«160 مليون نسمة فى 2050».. هل ستصمد مصر فى مؤشرات الأمن الغذائى؟

كتب: رباب إمام وإسراء مجدى

«160 مليون نسمة فى 2050».. هل ستصمد مصر فى مؤشرات الأمن الغذائى؟

«160 مليون نسمة فى 2050».. هل ستصمد مصر فى مؤشرات الأمن الغذائى؟

تتمثل مقاصد الأمن الغذائى عالمياً فى القضاء على كل من الجوع وأشكال سوء التغذية حول العالم، لذلك يتوقف الأمن الغذائى لكل دولة على مواردها الزراعية المتاحة من مياه وأراض قابلة للزراعة، ومحدودية الموارد المائية تعنى محدودية الأمن الغذائى، واليوم قارب العالم على استنفاد المياه المتاحة، حيث يتم استهلاك نحو 3600 مليار م3 سنوياً من إجمالى موارد العالم المائية التى تقل عن 4500 مليار م3، وبحسب تقرير «حالة الأمن الغذائى والتغذية فى العالم فى عام 2018» الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، يوجد نحو 820.8 مليون شخص حول العالم يعانون من نقص الأمن الغذائى بنسبة 10.9%، ولذلك ومع الزيادة السكانية المتوقعة حتى عام 2050، سيتجاوز عدد سكان العالم 9.5 مليار نسمة، ما يعنى حتمية زيادة إنتاج الغذاء عالمياً بنسبة 60%، وفى الوقت نفسه لن تزيد الموارد المائية بأكثر من 30%، لذا أصبح هناك حاجة إلى سياسات زراعية قائمة على إنتاج غذاء أكثر مع مياه أقل.

وبالنسبة لمصر التى يعيش بها 104 ملايين نسمة على مليون كيلومتر مربع، وبلغت فاتورة غذائهم 250 مليار جنيه سنوياً، فأصبحت تعانى من فجوة غذائية تقدر بنحو 60% من الإنتاج، نتيجة عدم كفاية الإنتاج من الموارد الغذائية فى سد الطلب الاستهلاكى بالكامل، وتسعى مصر لسد هذه الفجوة من خلال الاستيراد، حيث أصبحت واحدة من أكبر المستوردين للغذاء فى العالم، وتوقع تقرير لوزارة الزراعة الأمريكية أن يرتفع حجم واردات مصر من القمح فقط، خلال الموسم 2018-2019، إلى 12.5 مليون طن مترى مقابل 12.3 مليون طن مترى الموسم الماضى، بزيادة تقدر بـ 1.62%.

{long_qoute_1}

وفى هذا السياق قال الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى، إن الحكومة المصرية تتوسع فى تنفيذ مشروعات الاستصلاح وذلك لسد الفجوة الغذائية، ومن أبرزها مشروع الـ1.5 مليون فدان، الذى أُطلق فى ديسمبر 2015، ويعتمد المشروع بشكل أساسى على إنتاج المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والذرة وذلك لتقليل الاستيراد، حيث إن الدولة تستورد ذرة فقط بنحو 600 مليون دولار سنوياً، وأضاف أن هذا المشروع تم تنفيذ جزء كبير منه تجاوز النصف مليون فدان، التى تم طرحها فى مساحات واسعة من الجمهورية خاصة الصعيد وجنوب الوادى وسيناء والدلتا، وفى منطقة المُغرة فى محافظة مطروح، متابعاً أن هذه المناطق تحديداً تقوم الزراعة فيها على طرق الرى الحديثة وباستخدام الطاقة الشمسية، وأوضح أن الدولة ممثلة فى وزارة الزراعة تعمل على تبنى نهج قائم على تقليل الهدر فى الموارد المائية، من خلال استنباط أنواع جديدة من البذور تستهلك كمية مياه أقل عن مثيلتها، وأيضاً تقليص المساحات المزروعة أرزاً وملاحقة المخالفين، وأشاد عبدالعاطى بجهود الدولة فى سد الفجوة الغذائية من خلال الاهتمام بتطوير البحيرات المصرية لدعم الثروة السمكية مثل بحيرة المنزلة، كما تحدث الرئيس عن تطوير بحيرة مريوط، وذلك للاستفادة الكاملة منها، وأيضاً الإجراءات التى تتم لنشر الوعى بمشكلة محدودية الموارد المائية وترشيدها، مثل استبدال أنظمة المياه القديمة فى الأماكن العامة والمتاجر الكبيرة بأخرى تعمل باللمس، ولكن هناك العديد من التحديات التى تواجه مستقبل الأمن الغذائى فى مصر، أهمها عدم كفاية الموارد المائية لتوسيع الرقعة الزراعية بما يتناسب مع تطور الاحتياجات الاستهلاكية من الغذاء، حيث تشير الإحصاءات إلى بلوغ حصة مصر السنوية من نهر النيل 55.5 مليار متر مكعب، فى الوقت نفسه الذى بلغ إجمالى المستهلك من الموارد المائية بالفعل 76٫3 مليار متر مكعب (م3)، واستحوذ القطاع الزراعى على نسبة 85% من الموارد المائية، وبالنظر إلى النمو السكانى نجد أن توقعات وصول عدد سكان مصر إلى 160 مليوناً فى 2050، مما يفرض على الدولة ضرورة زيادة الإنتاج الغذائى بما لا يقل عن نفس نسبة زيادة السكان، ولتحقيق هذه الزيادة علينا إضافة نحو 10 ملايين فدان للرقعة المنزرعة حالياً، والوقوف أمام موجة التبوير التى تشهدها مختلف الأقاليم لإقامة المبانى السكنية عليها، وهذه الزيادة فى المساحة تحتاج لـ60 مليار متر مكعب مياهاً، وهذا الحجم لن يتم توفيره من نهر النيل نتيجة ثبات أو تناقص الحصة الحالية لمصر من المياه، ويفرض هذا الوضع ضرورة اتباع الحكومة لأحد بديلين، الأول اتباع موارد بديلة للمياه فى الزراعة، والثانى تقليل نسبة الفاقد أو المهدر من المياه، التى وصلت إلى 29.7% على مستوى محافظات مصر. {left_qoute_1}

