقالنا سنين كتير على الحال ده، كل واحد من الناس ديه بيته مخروب وحاله واقف وفيه ناس حاولت تنتحر، وصوتنا اتنبح معاهم ومفيش فايدة».

خطابات رسمية من مجلس الشعب لوزارة الصحة، وتوصيات صادرة من جامعة الدول العربية بتغيير طبيعة هذه التحاليل المطلوبة، ووعود كثيرة، كلها أمور قال «المصرى» إنهم قد حصلوا عليها خلال الأعوام الماضية، ولكن يكون الأمر «حماسى» فى البداية ثم ينتهى إلى لا شىء، على حد قوله: «بعد كده مفيش حاجة بتحصل، وحتى المرة دى مفيش ميعاد محدد صدر بالتنفيذ، ولحد إمتى هنفضل نكتب الجهات تتواصل، محتاجين ميعاد التنفيذ الفعلى وإلا ما كنتوش قلتوا القرار».


مواضيع متعلقة