«ورد مسموم».. لوحة فنية تجسد دراما المدابغ وثقافة «عبادة الرجل».. وطرحه تجارياً فى «زاوية»

كتب: نورهان نصرالله

«ورد مسموم».. لوحة فنية تجسد دراما المدابغ وثقافة «عبادة الرجل».. وطرحه تجارياً فى «زاوية»

«ورد مسموم».. لوحة فنية تجسد دراما المدابغ وثقافة «عبادة الرجل».. وطرحه تجارياً فى «زاوية»

تتبعها الكاميرا المهتزة فى محاولة لمواكبة خطواتها الميكانيكية التى تعرف طريقها جيداً بين تلك الأزقة التى تضيق بالمارة، تحكم قبضتها على العلبة المعدنية فى طريقها لأداء أحد طقوس وردها اليومى المقدس، بمجرد أن تقترب تنفذ روائح الكيماويات تزكم الحواس، وحرارة خانقة تلهب الجلود، بين ضفتى الرصيف تنساب المياه الجارية تقترب من الحافة ممزوجة ببقايا الألوان، صورة قدمها المخرج أحمد فوزى صالح فى تجربته الروائية الأولى فى فيلم «ورد مسموم»، حيث حول واقع الحياة القاسى فى منطقة «المدابغ» إلى لوحة فنية، استحق عنها 3 جوائز فى ختام الدورة الـ40 من مهرجان القاهرة السينمائى، جائزة صندوق الأمم المتحدة للشباب، أحسن فيلم عربى فى المهرجان، بقيمة 15 ألف دولار، بالإضافة إلى جائزة صلاح أبوسيف (جائزة لجنة التحكيم الخاصة)، فى مسابقة آفاق السينما العربية، كما يعرض الفيلم حالياً فى سينما «زاوية» بوسط البلد.

على مدار 70 دقيقة، اختار فيها المخرج أحمد صالح فوزى رواية «ورود سامة لصقر» للكاتب أحمد زغلول الشيطى أن تكون خلفية للأحداث، التى انطلق منها ليقدم نظرة بانورامية على عالم المدابغ والعاملين وسكان تلك المنطقة، والتطرق إلى الثقافة المجتمعية التى تشجع الهيمنة الذكورية، من خلال شخصية «تحية» التى تعمل على إعالة أسرتها بمساعدة شقيقها «صقر» العامل فى المدابغ، ولكن تنقلب حياتها رأساً على عقب عندما تعلم رغبته فى الهجرة، وتلجأ إلى كل الطرق الممكنة حتى تمنعه من تنفيذ قراره.

{long_qoute_1}

«ورد مسموم من أحلام المراهقة وقررت دخول معهد السينما حتى أخرجه»، أشار المخرج أحمد فوزى صالح إلى أن مشروع الفيلم يعود إلى فترة مراهقته، التى قدم منها معالجة مختلفة فى الفيلم، متابعاً: «الفيلم بالنسبة لى رحلة اكتشاف للنفس وللقدرات، والعالم الذى أنتمى إليه وما الذى أرغب فى التعبير عنه والقصص التى أريد حكايتها».

وعن تقديم الفيلم فى منطقة المدابغ بعد سنوات من فيلمه التسجيلى «جلد حى»، أوضح «صالح» لـ«الوطن»: «لا أجد مشكلة فى تقديم عملين تدور أحداثهما فى منطقة المدابغ، فكل منهما عمل مستقل ومختلف عن الآخر، على سبيل المثال الروائى البرازيلى جورجى أمادو تدور كل أحداث أعماله فى مدينة تدعى «باهيا»، ولم ينتقده أحد ما دام قادراً فى كل عمل على أن يدهش القارئ أو يلمس مشاعره، أو يطرح أسئلة تثير جدلاً ونقاشات، بالنسبة لى أنا لا أتعامل مع (ورد مسموم) باعتباره الفيلم الثانى فى المدابغ، (جلد حى) كان غرضه البحث من أجل صنع (ورد مسموم)، ولكن صادف الفيلم الأول نجاح كبير بالرغم أنه قارب مرور 10 سنوات على إخراجه، وهو أمر نادر بالنسبة للسينما التسجيلية أن يظل الجمهور متذكراً الفيلم لفترة طويلة، حيث إن نجاحه أدى إلى المقارنة بين العملين».

