مصطفى الطويل: «النحاس» جاء رئيساً للوزراء فى 1942 لإنقاذ عرش الملك.. ودعم الإنجليز له «أكذوبة»
الرئيس الشرفى لـ«الوفد» يتحدث لـ«الوطن»
ينتمى لأصول وفدية عريقة، حيث تربى منذ الصغر فى منزل والده عبدالفتاح باشا الطويل الذى ترأس عدة حقائب وزارية فى حكومة النحاس باشا الوفدية، وكان آخر منصب تقلده هو وزارة المواصلات بعد أن كان يشغل منصب وزير العدل، وكان شاهداً منذ طفولته على أحداث حكومة الوفد عام 1950 وما تعرض له الحزب من مواجهات فى العهد الناصرى. كما شغل منصب رئيس حزب الوفد الجديد بشكل مؤقت لمدة 6 أشهر اعتذر على أثرها عن منصبه القضائى ثم عاد للعمل بعد إجازة بدون مرتب فى ديوان عام وزارة العدل، وأصبح الرئيس الشرفى لحزب الوفد، «الوطن» حاورته ليفتح خزائن ذكرياته فى حديث من القلب، احتفالاً بمرور مائة عام على ثورة 1919، وتحدث مصطفى الطويل، الرئيس الشرفى لحزب الوفد، عن ثورة 1919، وأبرز محطات حزب الوفد القديم والجديد خلال 100 عام.. فإلى نص الحوار:
أغلب الوفديين يرون أن ثورة 1919 هى الثورة الحقيقية فى تاريخ مصر الحديث، ما تعليقك بعد مرور 100 عام على هذا الحدث؟
- للحقيقة ثورة 1919 تتشابه مع ثورة 30 يونيو وهما الثورتان الوحيدتان اللتان ينطبق عليهما لفظ الثورة، لأن الشعب خرج فيهما وساهم ذلك فى تحقيق أهداف الثورتين، فمثلاً فى ثورة 30 يونيو خرج الشعب وطالب بإسقاط سلطة جماعة الإخوان فسقطت ومعها محمد مرسى وتم تعديل الدستور وتشكل برلمان جديد وانتخب بعد ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسى، وثورة 1919 كانت شعبية وقام الشعب بنفسه بفرض دستور على البلاد وهو دستور 1923 وكانت الوحدة الوطنية عنواناً لهذه الثورة، ومصر لم يكن فيها فرق بين مسلم ومسيحى ويهودى، وخرج الشعب المصرى كله ضد المستعمر للمطالبة بالاستقلال واضطر الحاكم البريطانى أن يعيد سعد زغلول من المنفى وتأسس حزب الوفد ليصبح قوة وسنداً للطبقات الشعبية والعمال والفلاحين وكافة جموع الشعب المصرى. وتاريخياً، فى 8 مارس 1919 عندما توجه سعد زغلول للحاكم الإنجليزى رفض مقابلته لأنه بلا صفة، والشعب عندما عرف ذلك سارع بجمع التوكيلات لسعد زغلول، وفوضوا «زغلول» لكى يتولى المفاوضات مع المعتمد البريطانى فى ذلك الوقت، وقبض بعد ذلك المعتمد البريطانى على سعد زغلول ونفاه لمالطة، والشعب عرف وقامت ثورة 1919، وهنا أرى أن ثورة 19 مختلفة عن ثورة 23 يوليو حيث إن الأخيرة بمثابة انقلاب عسكرى تحول لثورة بعد أن أيد هذا الانقلاب الشعب.
