من دفتر «الوفد».. مصطفى النحاس يرثي سعد زغلول في برلمان 1927

كتب: محمد حامد

من دفتر «الوفد».. مصطفى النحاس يرثي سعد زغلول في برلمان 1927

من دفتر «الوفد».. مصطفى النحاس يرثي سعد زغلول في برلمان 1927

في 17 نوفمبر 1927، انعقد مجلس النواب برئاسة محمد سعيد باشا أكبر الأعضاء سنا، لأول مرة في غياب الزعيم سعد زغلول الذي لعب أخطر الأدوار فيه منذ إنشائه عام 1924.

وبعد تلاوة الرسائل، بدأ انتخاب رئيس المجلس بطريقة الاقتراع السري، فأسفرت النتيجة عن انتخاب مصطفى النحاس باشا بـ169 صوتاً، وقابل الأعضاء فوزه بالتصفيق الحاد.

وتنحى محمد سعيد باشا عن رئاسة الجلسة، وتولاها مصطفى النحاس، بوصفه خليفة سعد زغلول في زعامة حزب الوفد، ويكون عليه عبء أن يخلف زعيماً تاريخياً.

يصعد «النحاس» على المنصة الرئيسة، ويجلس على أعلى مقعد فى المجلس تحت شعار التاج الملكي، ويشكر زملائه على ثقتهم في انتخابه رئيسا للمجلس، ثم يرثي سعد زغلول.

تنبض كل كلمة في رثاء «النحاس» لزعيم الأمة، بشعوره بعبء المسؤولية غير المحدودة، يقول: «نعم دهت البلاد ساعة وفاته قارعة ذاهلة، ورأت الأمة عندها الفزع الأكبر، فاجتمعت كلها في صعيد واحد تستبعد أن يمتد سلطان الموت على سعد، وهو الذي أعجز بشجاعته وإقدامه كل سلطان، وتكذب أن يقف قلب مصر النابض وتنطوي حياة تهتف لها في غدوها ورواحها وتدعو لها بطول البقاء في صباحها ومسائها، ولكنها رأت حقيقة الموت لا ريب فيها فخضعت أمامها وطفقت تندب في سعد الرجاء المعقود، والأمل المرزوء، والزعيم المرجي».

«تندب فيه الحكمة الجامعة والشرف الصميم والبطولة الفذة التي لازمته في جميع أدواره ومكنت له في القلوب الإجلال والمحبة والإكبار، فأكبرته الإنسانية وهو يمثلها في أكمل مظاهرها، يمثلها في تحرقه على الإصلاح الاجتماعي، وفي غيرته على الأخلاق القومية وعطفه على المستضعفين، ثم قيامه بالدعوة إلى بذل الإحسان تارة باشتراكه في الجمعيات الخيرية وطورا في رعايته للجامعة المصرية يوم كانت البلاد محرومة من موارد العلم الحر والتثقيف الصحيح».

وأضاف: «أكبرته العدالة يوم انتدب نفسه للدفاع عنها وهي مهيضة الجناح قليلة النصير يسهر الليل ويدأب النهار حتى سن لها مباديء وأحكاماً وجعلها مرجعا لكل من انبهم عليه الأمر أو أعيته شاكلة الصواب، وأكبرته الوزارة أولا وثانيا يوم عرف قدر نفسه فلم يسهل عليه الهوان ولا غرته زينة المنصب، ومثل المصري لا يخضع لغير ضميره ولا يعرف غير سلطان الحق وقوة القانون».

«أكبرته الحياة النيابية في الجمعية التشريعية يوم قام ينميها ويستزيدها والقوة تنتقصها من أطرافها وتتجاهل إرادة الأمة التي كان سعد لسانها الناطق وترجمانها الصادق حتى لقد استطاعت الجمعية في حدود اختصاصها أن تكون مهيبة الإرادة بفضل ما أظهره سعد وإخوانه من قوة العارضة وسعة الحليلة وشدة المراس والاحتفاظ بشرف النيابة عن الأمة».

وتابع: «أكبرته الأمة ممثلاً لها، رئيساً لوفدها، ناشراً علم جهادها، مدافعاً عن قضية استقلالها، مستعذبا الآلام في سبيل عزتها، ومازالت تكبره ويبذل من ذات نفسه لها حتى اتخذت من اسمه رمزاً لكرامتها وعنواناً على نهضتها، وأصبح سعد صورة التاريخ السامي لمصر الظافرة، فمصر تجاهد لتتبوأ مكانها وتسترد حقوقها وتعاني من الأهوال أصنافا وألوانا، وسعد يصابر الأحداث ويدافع الصعاب لا يثنيه وعد، ولا يرهبه إيعاد، حتى خرجت مصر ظافرة بدستورها ماضية في جهادها نحو استقلالها وخرج سعد قبلة الأنظار ومفخرة الأجيال وشغلت شخصيته الشرق والغرب وتطلعوا إلى حكمته من دار النيابة».

«نعم لقد كانت تلك الدار وعهدها بسعد أن يستبقنا إليها ثم يطوف بقاعاتها ولجانها ويترأس جلساتنا فيقودنا إلى العمل بطبيعة حارة ونشاط باهر وصبر طويل وجلد عجيب باعثا فينا روح الشباب وحكمة الشيوخ»، هكذا وصف «النحاس»، سعد نائباً ورئيساً للمجلس.