قرر مخرج «ورد مسموم» أن يسلط الضوء على الذكورية المهيمنة على المجتمع بالشكل الذى أدى إلى معاملة الرجال بطريقة أقرب إلى العبادة، ما أدى إلى الاصطدام بعض تابوهات المجتمع، ليرد: «مهمة الفن طرح الأسئلة وليس تقديم إجابات، وخلق علاقة جدلية مع المجتمع، ويمكن أن يكون الفيلم وثيقة لفهم المجتمع بعد 10 أو 20 عاماً، خاصة أن المكان نفسه لن يكون موجوداً خلال عام أو عامين على الأكثر، ووقتها نستطيع العودة إلى شكل الحياة والمجتمع، بالإضافة إلى شكل العادات والتقاليد المهيمنة فى ذلك الوقت، ومن دور الفن أيضاً تكسير الصور النمطية وتحقيق حالة من الجدل لتحريك الركود الفكرى»، وأضاف: «الحصول على الجوائز شىء كبير ومبهج بالنسبة لى، يدعم الفيلم أمام الآراء التى تتعامل معه بسطحية، فهو معقد ومزيج سينمائى بين الصوفية والفن التشكيلى والأدب، ويظهر ذلك من اللقطة الأولى فى الفيلم، فهو فيلم ليس عن البشر ولكن عن الحياة، من حق الجمهور قبول فيلمى أو رفضه، وأنا مدرك أننا نصنع فيلماً وسط سينما مهيمنة حتى على عقول النقاد وليس مجرد المتفرجين، وبالتالى تكون مهمتنا فى التحاور مع المجتمع ومع السينما، فالأمر ليس خطاباً اجتماعياً ولكن فيلم سينمائى فى المقام الأول، وهو لا يكشف عن نفسه لكل المتفرجين بنفس الدرجة، ويرجع ذلك إلى خلفية كل متلقٍ وطريقة تعاطيه للفن، أنا أكتب سيناريوهات مسلسلات درامية فى السوق المصرية، معنى ذلك أنى شخص متمكن من صنعة الدراما، لكنى أتخلى عن ذلك فى الفيلم طواعية وأرغب فى التجريب والخروج من الحكاية والدراما التقليدية».

{long_qoute_2}

وأشار مخرج «ورد مسموم» إلى أن الجوائز التى حصدها الفيلم لم تعزز من رؤيته لما يقدمه، موضحاً: «شارك الفيلم فى أكثر من أربعين مهرجاناً وحصل على جائزتين فى إسبانيا ونيجيريا، بخلاف جوائز القاهرة، أنا لست فى حاجة إلى الجوائز حتى تعزز رؤيتى، وأعتبر نفسى ساذجاً وأحمق إذا حدث ذلك، لدىّ رؤية مؤمن بها ومستعد للدفاع عنها، حتى لو لم أحصل على أى جائزة».

وفيما يتعلق بالصعوبات التى واجهتهم أثناء العمل على الفيلم: «الطفل يولد من رحم أمه بمشقة ولكنها تحبه، الحياة متعتها فى الأخذ والرد، والصعوبات تكمن بها متعة التجربة، وأنا مخرج شاب ولدىّ من الجرأة والحماس والطموح لسينما مختلفة تخصنى، بالطبع واجهنا صعوبات على مدار فترة صنع الفيلم، بالإضافة إلى الصعوبات التى واجهها الممثلون منهم إبراهيم النجارى بذل مجهوداً فى التدريب ما يقرب من شهرين داخل مدبغة للجلود، وتعامل مع الأخطار اليومية التى يواجها العاملون فى تلك المهنة، وبالطبع الأمر كان شاقاً بالنسبة له، بالإضافة إلى صعود أبراج الصمغ ولكن ما ساعده على الحركة فى الخفة أنه راقص باليه، وقد يبدو الفيلم للوهلة الأولى أنه ارتجالى وتسجيلى وهذا غير صحيح، على مستوى صنع الصورة وحركة الكاميرا، وحتى الممثلين تم تدريبهم على المشاهد».

وعن طرح الفيلم فى سينما «زاوية»، قال «صالح»: «طبيعة الفيلم تجعله مناسباً لجمهور خاص وليس لكل الجمهور، لا يمكن محاسبة الفيلم بنفس معايير التعامل مع الأفلام التقليدية لأنه تجربة غير تقليدية، ولست منزعجاً من ذلك، فالبعض سيرى الفيلم غير مطابق لذوقه، وطريقة توزيع الفيلم محدودة، وننتظر أن يذهب جمهور الفيلم إلى مشاهدته حتى يحقق سقف النجاح الخاص به، نحن لا نحلم بالملايين، ولكن نطمح أن نغطى تكاليف إنتاجه حتى نصنع فيلماً آخر».


مواضيع متعلقة