مزارعون يتحدثون عن همومهم ومشاكلهم: «محلاها عيشة الفلاح»

كتب: الوطن

مزارعون يتحدثون عن همومهم ومشاكلهم: «محلاها عيشة الفلاح»

مزارعون يتحدثون عن همومهم ومشاكلهم: «محلاها عيشة الفلاح»

«محلاها عيشة الفلاح»

على الرغم من المشقة التى تحيط بعمل المزارعين، إلا أن السعادة كانت تغمرهم والبركة تملأ البيوت، وخير الأرض من حبوب وفاكهة لا يضاهى طعمها شىء، فلم نكن نعرف المبيدات المسرطنة، ولا المخصبات المخالفة التى تخرج المحصول قبل أوانه، وكل ما كان يدخل معدتنا طبيعى مائة فى المائة، وكان ينعكس ذلك على صحتنا، بعكس هذه الأيام التى ينتشر بها المرض، وكان كل ما يحيط بالفلاح من أمراض، لا يتعلق بأضرار الزراعة مثل الآن، وفى الوقت التى انتشرت فيه البلهارسيا كانت الدولة تحاصرها حتى قضت عليها.

وأذكر الود والمحبة التى كانت تخيم على القرية، ولا تجد أحداً يهتم بأسبقية رى الأراضى، حيث كان كل فلاح يعرف دوره فى الرى، وكانت «الساقية» وماكينة الرى لا تتوقف عن رى الأراضى، بصرف النظر عن تبعية الأرض، وكنا نتناول وجبة الغداء الأساسية تحت الشجرة، وهو ما نفتقده اليوم، ولا يوجد وجه مقارنة بين عيشة الفلاح زمان والآن، سواء فى المعيشة أو الزراعة أو تسويق المحاصيل، وكان الفلاح زمان يعتمد على القطن فى زواج أبنائه وتجهيز بناته وتجديد منزله، أما الآن فلا يوجد محصول أساسى يعتمد عليه الفلاح فى تحقيق مكسب كبير، وكل ما يزرعه يكاد يكفى احتياجاته الأساسية، وتجد الديون تحاصر الفلاح الآن قبل موسم الحصاد، وأنا من موقعى الزراعى لا أجد سبباً جوهرياً لهذه المعاناة سوى قلة البركة التى يعيشها الفلاحون.

                                                                 صبحى الفران

                                                            مزارع من البحيرة

 

انهيار الزراعة

على مر العصور كانت مصر والفلاح المصرى محط أنظار العالم.. وكانت مصر هى التى يوجد بها خزائن الأرض، وعبر القرآن الكريم، كلام الله المنزل، عن ذلك صراحة.. ووهب الله سبحانه وتعالى مصر النيل فكان شريان الحياة ومنبت الزروع. ومصر فى الأساس بلد زراعى، وأول الصناعات التى قامت على المنتج المصرى سواء القطن المصرى أشهر الأقطان فى العالم، قطن طويل التيلة.. وكان الفلاح المصرى معروفاً بخيره الزراعى وهو مصدر الخير وكان منتجاً ومصدراً للغلال والحبوب وبخاصة القمح، والمنتجات الحيوانية والداجنة التى هى ثروة كبيرة، وضف على ذلك قصب السكر الذى قامت عليه الصناعات السكرية فى معظم أنحاء الجمهورية وبخاصة الصعيد من طولها وعرضها.

حدث ما حدث على مر الأيام والسنين وتدهورت الزراعة بتدهور حال الفلاح المصرى، لأسباب وظروف وملابسات عديدة منها ما كان يرجع إلى الفلاح نفسه ومنها إلى السياسات التى لم تنصف الزراعة ولا الفلاح المصرى.

ولكن ما زالت الأحلام والآمال ممكنة لتحسين حال الزراعة والفلاح، خصوصاً فى هذه الأيام والسنين.. والأمل معقود على الزراعات الصحراوية ومبادرة المليون ونصف المليون فدان، مع الأخذ فى الاعتبار الأرض القديمة من وادى النيل وعلاج مشكلاتها وعدم التعدى عليها وخلق سياسات زراعية منصفة للفلاح، خصوصاً صغار الزراع والعاملين بها، وهنا تتبادر الأسئلة عن الاهتمام بالزراعة والفلاح البسيط وشريحة الشباب التى دخلت فى تلك الفئة وتوزيع الأراضى عليها ومشكلاتها كثيرة ونريد حلاً ولك فى ذلك مثال قريتى المراشدة الوقف التى كانت فى طى النسيان لولا تدخل الرئيس السيسى الذى أعاد العدالة فى تلك المنطقة بمنحها قرابة 2500 فدان لمحدودى الدخل، والتى يحتاج أصحابها إلى تدخل الرئيس مرة أخرى فى مساعدتهم فى حفر الآبار لهم حتى يتمكنوا من الزراعة.

كما أن هناك توزيعاً غير عادل فى مشروع الصوبات والبتلو وهى مشروعات قروية تحتاج إلى تضافر الجميع لإنجاحها ولا بد أن يشارك فيها المزارع البسيط صاحب الخبرة.

