نجوم المأساة 3| لوكا مودريتش.. مراوغات على إيقاع القنابل

كتب: شريف حسين

نجوم المأساة 3| لوكا مودريتش.. مراوغات على إيقاع القنابل

نجوم المأساة 3| لوكا مودريتش.. مراوغات على إيقاع القنابل

على طريق ضيق ومتعرج يفصل شمال كرواتيا عن جنوبها، أقامت عائلة "مودريتش" الكبيرة في منزل صغير يجاور منطقة كان من المفترض أن تحولها الحكومة إلى منطقة صناعية، بقيت المنطقة مجرد خرائب تتوسطها بناية منعزلة تعلوها لافتة "مدينة أوبروفاك الصناعية"، فشلت المدينة في جذب المستثمرين فلم يتغير حال عائلة "مودريتش" بفضلها.

قضى "لوكا مودريش" أول 6 سنوات من حياته في المنزل الصغير الواقع على الطريق الفاصل بين الشمال والجنوب، المنزل الذي شهد مرح الطفولة الأول كان مسرحا لجريمة حرب مروعة، قتل فيها الجد أمام أعين الجميع، بعدما اندلعت حرب الاستقلال الكرواتية عام 1991 بين الجيش اليوغوسلافي ومعاونيه من المحاربين الصرب الذين قاتلوا الكروات بضرواة على مدار 4 سنوات من أجل منع كرواتيا من نيل استقلالها.

لم تكن الحرب قريبة من منزل "لوكا" فقط، بل كان المنطقة التي يسكنها هي خط النار الذي حاول الصرب السيطرة عليه لقطع الاتصال بين جناحي البلد وإحكام السيطرة عليها.

مع اشتداد الحرب وسريان الدم ومقتل الجد، هربت عائلة "لوكا" من الجحيم نحو مدينة "زادار" الساحلية التي تبعد عن قريتهم 60 كيلومترا، تركوا النار تمسكا بالحياة وسكنوا أحد مقار اللاجئين بـ"زادار"، بينما الطفل "لوكا" لا يعبأ بكل ذلك، يريد أن يجد مكانا جديدا في المدينة الجديدة ليلعب كرة القدم، لم يمض الكثير من الوقت حتى حول الساحة القريبة من موقف سيارات الفندق إلى ملعبه الجديد.

كان الانتقال من القرية إلى "زادار" إشارة الانطلاق لمشوار "لوكا" كلاعب كرة قدم، انضم إلى فريق المدينة وقدم مستويات رائعة رغم ضعف بنيانه الواضح.

يقول جوزيبي باجلو رئيس نادي "زادار" وقتها في فيلم تسجيلي صوره التلفزيون الإسباني في "زادار" عقب انتقاله لريال مدريد في 2012، إن "لوكا" كان نحيفا وضعيفا ويبدو أصغر من سنه كثيرا.

ويضيف "باجلو": "مشاهدة (لوكا) وهو طفل تؤكد أن شيئا ما في هذا الطفل مختلفا عن بقية أقرانه، لكن أحدا لم يكن يتخيل أنه سيصبح هذا اللاعب العظيم".

أما توميسلاف بيزيك، مدربه الأساسي بنادي "زادار" وصاحب الفضل في احترافه كرة القدم، فيقول إن ما يستقر في ذاكرته من تلك الفترة الدامية من تاريخ كرواتيا، هو أن شعور الخوف كان يسيطر على الجميع، يضيف "آلاف القنابل تنفجر حولنا لدرجة أنها أصابت ملعب التدريب الخاص بالنادي أيضا، حين تندلع المعارك كنا نتسابق للاختباء من نيرانها، كانت كرة القدم منفذنا الوحيد للهروب من الواقع".

"بيزيك" آمن بموهبة "مودريتش" ودعمه في أحد أشد الأوقات صعوبة في مسيرته، حين رفضه نادي "هايدوك سبليت"، النادي الذي يعشقه "لوكا" منذ الصغر، بسبب ضعف بنيته الجسدية.

وصل مودريتش مرحلة من اليأس لدرجة جعلته يفكر في مغادرة الملاعب نهائيا، لكن دعم مدربه "بيزيك" وتوسطه أيضا، قاده إلى أشهر فريق في كرواتيا "دينامو زغرب" وهو لا يزال في الـ 15 من عمره، وخلافا لكونه أكبر فريق في كرواتيا فإنه كذلك العدو التاريخي لفريق "هايدوك سبليت" الذي رفض "مودريتش".

بدا الأمر وكأنه فصل متكرر في حياة "مودريتش"، يحب فريقا ثم يتعاقد مع خصمه التاريخي، أحب "هايدوك سبليت" وانضم لـ"دينامو زغرب"، أحب "تشيلسي" ثم لعب لـ"توتنهام"، وأخيرا أعجب بـ"برشلونة"، فصار أحد أهم لاعبي ريال مدريد.

حين بدا أن بذرة لاعب محترف بدأت في التشكل، جاء دور عائلته في التضحية، حيث انتهت الحرب ومنحتهم السلطات فرصة العودة إلى القرية مرة أخرى لكنهم رفضوا من أجل "لوكا" وبقوا في "زادار" يقيمون في غرفتين صغيرتين بمقر لجوء، حتى يواصل يذهب الفتى الصغير بعيدا بأحلامه في كره القدم.

تدرج "لوكا" في المراحل السنية حتى وصل لعمر 18 عاما فأعاره "دينامو" إلى فريق من البوسنة والهرسك، قدم أداءً جيدا ثم أعير إلى نادي "إنتر زابريشيتش" الكرواتي، ارتفع مستواه بصورة ملحوظة ليوقع عقدا لـ 10 سنوات مع "دينامو زغرب" الذي رأى مسؤوله أنه من الغباء التفريط في "لوكا".

وعرفانا بتضحية العائلة، قدمت إدارة "دينامو زغرب" دعما لنقلها إلى منزل منفصل في "زادار"، حققت أقدام مودرتيش السعادة والاستقرار أخيرا للعائلة التي قضت 4 أعوام في مقرات اللاجئين، أملا في توهج المراهق صغير الحجم.

بعد عقد الـ 10 سنوات، توهج "مودريتش" في الدوري الكرواتي، صار واحدا من أهم لاعبي الفريق حتى جذب أنظار مسؤولي "توتنهام" في 2008، أتم الفريق اللندني التعاقد مع "مودريتش" ليقضي 4 سنوات وحجز لنفسه مكانا كأحد أفضل لاعبي خط الوسط في العالم، ثم كان الانضمام والتألق مع ريال مدريد نتيجة طبيعية.

بعد ساعات قليلة يقود "لوكا" منتخب بلاده في مباراة ضد منتخب إنجلترا في نصف نهائي كأس العالم بعدما قدم أداء رائعا طوال البطولة وكان أكثر لاعبي كرواتيا ظهورا وتأثيرا، يحمل على ذراعه شارة قائد الفريق ويحمل في قلبه آمال كرواتيا في تحقيق إنجاز تاريخي بالفوز بكأس العالم، ويالتأكيد سيمنحه الإنجاز فرصة تخليد أسطورته التي برزت رغم المعاناة.


مواضيع متعلقة