الجالية اليمنية: «عايشين فى وطننا الثانى واليمن السعيد حلمنا»

الجالية اليمنية: «عايشين فى وطننا الثانى واليمن السعيد حلمنا»
- أنحاء البلاد
- الجالية اليمنية
- اليمن السعيد
- محافظة الجيزة
- مرة أخرى
- آمن
- أبناء
- أجر
- أنحاء البلاد
- الجالية اليمنية
- اليمن السعيد
- محافظة الجيزة
- مرة أخرى
- آمن
- أبناء
- أجر
قبل 4 أعوام، دقت أجراس الحرب، جاءت ويلاتها محملة بخراب انحنت له الظهور، واشتعلت من أجله الرؤوس شيباً، فساد الذعر أنحاء البلاد ليترك الآمنون موطنهم، بحثوا لهم عن مستقر آخر بعيداً عن مشاهد الدم من حولهم، ليشد كثير من اليمنيين الرحال إلى مصر، ليتركزوا فى مناطق بعينها منها محافظة الجيزة.
{long_qoute_1}
اختلفت أسباب دخولهم مصر، ولكنهم اتفقوا جميعاً على سبب البقاء، فمنهم من جاء قبل اندلاع الأحداث الدامية للعمل، ومنهم من حضر للعلاج فأصبح من العالقين الذين لا يستطيعون العودة، وآخرون جرحى حرب جاءوا يبحثون عن علاج سريع من أجل العودة مرة أخرى إلى جبهة القتال، وفئة أخرى من اليمنيين أرادوا النجاة بأنفسهم من «موت مقبل لا محالة»، إن لم يكن من طلقات الحرب المتبادلة فمن الجوع والتشرد، لكنهم جميعاً يحلمون بالعودة إلى «اليمن السعيد».
«الوطن» حاولت الاقتراب أكثر من أبناء الجالية اليمنية، ناقشتهم فى قضاياهم وهمومهم وأحلامهم من خلال هذا الملف، واستمعت إلى حكاياتهم، وتعرفت على طريقتهم فى العيش داخل مصر (وطنهم الثانى، كما وصفوه).
{long_qoute_2}
كان فى الخامسة عشرة من عمره، لم يبلغ سن الرشد بعد، لكن الحرب فى بلده أجبرته على العيش داخل مشاهد الدم يوماً بعد آخر، حتى أصبح أحد أبطال هذه المشاهد، وقتها كان قاسم إبراهيم يسير فى أحد شوارع مدينة تعز اليمنية التى يسكنها وأسرته، فإذا بإحدى القذائف تسقط على واحد من الأماكن المستهدفة فى الشارع الذى يسير فيه، لم يدرِ حينها بنفسه إلا وهو طريح الفراش داخل أحد المستشفيات فى المحافظة: «كان يوم صعب والموت كان قريب جداً منى».
شظايا القذيفة سكنت أماكن عديدة فى جسد «قاسم» فاختارت القدمين واليدين وتركزت بكثافة فى ظهره، ما أصاب عموده الفقرى بإصابات بالغة، كان معها الشلل النصفى هو التشخيص المبدئى لحالته، حسب قوله، ليقرر الانتقال من اليمن إلى مصر، بعد عام كامل من إصابته فى أبريل من عام 2015، لاستكمال علاجه فيها: «جيت مصر محمول على الأيدى على عربة معاقين ولكنى الآن الحمد لله أسير على قدمى».