ويقول: «نعم هنا وعلى يد سعد بدأت الحياة النيابية تؤسس تقاليدها، وتدعم مبادئها وتطبق أوضاعها، حتى بلغت أشدها واستوت، وقاومت الزعازع والأعاصير ودفعت عنها أيدي العدوان، وأصبحت في قوام الأمة عنصرا ضروريا لا غنى عنه ولا حياة لها دونه، لقد انبعثت في البلاد من هذه الدار ومن فوق تلك المنصة روح دستورية سامية لابست النفوس، واتخذت مكانها في القلوب، وطالما تجاوبت في أفق هذه القاعة أصداء صوت سعد، وهو مخلص للواجب، يصدع بالحق ويجاهد بالصدق ولا تأخذه فيهما لومة لائم ولا تجني عائب».

«كان يتسع صدره لأنواع المناقشات وألوان الحجج، يتفهم مراميها البعيدة ثم ينظم لها خططها ويوجهها إلى ناضج الآراء وناصع الأفكار بحكمة بارعة وأسلوب جميل، كل هذا ليظهر الحق جلياً ويتقبله الكب راضين مقتنعين، نعم نتقبله جميعا وزراء ونواباً، فلقد عني سعد لأول عهد البلاد بحياتها الدستورية أن يوثق الرابطة بين النائب وبين الوزير وأعلن أن الوزير واحد من نواب الأمة منحه المجلس ثقته لتصريف شؤون الدولة في دائرته، فليس خصما لنا ولا مسلطا علينا، ومن ذلك الوقت انعقدت بين المجلس والوزارة أطيب الصلات وسادت الحكمة والتفاهم وانتشرت بين الجميع روح التعاون على مصلحة البلاد».

وأكمل: «ما كنا نحسب يوم وقف سعد آخر الدورة الماضية أننا كنا نودع روعة العظمة في جلال السن ترنو إليها العيون وتصغى لها القلوب وتتطامن عندها الأرواح، واليوم وقد خلت منصة الرياسة من سعد فهي تذكر له بالحكمة الوطنية الصافية تتراءى في جوانبها نفسه الكبيرة فياضة بالبلاغة والصواب، نفس أدقت الحس، وأحسنت الفهم، فلم يضل لها حكم ولا طاش لها سهم، فرحمة الله وبركاته على علم غاض وهمة سكنت ورحمة الله على الفضل الذاهب والإباء المفقود».

«لقد عرف البرلمان في حياة سعد كيف يخلد أثره واتخذ في ذلك قرارات قيمة، لا أخالني إلا معبراً عن شعوركم حين أقول اننا بعد قرار سعد في جوار ربه، سنجد في إكمالها إبقاء على كل مظاهر التبجيل والإكبار اللائقين به، وإنا لنتوجه إليه تعالى بلسان ضارع، وصوت خاشع، أن يجزى سعدا عن جهاده لأمته وعن آثاره في دار النيابة أفضل الجزاء وأن يبلغ روحه عنا في تلك الساعة أطيب السلام».

وتقدم «النحاس» إلى أم المصريين صفية زغلول شريكة سعد في حياته وجهاده وإلى أسرته الكريمة بأجمل العزاء وأبرك الدعوات.

«إن خير ما نمجد به آثار سعد أن نعمل مترسمين خطاه، حتى نوطد دعائم الدستور، ونزيد الحياة النيابية نماء وكمالا، ونبلغ بالبلاد غايتها من الاستقلال التام»، بهذه الكلمات تبوأ مصطفى النحاس منصبه خليفة لسعد زغلول في رئاسة المجلس، يؤكد من خلالها صلابته في مواصلة العمل من أجل ذات الأهداف، ويبدأ مسيرة طويلة لم تنتهِ إلا بحل حزب الوفد عام 1953.

وتحتفل مصر بمرور 100 عام على ثورة 1919 التي قادها سعد زغلول ورفاقه، طلباً للاستقلال عن الحماية البريطانية، والحدث السياسي الذي أحدث تغييرات جذرية فى بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

سعد زغلول رفقة مصطفى النحاس في برلمان 1924

سعد زغلول ومصطفى النحاس في برلمان 1925

سعد زغلول وأعضاء حكومة الوفد 1924

سعد زغلول ومصطفى النحاس في بيت الأمة

الملك فؤاد يستمع إلى خطبة مصطفى النحاس بالبرلمان

مصطفى النحاس في أحد محطات القطارات إعتراضاً على دستور 1930

معاهدة 26 أغسطس 1936

مصطفى النحاس يوقع معاهدة 1936 في لندن

تذكار معاهدة معاهدة 1936

مصطفى النحاس يلغي معاهدة 1936 من البرلمان عام 1950

التحول من مرحلة الثورة إلى مرحلة الكفاح المسلح بقيادة مصطفى النحاس

مصطفى النحاس رفقة محمد نجيب 1952 قبل اعتقاله في 1953

 

 


مواضيع متعلقة