ما أبرز إنجازات الوفد عندما وصل كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس إلى قمة الحكومة؟
- تم إعداد دستور 1923 والأهم من هذا الدستور، معاهدة الاستقلال عام 1936 وبمقتضاها الإنجليز انحصر وجودهم فى منطقة قناة السويس وحزب الوفد بدأ فى تنظيم الفدائيين الذين وجهوا للمستعمر ضربات قاسية فى منطقة قناة السويس وانضم إليهم الإخوان والشيوعيون، كما أن فؤاد باشا سراج الدين عندما كان وزيراً للداخلية فى حكومة الوفد أمر جنوده بعدم تسليم مديرية أمن الإسماعيلية للإنجليز ومات منهم العشرات وأطلق على هذه المقاومة الباسلة «عيد الشرطة» وهو صورة من صور الفداء لقوات الشرطة فى سبيل الوطن، وكان فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية والقوات الإنجليزية ومن المعروف أن فؤاد باشا سراج الدين قال للضباط والجنود «موتوا ولا تستسلموا ودافعوا لآخر طلقة عن مديرية الأمن»، كما أن هناك إنجازات عديدة على مستوى قضايا التعليم والعمال والفلاحين والثقافة وكل ذلك رغم صعوبة الوضع فى مصر تحت عباءة الاستعمار فيحسب للوفد وقوفه للرمق الأخير فى مواجهة المستعمر الإنجليزى وبالمناسبة كان الوفد يحصل على تأييد شعبى غير مسبوق وكان يمثل ذلك فزعاً وخوفاً شديداً للإنجليز، واستطاع الوفد أن يقلل من سطوة ونفوذ الإنجليز على كل المستويات بعد معاهدة 1936.
هناك اتهام تاريخى لمصطفى النحاس بعودته على رأس الحكومة من خلال الإنجليز وكان ذلك ضد إرادة الملك فاروق، ما ردك؟
- هذا كلام لا أساس له من الصحة و«النحاس» كان يعلم أن هناك تهديداً بإزاحة الملك فاروق عن الحكم، ولهذا قبل «النحاس» تشكيل الحكومة لإنقاذ النظام السياسى فى مصر، ولبقاء الملك فاروق فى الحكم، والإنجليز هددوا الملك فاروق فى ذلك الوقت والملك فاروق استنجد بالنحاس باشا والأخير قبل ليفتدى الحاكم المصرى، وتكرر هذا الكلام على مر التاريخ وفى كل مرة نرد عليهم.
ولكن خالد محيى الدين عضو مجلس قيادة الثورة فى كتابه «الآن أتكلم» أكد أن أحد أسباب ثورة يوليو شعور الضباط بالإهانة لفرض «النحاس» على الملك؟
الحقيقة أن النحاس باشا قبل أن يرأس الحكومة لينقذ الملك فاروق وعندما جاء استطاع أن يأخذ إجراءات حقيقية لتخليص مصر من الاستعمار و«النحاس» أيضاً هو من ألغى فيما بعد معاهدة 1936 وطالب المستعمر بالخروج من مصر فى كل المحافل الدولية
والدى سمح للنائب العام بتفتيش خزانة «فاروق» لمعرفة حقيقة الأسلحة الفاسدة فلم يجد دليل إدانة.. والملك طلب من «النحاس» إقالته
ما أبرز محطات والدك عبدالفتاح باشا الطويل فى حكومة مصطفى النحاس وما لا يعرفه المصريون عنه؟
- آخر وزارة تولاها هى وزارة العدل، ووقتها أثار الروائى إحسان عبدالقدوس قضية الأسلحة الفاسدة وأشار إلى أن هذه الأسلحة السبب وراء هزيمة 1948 واتهم الملك فاروق وحوارييه باستيراد هذه الأسلحة الفاسدة للجيش والأخير انهزم أمام الإسرائيليين، وعندما أثير هذا الموضوع بقوة فى الإعلام كلف الوالد عبدالفتاح باشا الطويل النائب العام لكى يحقق فى هذا الموضوع ووصل إلى درجة أن النائب العام طلب من الوالد أن يفتش خزانة الملك فاروق حتى يتأكد من هذه الاتهامات أو يجد أى مستند يشير لذلك فذهب للوالد وقال له يا باشا حتى أتأكد من هذه الاتهامات لا بد أن أفحص خزانة الملك، فلو وافقت فسوف أذهب لفعل ذلك، فوافق الوالد وكان الملك خارج مصر وذهب بالفعل النائب العام ولم يجد أى دليل ضد الملك، وأتذكر جيداً وأنا صغير أن الملك عندما عاد من الخارج سأل من الذى أعطى الأمر للنائب العام بتفتيش خزانته الخاصة وعرف