كراكات الرى تقتل أسماك فرع دمياط.. والصيادون: «بنشحت»

كراكات الرى تقتل أسماك فرع دمياط.. والصيادون: «بنشحت»
- التعديات على النيل
- الطيور البرية
- بنهر النيل
- تنمية الثروة السمكية
- صيادون
- الأسماك
- التعديات على النيل
- الطيور البرية
- بنهر النيل
- تنمية الثروة السمكية
- صيادون
- الأسماك
وقف «محمد فؤاد» على ناصية قاربه الصغير، فى وسط فرع دمياط بنهر النيل، يلملم شباكه، وملامح وجهه عابسة، لم يعد ما يجود به البحر يكفيه، أو يسد احتياجات أسرته وأولاده مع بداية الدراسة، الصياد الذى كانت تجمع شباكه يومياً ما لا يقل عن 20 كيلوجراماً من الأسماك، لا يتحصل على ربع تلك الكمية، بعدما بدأت كراكات وزارة الرى تطهير مجرى المياه من الحشائش التى تضع فيها الأسماك بيضها فى موسم التزاوج. {left_qoute_1}
الأزمة دفعت «فؤاد» وزملاءه من الصيادين إلى متابعة عمل الكراكات بشكل يومى ومحاولة بكل السبل منعها مع بداية عملها، من نزع الحشائش من ضفتى النهر، بل وصل إلى تعيين مراقبة لصيقة لموقع استقرار تلك «الكراكات»، حتى إن بدأت عملها يبلغ بقية الصيادين للتصدى لها، لكن كل تلك المحاولات تبوء بالفشل فى ظل مصاحبة قوات أمنية لفريق عمل الكراكات بشكل يومى، ليقف الصيادون بقواربهم الخاوية من الأسماك يرمقون الكراكات، وهى تقتلع موطن تكاثر الأسماك فى موسم التزاوج وعيونهم مملوءة بالحسرة والألم، بل إن بعضهم ترك المهنة التى لم تعد تكفى قوت يومهم.
10 آلاف صياد يكسبون قوت يومهم من الصيد فى فرع دمياط، يقول محمود أبويوسف، صياد، 30 عاماً، يعيش فى قرية صغيرة تسمى «مسجد وصيف»، والمعروفة بقرية سعد زغلول، حيث كانت مسقط رأس الزعيم المصرى، وتتبع مدينة زفتى، ويتابع الأزمة برفقه الصيادين من زملائه فى القرية والقرى المجاورة، منذ 2010، حيث بدأت وقتها الكراكات فى إزالة الحشائش: «تخيلنا وقتها إن الخير هيزيد وإن ده فى صالح الصيد والسمك هيزيد»، لكن كانت النتيجة العكس، حيث قل حجم السمك بشكل ملحوظ، وكاد أن يختفى بشكل كامل فى فصل الشتاء، ومن حينها والصيادون فى حالة حرب مستمرة مع الكراكات التى تمثل لهم رعباً، بعدما استقبلوها للمرة الأولى بحفاوة وترحاب. {left_qoute_2}
«إحنا مولودين فى النهر»، بذلك عبر «أبويوسف» عن العلاقة الوثيقة بين صيادى قريته والصيد، حيث يعمل أكثر من 80% من حجم سكانها بتلك المهنة، لذلك تعد أزمة حياتهم وأكل عيشهم قتل كراكات وزارة الرى «الزريعة»، ويشرح «أبويوسف» أن الزريعة واليرقات والسمك الصغير تعيش فى كنف تلك الحشائش، وهى ملاذها للعيش بعيداً عن تيار المياه القوى فى وسط النهر الكفيل بالقضاء عليها فى المهد، ولكن تأتى الكراكات لتزيل تلك الحشائش وتكنس معها ملايين من الزريعة، لتلقى بها على ضفاف النهر، والكثير من الأسماك الصغيرة التى تموت، حتى إن فى بعض الأحيان يكتسى لون الماء باللون الأحمر.
ما يمثل لـ«أبويوسف» أزمة كبيرة هو عشوائية عمليات التطهير، سواء على مستوى المكان أو الزمان، حيث يشير إلى أن الكثير من المناطق فى فرع دمياط، تنتشر فيها الحشائش حتى منتصف النهر دون وجود لآثار تطهير منذ زمن طويل، فى حين أن أماكن أخرى تطهر الكراكات النهر بدل المرة أربع مرات فى السنة، والأزمة الزمنية فى أن عمليات التطهير تتم فى شهور التكاثر، وليس فى الشهور التى يجنح فيها السمك للمياه العميقة فى فصل الشتاء، وتكون تلك الحشائش خالية من الأسماك والزريعة.
ويحارب الصيادون منذ 2010 لوقف عمل الكراكات فى أشهر التكاثر، ورحلة الوقوف أمام الكراكات اتخذت من الصيادين كل الأشكال الرسمية، حيث قدم «أبويوسف» فى 2010 شكوى فى وكيل وزارة الرى بالغربية، يتهمه بقتل السمك خلال عملية التكريك، وبالفعل توقفت العملية فى موسم التزاوج، وعاد السمك من جديد، لكن بعد قيام الثورة عادت الكراكات أدراجها، وكأن شيئاً لم يكن، فى أشهر التكاثر.
