شاطئ النخيل.. «نداهة» الموت غرقاً

كتب: مروة مرسى وفاطمة محمود

شاطئ النخيل.. «نداهة» الموت غرقاً

شاطئ النخيل.. «نداهة» الموت غرقاً

فى تمام الساعة السادسة صباحاً، تصل الأوتوبيسات من المحافظات مُحمّلة بالمصطافين، رجال وسيدات وأسر بكاملها، تحمل أطفالها العوامات وأطقم البحر، فرحين برحلة التنزه على شاطئ النخيل المجانى للاستمتاع بهواء الإسكندرية العليل، إلا أن غضب البحر يحول دون ذلك فى بعض الأوقات، يثور الموج بين الحين والآخر، ورغم ذلك لا يهابه المصطافون لغضبه، يُقبلون على مياهه بكل جسارة حتى لو دفعوا حياتهم ثمناً، لقاء الاستمتاع بتلك اللحظات القصيرة.

{long_qoute_1}

من بين كل شواطئ الإسكندرية، التى تبلغ 45 شاطئاً، ما بين مجانى ومميز وسياحى وخدمة لمن يطلبها، يفضل المصطافون شاطئ «النخيل» أحد أهم وأكبر شواطئ الإسكندرية، الذى تبلغ مساحته 1800 متر، وكان مخصصاً لسكان مدينة 6 أكتوبر فقط منذ سنوات، قبل هدم البوابات وفتحها أمام الجمهور مجاناً ودون أى رسوم، وفقاً لقرار المحافظة بأن يكون البحر متاحاً للجميع.

ابتلع البحر بشاطئ النخيل 8 أشخاص فى غضون يومين، ليضاف الرقم فى سجل الضحايا الطويل، الذى امتد لأكثر من خمس سنوات ماضية، ورغم ذلك لم تمنع حوادث الغرق المتكررة وخروج الجثث المتعفّنة للشاطئ، المصطافين من قصد الشاطئ، بل والاستحمام فى مياهه، وأغلبهم من محافظات متنوعة «القاهرة، الجيزة، القليوبية، المنيا، البحيرة، وكفر الشيخ»، يأتون ضمن رحلات اليوم الواحد، حاملين طعامهم وشرابهم، يفترشون الشاطئ بأوانى الطعام، فيما يهرول أغلبهم للبحر دون أن يأبهوا لمكبرات الصوت التى تطلق التحذيرات من آن إلى آخر، لمنعهم من النزول للمياه بسبب ارتفاع الأمواج.

حينما ييأس رجال الإنقاذ المنتشرون على الأبراج ورمال الشاطئ، من عدم استجابة المصطافين لتحذيراتهم من نزول المياه، يضعون الحواجز ويطلقون صافرات الإنذار والتحذير بصفة مستمرة من خلال مكبرات الصوت، ورفع الراية الحمراء، إلا أن الزوار لا يستجيبون كالعادة لأىٍّ من تلك التحذيرات، وينقسم المشهد ما بين أطفال تستمتع بالبحر مع ذويهم وشباب يتخطون الحواجز المسموح بها للاستحمام، وآخرين يقفون بحسرة ودموع وترقب على الشاطئ فى انتظار خروج جثامين الغارقين التى طالت عمليات البحث عنها.

{long_qoute_2}

«يجب غلق هذا الشاطئ لحماية الأرواح، بندور على جثة ابنى الغريق من يومين، والناس بتنزل البحر عادى ومش خايفة من الغرق» قالها عادل حكم، شقيق والد أحد الضحايا، وإلى جواره يقف الأب المكلوم، منتظراً ظهور جثمان نجله الطالب فى الثانوى التجارى من مدينة السادات بمحافظة المنوفية. وأضاف أن أهالى الضحايا ينتظرون يومياً خروج الجثامين من البحر، من أجل دفنها وإقامة العزاء، مشيراً إلى أنهم لم يتّهموا أحداً بالتسبّب فى وفاة أولادهم: «قضاء وقدر».