ومن جانبه حذر مصطفى السعدنى، أستاذ الاقتصاد الزراعى ووكيل كلية الزراعة جامعة دمنهور، من تفاقم الفجوة الغذائية على المدى الطويل، بسبب أن معدل النمو السكانى فى مصر لا يتناسب مع معدل الإنتاج الزراعى، وقال السعدنى «نعوض محدودية الموارد عن طريق التوسع الرأسى، ولكن على الرغم من ذلك تمثل الزيادة السكانية أزمة لا يمكن إنكارها تعوق بيننا وبين تحقيق الاكتفاء ومعدلات عادلة من الأمن الغذائى»، وأضاف أن الأراضى الزراعية الجديدة تستخدم نظام الرى بالتنقيط، الأمر الذى يساهم بشكل كبير فى ترشيد استهلاك المياه نظراً لمحدودية مواردنا المتاحة منها، وذلك على عكس الأراضى الزراعية القديمة التى لا بديل عن استخدام نظام الغمر لزراعتها، وقال السعدنى إن مشروع 1.5 مليون فدان يعتمد فى نسبته الأكبر على الرى بالمياه الجوفية، الأمر الذى يساهم فى حل مشكلة ندرة الموارد وكذلك رفع الإنتاجية من الحاصلات الزراعية.

أما فيما يخص المصادر غير التقليدية للمياه واستخدامها فى الزراعة المصرية، فتتمثل فى عدة بدائل، منها الاعتماد على خزانات المياه الجوفية، التى تكشف المؤشرات عن وجودها على امتداد دلتا ووادى النيل والصحارى والسواحل المصرية، ومنها المستغل وغير المستغل حالياً، ويرى الخبراء أن مصر تتربع فوق 5 أحواض مائية جوفية رئيسية، أهمها الحجر الرملى النوبى، الذى يمتد تحت 4 دول، ويعد الأكبر على مستوى العالم، وتقدر مخزوناته بما يتراوح بين 20 و70 ألف مليار متر مكعب، نصيب مصر منها 500 مليار متر منها يمتد تحت الصحراء الغربية، لكنها غير متجددة وتتطلب ترشيد استهلاكها، والتحدى هنا فى إمكانية توسيع مساحة الاستفادة من هذه المياه، بزراعة المحاصيل الملائمة على المياه متوسطة الملوحة، مع الالتزام بعدم زراعة المحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز، أما البديل الآخر فيتمثل فى تحلية المياه، وبحسب «الجمعية الدولية لتحلية المياه»، تنتج محطات التحلية التى يبلغ عددها 13080 محطة أكثر من 12 مليار جالون من المياه يومياً حول العالم، وتمكن تلك المحطات فى ضوء المعالجة المناسبة إعادة استخدام مياه البحر والمياه المالحة لأغراض مفيدة مثل مياه الشرب، والرى الزراعى، والعمليات الصناعية، وبالتالى تمكين المجتمعات والدول من الحصول على كميات إضافية من المياه، إلى جانب مواردها المحدودة من المياه العذبة، ووصل عدد المحطات القائمة حالياً فى مصر إلى 47 محطة فى محافظات شمال سيناء وجنوب سيناء ومطروح والبحر الأحمر، ويصل إجمالى الطاقة الإنتاجية لهذه المحطات نحو 254.8 ألف متر مكعب يومياً.

وفى هذا الصدد، قال ضياء الدين القوصى، خبير الموارد المائية ومستشار وزير الرى الأسبق، إن تحلية المياه خطوة لا بديل عنها لتغطية احتياجات السكان المائية وكذلك الغذائية، وأضاف أنه على الرغم من امتلاك مصر للعديد من البحار إلا أن تحلية المياه الجوفية تعد وسيلة تتميز بميزة نسبية عن تحلية مياه البحار، نظراً لانخفاض نسبة الملوحة فى هذه المياه وسهولة وانخفاض عملية تحليتها، وطالب «القوصى» الدولة بسرعة اتخاذ الإجراءات المتعلقة بتدشين المزيد من محطات تحلية المياه والاستغلال الكفء للموارد المتجددة التى لا تقتصر فقط على الشمس والرياح.

وأكد الدكتور صابر محمود، وكيل معهد بحوث الأراضى للمياه والبيئة، أن هناك توسعاً فى تنفيذ مشاريع تطوير الرى الحقلى فى الأراضى القديمة وتغيير منظومة الرى بالغمر إلى الرى الحديث، منبهاً إلى أهمية استخدام الرى بالتنقيط الذى يقوم بترطيب جزء من التربة فقط، مما يقلل من مشكلات ملوحة التربة، وأيضاً فى توفير كميات المياه المستخدمة، وتابع أن كفاءة الرى بالتنقيط تتجاوز الـ80% مقارنة بالرى بالغمر، وأنه يعد ملائماً للأراضى الجديدة لأن معظمها أراض صحراوية لا يمكن ريها بالطرق التقليدية، مؤكداً أن الدولة لديها كافة الإمكانيات لتطبيق هذا النوع من الرى.


مواضيع متعلقة