كما أن المزارعين أرقتهم مشكلة الأسمدة فى الجمعيات الزراعية وعدم توافرها هذا الموسم ووقوفهم أمام الجمعيات الزراعية بصفة يومية للحصول على حصصهم دون جدوى بسبب نقص الكميات، ما يحدث مشكلات ومشاجرات مع المسئولين، كما أن الزراعة المصرية وبخاصة فى الصعيد تحتاج إلى عودة المرشد الذى يكون له دور كبير فى تنميتها فهو يعتبر طبيب الزراعة والذى يجعلها تنتج أعلى المنتجات، وحل مشكلات الأراضى الصحراوية المحرومة من الأسمدة، كما أن الحكومة عليها سرعة إصدار البطاقات الزراعية للمزارعين ومنحهم التأمين الصحى، وعلى الحكومة والزراعة أن تؤمن أن مصر بلد زراعى يحتاج إلى حملة قومية للنهوض بها بإعادة الاستراتيجية الزراعية فى مصر، لذا نرجو دراسة كل المشكلات وفق كل المتغيرات ووضع الأمور فى نصابها الطبيعى.

                                                               حمام على عمر

                                        ابن قرية المراشدة الوقف - محافظة قنا

 

هموم ومشاكل وهروب

فى الماضى كان الفلاح المصرى يعلم ما لا يعلمه غيره فى العالم فى زراعة وفلاحة أرضه وتربية ماشيته، سمعنا عن قدوم الأجانب من كل أنحاء العالم لمتابعة الفلاح المصرى لدراسة كيف يدير أرضه بأقل الإمكانيات، كيف يزرع الأرض، الآن لدينا فلاح يهرب من أرضه، فمشاكل الفلاحة تعددت أمامه وأصبحت المهنة وحدها غير كافية لسد قوت يومه، وجذبته أعمال البناء والتشييد نظراً لتوفيرها أجراً يومياً يراها الشباب من المزارعين أفضل من الفلاحة بمراحل، وانضم أغلبهم إلى طائفة المعمار، ويوماً تلو الآخر لن تجد أراضينا من يزرعها».

مشاكل الفلاح متعددة وتزداد يوماً بعد يوم، بداية من نقص مياه الرى والتى تكاد لا تصل إلى نهايات الترع ويضطر الفلاح إلى استخدام أكثر من ماكينة رى لرفع المياه إلى أرضه، ما يحمله كثيراً من النفقات التى تضاف إلى أعبائه، وارتفاع ثمن الأسمدة، حيث إن حصة الفدان التى يتم تسليمها من خلال الجمعيات الزراعية لا تكفى بأى حال من الأحوال ويضطر الفلاح لشرائها بأسعار مضاعفة من السوق السوداء، والأمر نفسه للتقاوى والبذور والتى تقارب أسعارها فى الجمعيات الزراعية المحلات التجارية بالسوق السوداء، مروراً بارتفاع أسعار السولار وما يترتب عليه من ارتفاع أسعار الحرث والرى والحصاد، كل ذلك يضاف له عناء الفلاح فى أرضه، وعدم وجود الإرشاد الزراعى كما كان سابقاً، وبالنهاية المحصلة النهائية «استدانة» لأن ناتج المحصول يكاد لا يكفى ثمن مصاريفه.

العام الماضى صدم الفلاح فى ماشيته بعد إصابتها بالجلد العقدى ووفاة عدد كبير، فالماشية للفلاح تمثل مصدر طعام منزله الأساسى سواء من ناتج بيع الألبان ومنتجاتها من الزبد أو الجبن، أو حتى بيعها لحوماً حية، فكأنها القشة التى قصمت ظهر البعير، ورغم كل ما تعرض له الفلاح إلا أنه لم يجد من يحنو عليه، سمعنا عن تعويضات للماشية المصابة، ولم نجد أو نسمع أن فلاحاً حصل على تعويض عن خسائره، أو حتى جزء منها، حتى العام الحالى، سلم الفلاح محصول القطن الخاص به إلى مراكز تجميع الأقطان منذ فترة ولم يحصل حتى وقتنا هذا على ثمن محصوله الذى أنفق عليه كل ما يملكه من أموال.

الحل أن يعود الفلاح المصرى مرة أخرى لزراعة أرضه بعد أن يربى الأب نجله على كيفية الفلاحة وليس تهريبه للعمل فى المعمار وتوجيهه بعدم إلزام نفسه بالأرض، والفلاح لن يقدم على ذلك إلا بعد اهتمام الدولة بالفلاح مرة أخرى، وأهمها تسويق منتجاته وحل مشاكله، وعودة دور الجمعيات الزراعية والإرشاد الزراعى مرة أخرى، وتوفير الرعاية الصحية الجيدة للماشية التى تعد كنزاً للفلاح يعتمد عليه بشكل أساسى بجانب أرضه الزراعية، وتقليل الفائدة على قروض بنوك الائتمان الزراعية، فالفلاح المصرى بطبعه يعشق الزراعة إلا أن ضيق حاله دفعه للهروب منها.

                                                            عاطف فؤاد يونس


مواضيع متعلقة