من حوارييه أن والدى وزير العدل آنذاك هو من وافق على أمر التفتيش فطلب الملك فاروق من النحاس باشا إقالة والدى ولكن «النحاس» رد على الملك فاروق قائلاً: «يا جلالة الملك طبقاً للدستور لكم أن تكلفونى بالوزارة أو تقيلوها لكن ليس من حقكم أن تطلبوا منى تعيين وزير بعينه أو عزل وزير بعينه»، وكانت حكومة الوفد عام 1950 جاءت باكتساح شعبى، وكان الملك غاضباً جداً من «النحاس» ووالدى، وعندما عرف والدى هذا الأمر وأنه سبب فى حدوث نفور بين السراى والحكومة تقدم باستقالته للنحاس ولكن الأخير رفضها وأرسل طه حسين ونجيب باشا الهلالى وهما الأقرب للنحاس فى ذلك الوقت لوالدى وطلبا منه أن يتراجع عن الاستقالة وكان والدى اختفى جداً عن الأنظار حتى لا يتسبب فى أى حرج ولكن استطاع كل منهما الوصول له، وقال طه حسين لوالدى: «يا باشا رغبتك فى الاستقالة مخالفة للدستور والنحاس باشا لا يقبل أن يُخالف الدستور فى عهده ولو أصررت على الاستقالة الحكومة كلها ستستقيل»، ورغم ذلك أصر والدى على الاستقالة، ولم ييأس النحاس وأرسل له مرة أخرى طه حسين ونجيب باشا وقالا له: «النحاس باشا يطلب منك التراجع عن الاستقالة لأنك لو استقلت ستستقيل الحكومة ولن يتمكن النحاس باشا من إلغاء معاهدة 1936»، وبعد مشاورات عديدة اتفق والدى مع النحاس باشا على أن يتولى وزارة المواصلات ويتم تعيين وزير المواصلات محمد الوكيل وزيراً للعدل بدلاً منه وذلك إنقاذاً لحكومة النحاس وتنفيذاً لرغبة رئيس الوزراء واستطاع الوفد إلغاء معاهدة 1936.
الرئيس الشرفى لـ«الوفد»: «1919 و30 يونيو» ثورتان قادهما الشعب
وهل صحيح أن والدك السبب الحقيقى فى إعلان جمال عبدالناصر إلغاء الأحزاب السياسية؟
- هذا صحيح، فـ«عبدالناصر» طلب من كل حزب بعد يوليو أن يطهر نفسه ورفض أن يتدخل فى هذه العملية وقام الوفد بفصل أعضائه الذين تدور حولهم بعض الشبهات، ولكن إسماعيل حافظ وشى لـ«عبدالناصر» بضرورة فصل والدى من حزب الوفد لأنه عين أخاه زكى الطويل وكيلاً لوزارة البلدية، والحقيقة أن عمى كان حاصلاً على شهادات تؤهله لشغل هذا المنصب ولم يكن لوالدى أى دخل، بينما كان «حافظ» على خلاف مع والدى، وهذا السبب الحقيقى فى أنه طلب من «عبدالناصر» ذلك، ولكن الوفديين رفضوا فصله فأمر «عبدالناصر» بفصله من الوفد فقام والدى برفع قضية أمام مجلس الدولة يتظلم من هذا القرار وكان المقربون لـ«عبدالناصر» يعلمون أن المحكمة ستحكم لوالدى لأنه يمتلك أدلة قوية على أحقيته فى العودة لحزب الوفد، وعندما عرف جمال عبدالناصر ذلك أصدر قراراً بحل كافة الأحزاب قبل صدور الحكم من المحكمة، وللتاريخ «عبدالناصر» كان يحب والدى لأنه السبب فى التحاقه بالكلية الحربية وهو من توسط له، و«عبدالناصر» حكى عن هذا الموضوع فى إحدى خطبه عندما قال نصاً: «زمان ركبت فى السيارة مع الباشا حتى يتوسط لى لدخول الكلية الحربية ورفض أركب بجواره فى الخلف وجلست بجوار السائق»، وكان يحكى هذه الواقعة لكى يدلل على أن المصريين يستطيعون أن يلتحقوا فى عهده بالكليات العسكرية دون واسطة الباشاوات، وأنا بالمناسبة حضرت الجلسة الخاصة بتظلم والدى من فصله من حزب الوفد وكنت شاهداً على أن المحكمة كانت أكثر اقتناعاً بدفوع والدى، وهذه الجلسة كانت عبارة عن ملحمة وطنية جميلة جداً وحضر كبار المحامين فى مصر فى ذلك الوقت دفاعاً عن الديمقراطية والأحزاب وكان هناك اتهام لوالدى بأنه عين أخاه زكى الطويل وكيل وزارة البلدية رغم أن عمى كان يتمتع بالكفاءة وكان الأول على كلية الهندسة وكانت له سمعة طيبة واسم طيب وأفضل من تولى هذا المنصب.
