الشيخ عنتر مسلم.. كروان خارج السرب

كتب: طايع الديب

الشيخ عنتر مسلم.. كروان خارج السرب

الشيخ عنتر مسلم.. كروان خارج السرب

فى أواخر السبعينات من القرن الماضى، وبينما كانت إذاعات العالم الإسلامى من كراتشى فى باكستان إلى المستنير التونسية، مروراً بطهران، تذيع تسجيلات الشيخ عنتر مسلم، القارئ صاحب الأداء الفريد فى دولة التلاوة، كانت هذه التسجيلات ممنوعة من التداول فى مصر، بدعوى أنه يقرأ بقراءات «مهجورة»!

وفى تلك الفترة، كتب الراحل محمود السعدنى مقالاً فى «أخبار اليوم»، قال فيه إن «مسلم» صاحب طريقة فذة فى القراءة، ودعاه علناً أن يحضر للقاهرة، متعهداً بتسخير كل إمكانياته لكى يتم اعتماد الشيخ من الأزهر، ويصبح أحد قراء الإذاعة، غير أنه لم يستجب لهذه الدعوة، لكونه كفيفاً، ولأسباب أخرى سنذكرها هنا.

ولم يتعرض قارئ لما لاقاه عنتر مسلم (1936- 2002) من تضييق، لا لسبب سوى أنه شق بموهبته وحدها طريقاً فريداً فى نهر التلاوة، اعتماداً على مبدأ التعلّم الذاتى، حيث التحق بالدراسة فى المعاهد الأزهرية حتى المرحلة الابتدائية، وحفظ القرآن الكريم وعمره ثمانى سنوات، ثم عرف طريقه إلى الموالد، وتعلّم العزف على العود والكمان، ودرس المقامات الموسيقية، ثم عمل لفترة فى مجال الإنشاد الدينى.

تفرغ الشيخ بعد ذلك لقراءة القرآن فى محافظات الدلتا، فكان إذا ذهب إلى قرية ما احتشد السمّيعة من أنحاء الدلتا وأهالى القرى المجاورة بالآلاف لسماعه، وهو يحلق فى الأعالى، وتداول الناس ملايين النسخ من شرائط الكاسيت لحفلات الشيخ الذى لم يتكسب من هذه الشرائط مليماً واحداً، فصار أشهر وأفقر قارئ فى مصر!

كان «مسلم» متبحراً فى علم القراءات، إلى حد أنه كان يستطيع تلاوة الآية الواحدة بـ14 قراءة مختلفة، المشهور منها للدارسين أنفسهم 7 فقط، وبات مؤسس مدرسة خاصة فى فن التلاوة، بعد أن تخلص من ميله القديم إلى إظهار التمكّن والاستعراض.

وهوجم الرجل بزعم أنه كان يجمع الروايات بطريقة تخالف ما اصطلح عليه أهل علم القراءات المعتمدون، وهو أمر اعتبره الكلاسيكيون من القرّاء والسمّيعة خرقاً غير مقبول للقواعد، ولم يعتبروه -مثلاً- نوعاً من الإبداع، بل من البِدع والضلالات.

واضطُر الشيخ إلى نشر «إعلان توبة» مدفوع الأجر فى صحيفة «الأخبار»، أعلن فيه توبته عن القراءة بالطريقة الفريدة التى اختطها لنفسه، حتى سمح له الأزهر بإصدار شرائط كاسيت مثل غيره من القراء!

ومن باب الحقيقة المؤسفة أن التهجم على «مسلم» كان جزءاً من معارك على جمع المال دارت بين قراء ذلك الزمان، لا يصح الخوض فيها، وإن كان الشيخ محمود الطبلاوى وهو «العصامى الثانى» فى دولة التلاوة، قال إنه كاد يتعرض للموت بفنجان قهوة مسموم دسه أحد منافسيه من القراء فى صوان عزاء، لولا أن صبى البوفيه اصطدم بالفنجان فأسقطه!

وذات مرة كان أحد محبى «مسلم» يحمّل تسجيلاً له من أحد مواقع الإنترنت، ورأى تحت التسجيل تعليقاً كتبه شخص ما بالإنجليزية، راجياً إمداده بلينكات تسجيلات أخرى للشيخ، وترك الرجل الإيميل الخاص به.

وفوجئ صاحبنا بأن هذا الشخص أستاذ مادة الهندسة النووية فى «جامعة لاهور» الباكستانية، وأخبره الرجل أنه وأصدقاءه وأبناء قبيلته نبلاء «آل خان»، مفتونون بهذا «الشيخ العجيب المغرد خارج السرب»!

 


مواضيع متعلقة