كانت الفوضى تعم البلاد، ومع ذلك لجأ «أبويوسف» للشكوى من جديد فى وزارة الرى، وصدر له قرار بإيقاف عمليات التكريك فى أشهر تكاثر الأسماك، على ألا تعمل سوى فى شهر فبراير، بعيداً عن العوالى، ومنذ عامين، عادت الكراكات للعمل من جديد خمس مرات فى السنة وفى أشهر التكاثر، وصدر قرار رسمى بإلغاء تنظيم عمل الكراكات، وكانت حجتهم التى ساقوها لـ«أبويوسف» سبباً لإلغاء القرار، أنه صدر ضمن حزمة قرارات كانت الدولة فى مرحلة أزمات وغير مستقرة. «أبويوسف» يقول إن عمليات التكريك عشوائية، وبعض الأماكن لا تنظر لها وزارة الرى، فى الوقت الذى تدفع بكراكاتها نحو المناطق الأخرى «اللى بناكل فيها عيش» بالخمس مرات فى السنة الواحدة.
عواد جودة، شيخ الصيادين فى قرية «تفهنا العزب»، يقول إن الكراكات تنشط فى فترة التكاثر وهى شهور «مارس وأبريل ومايو»، وفى شهر يوليو تكون غالبية الأسماك فى الأماكن المرتفعة «العوالى» المملوءة بالحشائش، وفى الأشهر المتبقية من السنة حتى شهر ديسمبر، أى فترة التكاثر، تنشط، لذلك يطالب الصيادون بتطهير وزارة الرى للمجرى خلال شهور ديسمبر ويناير وفبراير، وهى الأشهر الآمنة حيث تكون معظم الأسماك فى وسط النهر للبحث عن الدفء.
«جودة» يقول إن قانون هيئة الثروة السمكية يفرض عليهم الصيد من المياه المملوءة بالأعشاب، وبشباك من نوعية خاصة لمنع صيد الأسماك الصغيرة والزريعة للحفاظ عليها، وذلك فى أشهر التكاثر، خلال مارس وأبريل ومايو ويونيو، مشيراً إلى أن السمكة الواحدة تضع من 100 لـ700 بيضة فى الشهر، ولم تكن الأسماك وحدها التى سقطت فى مرمى الكراكات، لكن أيضاً الطيور البرية التى تتخذ من الجزر والعوالى مستقراً لصغارها، يقول «محمد سليمان»، وهو يتحرك بالمركب نحو جزيرة تتوسط النيل، تسمى جزيرة «قاسم أمين»، ويظهر بمجرد الاقتراب منها مئات من طيور بلشون القطعان والمعروف بين المصريين بطائر «أبوقردان»، ويقول إن الكراكات حين جاءت فى 2010 وبدأت العمل فى الجزيرة قتلت المئات من هذا الطائر الذى تعتبره الدولة نادراً وتطالب بمنع صيده: «مياه النيل وقتها تحولت لمياه حمراء من كتر الطيور إللى اتهرست تحت الكراكات إللى شغالة وماراعتش الطيور دى»، وتعتبر وزارة البيئة «أبوقردان» طائراً نادراً وتمنع صيده أو إيذاءه.
«سليمان» صياد من مدينة زفتى، ورث المهنة أباً عن جد، يرمق بغضب الكراكات وهى تعمل فى المناطق التى يصطاد بها، حيث ورث رخصة الصيد التى يعمل بها من جد جده، يقول إن وزارة الرى تشارك فى التعديات على النيل، بل وتسهل مهمة الفلاحين الذين يردمون النهر، ففى كل مرة تلقى بتلك الحشائش و«الطين» الذى يخرج معها على ضفاف النيل، ويستغل الفلاحون تلك الحشائش والطين لردم النيل وتوسيع أراضيهم الزراعية والتعدى على النهر، فى غفلة من تلك الحملات التى تأتى وتلقى بالحشائش وتتركها دون رقيب أو محاسب، هذا إلى جانب أن بعض الكراكات تلقى بالحشائش والطين التى تخرج بها فى وسط النيل فيترسب فى القاع ويقلل من عمق النهر، وبذلك تكون الوزارة هى نفسها من أعاقت المياه، التى تزيل الحشائش من أجلها.
هذا ليس كل ما فى الأمر، فـ«عبدالله أبوالعينين»، صياد، 40 عاماً، يقول إنه شاهد بنفسه تحول بعض الصيادين من قرى مجاورة للصيد بإلقاء سم بالنيل يسمى «السنيور»، وخلال ساعات يطفو السمك على المياه، ويجمع أكبر عدد من الأسماك، ويبيع هذا السمك المسموم فى السوق للمواطنين: «يا روح ما بعدك روح والصيادين فى الفرع مش لاقيين يأكّلوا عيالهم»، ويستطرد: «مين وصَّل الصياد للمرحلة دى»، مشيراً إلى أن قلة السمك حوّل بعض الصيادين لشياطين.
أيمن عمار، رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، قال لـ«الوطن»، إن فرع دمياط، ضمن مشروع حكومى، يسعى لتحويل الفرع إلى ممر لنقل البضائع من ميناء دمياط للقاهرة والمحافظات الأخرى، وبذلك تنفذ الدولة مشروعاً لتعميق وتوسيع المجرى المائى للفرع، وبذلك يكون ذلك المشروع القومى مفيداً للغاية، ويجب أن نتغاضى عن أضراره، التى يقدرها بقلة الأسماك بمقدر 0.1 من حجم أسماك النيل.
وأضاف «عمار» أن السمك قادر على تعويض الخسارة التى تتحقق خلال عملية التكريك فى ظرف 3 أشهر، مؤكداً أن الثروة السمكية ستتأثر، لكن هناك أولويات، فالمشروع القومى لا يجب أن نقف فى وجهه، وخاصة أن تلك العمليات ستساعد على تدفق النهر وسريانه، فالفرع مياهه ضحلة، وعملية التكريك تساعد على زيادة العمق وزيادة سريان النهر بشكل أفضل، والخسارة فى الثروة السمكية غير مقلقة بالمرة.