نحو عامين و8 أشهر قضاها «قاسم» فى مصر، وعند قدومه لم يكن هناك لجنة لمساعدة جرحى تعز مادياً كما هو الحال فى العديد من المناطق الأخرى فى اليمن، ما اضطره إلى تحمل تكاليف العلاج على نفقة والده الخاصة الذى جاء معه وترك بقية أسرته فى اليمن، حيث لدى «قاسم» من الإخوة 9 يعيشون جميعهم فى اليمن: «فى بداية الأمر قعدت أنا ووالدى سنة وبعد كده رجع اليمن وتركنى هنا سنة ونص وبعدها رجع ومعاه والدتى وساب إخواتى هناك»، نطق «قاسم» بهذه الكلمات بلهجة تكاد تكون مصرية خالصة قبل أن يوضح طبيعة عمل والده، حيث يعمل فى واحدة من شركات النفط فى اليمن، ومن ثم يترك راتبه لأبنائه هناك ليعيشوا به، أما نفقات قاسم فقد قام بتدبيرها بعدما قام ببيع ما يملكه من أراضٍ، حسب قوله. {left_qoute_1}
فى بداية الأمر كانت تكاليف العمليات تشكل أزمة كبيرة بالنسبة لـ«قاسم»، حيث كان من المفترض أن يجرى بعض العمليات الجراحية تباعاً على فترات زمنية قريبة نظراً لأن إصابته فى الأعصاب، حسب قوله، إلا أنه كان يضطر إلى تأجيل العملية بعد الأخرى حتى يتمكن من توفير نفقاتها: «بدل ما كان مفروض أعمل عملية كل شهر بقيت أعملها كل 6 شهور وده كان بيتعبنى جداً»، 10 عمليات هى إجمالى ما أجراه «قاسم» حتى الآن منذ قدومه إلى مصر، 4 منها عمليات جراحية كبرى، ويتبقى له عملية واحدة إلا أن تكاليفها هى ما يؤخر إجراءها إلى الآن، إلا أنه يتمنى ويحاول جاهداً إجراءها حتى يعود مرة أخرى إلى اليمن فى أقرب وقت رغم كل ما فيها: «أنا مرتاح جداً فى مصر بس اليمن بلدى وإن شاء الله هكون هناك مهما كانت الظروف، وده مش حالى أنا لوحدى ده حال كل اليمنيين لأن الخوف خلاص خرج من قلوبنا من كتر الناس اللى بنشوفها بتموت كل يوم».
إصابة أخرى ورواية مختلفة من روايات مصابى الحرب فى اليمن يرويها «ريان عبدالمولى»، شاب فى بداية عقده الثالث، قاده حظه السيئ إلى إصابته بطلق نارى فى ذراعه اليمنى قبل 3 أعوام مضت أثناء ركوبه سيارة فى أحد شوارع محافظة تعز التى يعيش فيها، إلا أن الإصابة كانت كبيرة ما جعل المستشفيات فى محافظة عدن ترفض استقباله، على حد قوله: «قالوا لى منقدرش نعمل لك حاجة، روح الخارج»، بالفعل اتجه «ريان» إلى الهند من أجل العلاج على نفقة بعض الداعمين للجرحى باليمن، وخلال 8 أشهر قضاها بواحد من المستشفيات الهندية هناك أجرى خلالها عمليتين جراحيتين لاستخراج الشظايا من كوعه، فإن إقامته انتهت بعد ذلك ما اضطره إلى الرجوع مرة أخرى إلى اليمن بعد أن طلب منه «الداعمون» ذلك على أن يعود إلى الهند مرة أخرى لاستكمال العلاج: «مكنتش أقدر أكسر الإقامة لأنى مكانش معايا فلوس أصرف منها».
5 أشهر قضاها «ريان» فى عدن بعد عودته من الهند أدت إلى سوء حالته مرة أخرى ليقرر عدم انتظار تمويل سفره إلى الهند مرة أخرى والسفر إلى القاهرة: «بقالى هنا 8 شهور، أول ما جيت كان علاجى على حسابى الشخصى، وبعد كده ضمونا للجنة طبية لجرحى تعز تم تشكيلها جديد»، عملية جراحية أخرى أجراها «ريان» منذ قدومه إلى مصر، لم يتحمل من تكلفتها شيئاً، ولم يتبقّ له بعد ذلك سوى عملية واحدة ينتظر إجراءها بعد شهر من الآن، إلا أن انتظاره لم يكن للعملية الجراحية فقط، فهو لا ينوى العودة مرة أخرى إلى اليمن طالما كانت الحرب قائمة، ما جعله يتقدم بطلب للجوء فى أى دولة أخرى: «مش هعرف أعيش فى اليمن تانى دلوقتى لأنى مش عايز أموت، وحتى لو لم أمت فى الحرب هموت من الجوع لأن محافظتى من المحافظات المشتعلة».
ومن «إصابات الصدفة» إلى نوع آخر من الإصابات، حيث قصة الثلاثينى «ناصر عبدالنور»، أحد أفراد المقاومة ضد الحوثيين فى اليمن، عندما كان على الجبهة فى مدينة «ميدى»، كانت الاشتباكات حينها دائرة وأصوات تبادل إطلاق النار تمر بجوار أذنه دون اكتراث منه، إلى أن استقبل المكان الذى يقف فيه قذيفة هاون طرحته أرضاً، لم يشعر حينها بشىء، حسب قوله، لكن زملاءه قصوا له ما جرى بعد ذلك، حيث تم نقله إلى واحد من المستشفيات داخل المملكة العربية السعودية، حيث كانت الجبهة على الحدود معها وهناك ظن القائمون على المستشفى أن «ناصر» قد فارق الحياة فأدخلوه ثلاجة الموتى، إلا أن ذويه عندما أرادوا تسلم الجثة اكتشفوا أنه ما زال حياً عندما تحركت أطرافه، حسب قوله، فخرج من ثلاجة الموتى إلى واحدة من غرف العناية المركزة ليمكث بها نحو 4 أشهر.
