مصر من ملجأ إلى موطن

كتب: تهانى يبرودى

مصر من ملجأ إلى موطن

مصر من ملجأ إلى موطن

ذات يوم قبل نحو ست سنوات، اتخذت -وزوجى- قرارنا المصيرى الأصعب على الإطلاق بالرحيل عن البيت والوطن؛ بحثاً عن «ملجأ» آمن لعائلتنا الصغيرة، توجهنا إلى أرض مصر، وبدأنا رحلتنا فى محاولة العودة إلى حياة أقرب ما تكون من الحياة الطبيعية.. أذكر تماماً كيف كانت كل الأشياء حولى آنذاك تذكرنى باللاانتماء، تذكرنى بأنى غريبة هُجِّرت من ديارها: أسماء الشوارع، اللافتات الطرقية، وجوه الناس وأصواتهم -حتى السوريين منهم- أنا هنا كالمولود الجديد، أحاول أن أتعرف على نفسى، وعلى العالم من حولى، أبذل كل الجهود لأمشى بخطوات متسارعة مؤملةً بأن أحرق المراحل، وأوصل عائلتى إلى بر الأمان الذى لم أكن أعى ما هو وأين يكون؟!!

بعد مرور نحو ثلاث سنوات على إقامتى فى مصر، بدأ أبناء بلدى يخرجون من حالة الصدمة «صدمة التهجير واللجوء»، وبدأت أوضاع السوريين تتحسن بشكل لافت من النواحى الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وقد نُشرت الكثير من المقالات عن هذا الجانب، وأؤيد تماماً ذلك الرأى المنطقى الذى يعزو هذا التحسن والنجاح إلى أسباب تتعلق بالسوريين والمصريين على حد سواء، دونما مبالغة فى التحيز لأحدهما، فهؤلاء اجتهدوا وحاولوا.. وأولئك تقبلوا ودعموا بل وشجعوا بكل طاقاتهم.

الآن وبعد مرور نحو ست سنوات على وجودى فى أرض الكنانة، أرى أننى اقتربت كثيراً من «حد الوصول» إلى بر الأمان المنشود، فنحن كعائلة نحيا حياةً طبيعية، وبما أنها طبيعية فهى -بلا شك- لا تخلو من المتاعب والمصاعب، إلى جانب أيام الرخاء والسعادة.. الآن باتت تلك الأشياء ذاتها: أسماء الشوارع، اللافتات الطرقية، وجوه الناس وأصواتهم!! تشعرنى بالانتماء، وأما ذاك المولود الجديد فى داخلى فقد كسر حواجز الغربة والخوف وبدأ يشعر بالأمان والدفء.. وخرج من حالة الغريق الراجى للخلاص، إلى حالة المتفاعل المنتج مثله مثل كل أبناء هذا «الموطن» الجديد.

 


مواضيع متعلقة