«محمد على والسيسى والسادات» أكبر الحكام الوطنيين فى تاريخ مصر الحديث
كيف تقيّم فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى؟ وهل هناك تشابه بين عهده وعهود سابقة فى تاريخ مصر الحديث؟
- أنا من مؤيدى الرئيس عبدالفتاح السيسى قلباً وقالباً، والحكام الوطنيون الحقيقيون فى تاريخنا الحديث ثلاثة وهم: محمد على باشا الكبير، صاحب نهضة مصر الذى أنشأ الجيش الحديث والقناطر ومشاريع زراعية وصناعية كبرى، وجاء من بعده أنور السادات باعتباره الوحيد الذى استطاع إعادة سيناء كاملة لأرض مصر وأنا بحب بلدى أوى وحكاية إن سيناء تروح مننا تعنى بالنسبة لى أننى فقدت ابناً من أبنائى، وصحيح أسفر عن هذا السلام تطبيع وعودة للعلاقات مع المحتل الإسرائيلى لكن لم يكن أمام السادات أى خيار آخر، والحاكم الوطنى الحقيقى من بناة مصر الثالث، هو الرئيس عبدالفتاح السيسى، لأنه يبحث عن مصلحة البلد والشعب من «قلبه» ويكفى أنه أعاد لعلم مصر قيمته وكيانه، لأن العلم رمز مصر، وكنا فى الماضى نرى تمجيداً لشخص الرؤساء و«بالروح والدم نفديك يا فلان»، ولكن فى عهد «السيسى» نشهد «تحيا مصر» فقط ويرددها «السيسى» على لسانه فى أى مناسبة، والرئيس السيسى رجل وطنى وعملى ويريد إصلاح مصر، لأنها تعرضت للتخريب على مدار ستين عاماً، و«مبارك» كان هادى وطيب وابن حلال لكنه لا «بيهش ولا بينش» وكان كل غرضه البقاء فى الحكم لأطول مدة ويورثها لأبنائه، بينما الرئيس السيسى يقود عملية تنمية وإنتاج حقيقية وبنى طرقاً حديثة تربط بين محافظات مصر، و«السيسى» صاحب مشروع ولا بد أن يكمله.
«الوفد» حالياً
للأسف عندما ألغيت الأحزاب فى العهد الناصرى ساد حكم فردى شبه ديكتاتورى وطبعاً هناك مراحل كثيرة وكبيرة كانت سبباً فى تراجع الأحزاب بعد ثورة يوليو إلى جانب الاعتقالات السياسية فى عهد صلاح نصر، ويجب أن نؤكد أن الحسنة الحقيقية للرئيس جمال عبدالناصر وقوفه فى مواجهة الإخوان المسلمين والقضاء عليهم ولكن للأسف أعادهم الرئيس السادات مرة أخرى لمواجهة الشيوعيين، وبسبب شبه الاحتلال الروسى لمصر واستعانة جمال عبدالناصر بمفكرى اليسار أمثال إسماعيل صبرى عبدالله وفؤاد مرسى، وكانت رموز وقمم شيوعية كبيرة ومعروفة، ثم بعد ذلك أسس الرئيس السادات المنابر الثلاثة وهى «الوسط واليسار واليمين»، ولكنه أسهم بمعرفة السلطة ولم تكن تشكيلات شعبية حقيقية تؤسس لحياة حزبية قوية.