على رمال شاطئ النخيل تُوجد 3 لوحات سوداء اللون مدون عليها قائمة الممنوعات لتجنُّب الغرق والتعليمات الواجب الالتزام بها قبل الاستحمام ونزول الشاطئ، حرصاً على سلامة المصطافين والتى لا تُطبق نهائياً، ومن بينها عبارات: «ممنوع تسلق الحواجز، ممنوع الاستحمام خلف الحواجز، ممنوع الاستحمام بين الحواجز»، ولافتة أخرى مدون بها: «نزول البحر من الساعة 8 صباحاً وحتى الغروب، الأطفال دون 15 سنة مسئولية ذويهم، يجب اتباع تعليمات الغطاسين والعلامات الإرشادية، ممنوع النزول فى الأماكن الخطرة خلف الحواجز، نزول البحر أمام الحواجز وفى وجود الغطاسين، ممنوع وجود الكلاب على الرمال.. عدم اتباع التعليمات يعرّضكم للخطر والمساءلة القانونية». على ملاءة بيضاء جلست نادية ربيع، القادمة من محافظة المنيا مع زوجها وأولادها لتناول الطعام، مشيرة إلى أنها موجودة بالشاطئ منذ يوم مضى، حيث تبيت هى وأسرتها على الشاطئ للتنزه والفسحة يومين فى الإسكندرية ونزول البحر، ثم الرجوع إلى المحافظة وتوفير نفقات تأجير شقة مصيف بـ500 جنيه فى اليوم.. بالجلوس والنوم على البحر». وأضافت: «شاطئ النخيل الوحيد الذى يسمح بالوجود والإقامة فيه على الرمال، حتى صباح اليوم التالى، وكل العائلات ورحلات اليوم الواحد ترحل مع نهاية اليوم أو تظل على الشاطئ لمدة يومين للاستحمام والتنزه».

نعمة السيد، من محافظة المنوفية، جاءت إلى شاطئ الغلابة المجانى لتوفير نفقات الشواطئ الأخرى التى تمنع دخول الأطعمة، فضلاً عن إجبارهم على تأجير شماسى ومقاعد: «البحر موجه عالى، كل شوية نسمع (غريق غريق)، بس عيالنا قدام عينينا بيلعبوا، حنعمل إيه، على قد الإيد، يعنى مانتفسحش فى إسكندرية ونقعد على البحر ونشم هوا، ونغير جو، علشان غلابة؟»، وفجأة قطع حديثها صوت صافرات التحذير لمنع عدد من الشباب من دخول الحواجز والاستحمام فى الأماكن المحدّدة على الشاطئ، لمنع حدوث حالات غرق جديدة، وحصد أرواح بلا ثمن، وفى لحظات تمكن الغطاسين من إنقاذ شابين من خلال الحبال والعوامات لحين وصول «الجيت سكى» وأخرجوهما من المياه.

{long_qoute_3}

«باحس أنهم بيستمتعوا بالغرق، بيرفضوا الخروج من البحر ولا بيستجيبوا للتحذيرات»، هكذا وصف حسين أحمد، سائق «جيت سكى» إنقاذ بشاطئ النخيل، ما يحدث على الشاطئ، مؤكداً أن المنقذين متعاقدون مع جمعية 6 أكتوبر التى تدير الشاطئ منذ 4 سنوات، وكل 100 متر يوجد عامل إنقاذ، وحالات الغرق تحدث بسبب سلوكيات المواطنين. وتابع: «بيفرحوا بالبحر ولا يلتزموا بالتعليمات». وأوضح أن العمال ينقذون يومياً 200 حالة من الغرق، أما الحالات التى تغرق فعلياً فتكون موجودة بالشاطئ قبل وجود الغطاسين وعمال الإنقاذ، لذلك لا يستطيع أحد إنقاذها.

اللواء أحمد النوبى، مدير جمعية 6 أكتوبر، والمسئول عن إدارة شاطئ النخيل، قال إن «رحلات اليوم الواحد تكون موجودة بالشاطئ منذ الفجر، ويصعب السيطرة على الأمر بسبب توافد العشرات، وازدحام الشاطئ»، مؤكداً أن يوم الجمعة من أيام المحظورات فى الشاطئ، ورغم ذلك يصل عدد المصطافين إلى مليون شخص، وأضاف «النوبى» أن المشكلة ليست فى العدد، لكنها فى عدم الالتزام بالتعليمات والإرشادات المكتوبة على لافتات منتشرة بطول الشاطئ، مشيراً إلى أن المواعيد الرسمية للشاطئ تبدأ من الساعة 8 صباحاً وحتى 7 مساءً، وبعض حالات الغرق تحدث فى السادسة صباحاً.

وأوضح أن الشاطئ هو الوحيد فى الإسكندرية الذى يوجد به «جيت سكى» للإنقاذ السريع، ورغم تعرض قائده للخطر فى بعض الأحيان إلا أن جميع رجال الإنقاذ لا يتقاعسون عن أداء عملهم وواجبهم نحو المواطنين، مشيراً إلى أنه فى حالة ارتفاع الأمواج يتم وضع علامات إرشادية مدون عليها «ممنوع الاستحمام اليوم»، ورغم ذلك ينزل المئات للمياه، دون التزام بالتعليمات.

 

 

 

 

 


مواضيع متعلقة