{long_qoute_3}
إصابة فى الفك وأخرى فى العصب السابع وثالثة فى الأذن ورابعة فى العين وخامسة فى الأنف، كانت كلها إصابات فى وجه «ناصر» الذى لم يستمر فى المستشفى السعودى كثيراً، حيث عاد بعد عدة أشهر إلى مأرب مرة أخرى، ومنها إلى مصر عن طريق لجنة معالجة الجرحى فى مأرب، ليبدأ رحلة علاج بدأت منذ قدومه، فأجرى عملية جراحية فى أذنه أول الأمر، إلا أن خطأ بالعملية جعلها دون فائدة، ما أثار العديد من المشكلات بين ناصر ولجنة معالجة جرحى مأرب فى مصر انقطع على أثرها عنه العلاج والسكن والراتب الشهرى المخصص له، حسب قوله: «أنا كنت من ضمن المقاومة وكنت فى الجبهة الأمامية وكنت زعلان جداً إنهم بيماطلوا هنا ومش عايزين يوفروا لى العلاج».
رفض «ناصر» العودة مرة أخرى إلى اليمن كما طلب منه القائمون على لجنة علاجه، فقد خرج من اليمن ومعه تقرير بأن له مخصصات مالية فى لجنة معالجة جرحى مأرب فى مصر تكفى لإجراء العمليات الجراحية اللازمة له، وبعد فترة من الشد والجذب، تدخل بعض اليمنيين المهتمين بحقوق الإنسان فى مصر ووافقت اللجنة على استكمال علاجه وأجرت له بالفعل عمليتين جراحيتين، واحدة لاستخراج شرائح تثبيت عظام الفك التى تم تركيبها له فى المملكة العربية السعودية واستبدالها بأخرى، وعملية ثانية فى الأذن، إلا أن الأزمة عادت مرة أخرى بين «ناصر» ولجنة العلاج، حسب قوله: «قالوا العمليات المتبقية غالية ولا تملك اللجنة مخصصات لها مع أن هذا غير صحيح»، ورغم كل هذه المعاناة التى يعيش فيها ناصر منذ يوم إصابته قبل 3 أعوام وحتى الآن، فإنه لم يفقد شغف العودة مرة أخرى إلى بلاده، ليعبر عن ذلك قائلاً: «أول ما هخلص علاجى هرجع على اليمن على طول عشان أكون على الجبهة مرة تانية، يا إما نطهر اليمن من الحوثيين أو نموت».
ومن جانبه يقول رمزى الأفندى، ناشط فى حقوق الإنسان والمسئول الإعلامى للجالية اليمنية فى مصر، إن منظمات المجتمع المدنى تحاول بقدر الإمكان أن تقدم العون والمساعدة للجرحى اليمنيين الموجودين فى مصر، سواء كانت هذه المحاولات بصورة جماعية أو بصورة فردية مثل التى يقوم بها هو، حسب قوله: «أحاول أن أجمع ملفات الجرحى الذين يحتاجون إلى مساعدة من العالقين هنا وطرحها على الجهات الداعمة سواء داخل مصر أو خارجها من اليمنيين وغيرهم»، موضحاً أن جرحى الحرب فى اليمن ينقسمون بين عدة لجان، كل لجنة تهتم بمصابى محافظة أو مدينة أو منطقة بعينها، على أن توفر لهم المساعدات المالية أو الطبية كما توفر لهم السكن ورواتب شهرية أثناء فترة العلاج، مشيراً إلى أنه حتى وقت قريب كانت هناك بعض الأماكن والمدن اليمنية التى ليس لها لجان علاجية فى مصر مثل تهامة أو تعز إلى أن شُكلت لهم لجان ولكن إمكانياتها ما زالت محدودة، حسب قوله، موضحاً أن جميع هذه اللجان تعمل تحت مظلة السفارة لما توفره لها من تسهيلات فى أمور مختلفة باعتبارها الجهة الرسمية فى البلد، وحول أنواع الإصابات قال «رمزى» إنها متنوعة ويكون أغلبها بتر أطراف فضلاً عن إصابات أخرى خطيرة فى الرأس أو الصدر.