تأثير الأعمال الفنية على قضايا المجتمع.. خبراء يقدمون كشف حساب

كتب: شيماء مبارك

تأثير الأعمال الفنية على قضايا المجتمع.. خبراء يقدمون كشف حساب

تأثير الأعمال الفنية على قضايا المجتمع.. خبراء يقدمون كشف حساب

تظل قضايا المجتمع واحدة من أبرز الظواهر التي تقع توابعها علينا يومياً، ورغم اختلاف هذا النوع من القضايا بداية من عادات وتقاليد المجتمع منذ 50 عاماً، فعلى سبيل المثال المرور بظهور مجموعة من الجرائم الأسرية في الأونة الأخيرة، والتي يعجز كثيرون عن وضع التفسير الحقيقي لها، فضلاً عن رؤية وتعامل المجتمع مع فئاته من المهمشين والأقليات، وأخيراً حزمة من قضايا البطالة والتحرش والإدمان وزواج القاصرات وغيرها.

أمام هذا كله تصدر العديد من التشريعات والقوانين، وتصريحات من مسئولين ترد بشكل رسمي وقانوني فيما يخص إشكاليات المجتمع السابق ذكرها، لكن بالرغم من ذلك أجمع متخصصي علم الاجتماع والتربية والفن التشكيلي لـ"الوطن"، على أهمية الدور الفعال للفن في منظومة المعالجة كسابق على التشريعات والقوانين نفسها، وصنع وعي البشر والتأثير فيهم سواء بالإيجاب أو بالسلب.

{long_qoute_1}

يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن الفن أصبح الراعي الأول في التأثير على الأفراد أو الوصول إلى الرأي العام بأقصى سرعة، مُشيراً إلى ذكر بعض الأفلام التي تناولت جزء من المسائل الاجتماعية وتمثلت في "أريد حلاً، حين ميسرة، 678"، في عرض مشكلات الطلاق والعشوائيات والتحرش، مُعقباً:" هذه الأفلام وغيرها الكثير لها أثرا واضحا ومباشرا على تغيير سلوك الأفراد، لكن أثرها السلبي تعاظم على إيجابها لعدم الاهتمام بالسينما والفن المصري وتوجيه في الصدد الاجتماعي بشكله الصحيح، حتى أن الأمر لم يتوقف عند هذه المرحلة لتعالج معظم الأعمال الفنية الأن عادات وتقاليد المجتمع بشكل أكثر تخلفاً وبالتالي إضرار المشاهد في الدرجة الأولى".

ويتابع صادق لـ "الوطن"، أن ضياع الكثير من الأعمال الفنية في الأونة الأخيرة نتج عن أجندتها غير المصرية والممنهجه بدقة واضحة لبث سموم وعادات وتقاليد الغرب للمصريين كالسم في العسل، إلى جانب ثقافة ذكورية لها التأثير الأكبر في السيطرة على المجتمع، واضطهاد واضح من الكثيرون تجاه المرأة بداية من ولادتها مروراً بختانها فضلاً عن زواجها المبكر وانتهاء الحلقة بالعنف، والاعتداء عليها من الزوج أو الأسرة بكافة الأساليب النفسية والجسدية القاسية، كل هذا له مساهمة كبيرة انحدار الأخلاقيات والاجتماعيات الفنية في الفترة الأخيرة.

وعن تناول الفن للقضايا الخاصة بالمهمشين والأقليات المجتمعية، أوضح صادق: "أكبر مشكلة تواجه المجتمع المصري تناوله للأقليات في أعماله الفنية بشكل يميل للعنصرية كعرض ذوي الاحتياجات الخاصة على أنها دائمأ ضعيفة ومتخلفة، وينبذ الجميع منها دائماً، أو استعراض الجاليات الغير مصرية على سبيل المثال السودانية أو الفيلبينية في الأعمال بشكل لا يليق بها فهم دائماً البوابين والخدامين"، لافتًا إلى أنه حان الوقت لتغير نظرة المجتمع لهذه الأقليات من خلال إنتاج فني يناسبهم ويعرضهم بصدق وشفافية.

ويؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي، على ضرورة وضع أجندة واضحة وكشف حساب من قبل الجهات المسؤولة كالقومي للمرأة، ومؤسسات الأمومة والطفولة، ومحاكم الأسرة وغيرها من الجهات الرسمية التي تتعامل مع المجتمع المصري يومياً من خلال عملها، لرصد كافة المشكلات الاجتماعية التي يعانيها المجتمع المصري وحده، ومن ثم إنتاج مجموعة من الأعمال الفنية سواء الدرامية أو المسرحية أو السينمائية لمعالجة هذه المشكلات وعرضها على الجمهور بشكل يعمل على توعيته بها في الاتجاه الصحيح، وتليها في المرحلة السابقة سن التشريعات والقوانين من قبل مسئولين الدولة، قائلاً: " لا تجدي التشريعات أمام جمهور لا يعي مشكلات مجتمعه بشكلها الواقعي ومعالجتها الصادقة الصحيحة".

{long_qoute_2}

"صانع وعي البشر في الأساس" هكذا علقت فادية مغيث، الخبير التربوي عن رؤيتها في معالجة الفن لقضايا المجتمع، وتابعت أن الفن يعد نوع من النصح والإرشاد بشكل غير مباشر يفضله الأفراد عن غيره من الوسائل في التعرف على مجتمعهم من خلال أعمال بسيطة وواضحة، يستوعبها الصغير قبل الكبير، كما أنه أحد أدوات السبق في التأكيد على قيم الحق والخير والجمال وكل ما دعت إليه الرسالات السماوية والفلاسفة الأوائل على مستوى العالم.

وتكمل مغيث: "رغم اعتبار الفن أحد ركائز إعداد عقلياً وإنسانياً، لكنه في النهاية لا يمثل المعالج الأساسي وإنما يقدم توعية سليمة عبر عرضه لمشكلات اجتماعية، أمام جمهوره في شكل عدة مشاهد متتالية، لها أثرا كبيرا على تغير فكر الأفراد والامنتاع أو السير في سلوكيات معينة يفكرون بها".

وأشارت الخبير التربوي، إلى أن الفن في الوقت الحالي لا يعالج قضايا مجتمعه في ظل تلاشي سيناريو محترم له أهدافه الاجتماعية والإنسانية في الدرجة الأولى، مع تكرار وإكثار لشخصيات البلطجة والسفاحين والإسفاف في الكلمات واللغة، فضلاً عن التفنن في عرض المشاهد العنيفة بأقصى درجات التخلف، ما يدعم نوازعها عند الأفراد، أمر في النهاية لايندرج بأي شكل تحت مسمى الفن أو الإبداع، وربما يحتاج لإعادة تدوير المنظومة من جديد في أقصى سرعة ممكنة قبل ضياع زمام الأمور أكثر من ذلك.

{long_qoute_3}

يقول الفنان التشكيلي وسيم إمام، إن المشكلات الانسانية وعلي سبيل المثال مشكلة وجود الإنسان و مصيره وصراعه مع أحداث القدر وكفاحه من أجل حياة كريمة وسط عالم مشحون بالعداء و الغواية ثم نهاية حياته وانتقاله إلى العالم الآخر، تم تناولها من قبل الفنون المختلفة وطرح الحلول المختلفة من قبل المعالجات الفنية، مشيراً إلى دور الفن كحافز للناس من أجل الارتقاء بأفكارهم و مداركهم و سلوكهم وأحداث تغير جوهري في مجري الحياة.

ويتابع إمام، أن الفن و الاخلاق هما المعقل الاخير للحفاظ علي إنسانية الفرد في المجتمع حيث أن الأخلاق تحدد النهج الذي نسير عليه و الفن يرتقي بالإنسان ويحافظ علي أتساق كيانه الداخلي، كما أن الفنان يعبر عن نفسه ومجتمعه والإنسانية عموماً، فمثلا فنان القرن التاسع عشر ينظر الي العالم علي أنه خليط ضخم من أوراق الاشجار وجداول المياه والصخور، أما فنان القرن الـ21 نري أنه مهموم بمشكلات الهوية والعولمة والعنصرية.

ويشير الفنان التشكيلي، إلى أنه لتحقيق فاعلية الفن يجب أن يشاع بين كل أفراد المجتمع ووجود تكافؤ عقلي ووجداني بينهم، وهذا يأتي بالتعليم والثقافة، مُضيفاً أنه لا سبيل للإرتقاء بالوجدان الجماعي إلا بجذب الجمهور لمشاهدة الأعمال الفنية الراقية وإلا فسيظل الجمهور علي الأمية الثقافية والتشكيلية، ويتجه الي ما يخاطب الغرائز الدنيا ويشين الذوق وبالتالي يفسد المجتمع.


مواضيع متعلقة