"بلد أبو صلاح"| جاهين.. "5 صنايع والبخت مش ضايع"

"بلد أبو صلاح"| جاهين.. "5 صنايع والبخت مش ضايع"
5 صنائع الحظ فيهم وفير، ترك نفسه لها، لم يكبد حاله عناء الاختيار، ذهبوا به كما شاؤوا حتى انتصرت واحدة، ولمع نجمه بها دونًا عن الأربع الباقية، وأخيرا هدأ من اللهث وراء الأفكار المتشعبة ورضخ لـ"الشعر"، الذي بروّز اسم كاتب صار له ثقل وجمهور عريض، صار "صلاح جاهين".
التمثيل جذبه وكل الظروف عارضته بدءا من الخوف حتى تحكمات الأسرة، فكان يغوى التمثيل حتى رآه أمرًا مخيفًا ومصيرًا غير مضمون، وطبيعة والدة جاهين الدرامية، جعلها تتخيل ابنها يُطرد من مسرحٍ لآخر حتى يُحبط، ولا يجد أمامه سبيلا غير المقاهي، ليغرق في همومه، ولا يجد أمامه غير الشراب ونيسًا، فرفضت هذه الطريق، أو مجرد التفكير فيها، أو الانصياع لها باعتبارها مضيعة للوقت، كما روى في لقاء "أوتوجراف" مع طارق حبيب.
لم يتركه شبح التمثيل وراوده بعد سنين طويلة حينما تحكمت الرغبة مع الظروف، ويلفت نظر صديقه المخرج صلاح أبو سيف، بميوله الاستعراضية، إذ لم يجد أبوسيف والمؤلف يوسف إدريس، شخصًا غير جاهين، يصلح لتأدية دور بعينه في فيلم "لا وقت للحب" الذ أنتج عام 1963، وشارك جاهين في 3 أفلام غيره.
"لما بطلت أمثل بقيت أرسم أطلع اللي جوايا، حاجات درامية فيها حشود وناس وتعبيرات وديكور حاجات تشبه المسرح، واتجهت إلى الكاريكاتير"، تلك الموهبة التي غلبت مواهب جاهين الأخرى في فترة ليست بقليلة خلال حياته، وصار لها نصيب الأسد في صاحبها الذي عشقها من عشقه للصحافة، تلك المهنة التي صادق أساتذة فيها، يقضي أوقاته معهم، حتى صارت الصحف والكتاب والطباعة جزءا لا يتجزأ من أداء يومه، حتى بدأ "يوضب صفحات" بعينها، أو يرسمها.
وذات يوم أراد تزيين الصفحة التي بيديه ببعض الرسوم، يقول: "ولأني كسول وبعمل الحاجة في آخر لحظة فبرسمها بسرعة جدا، بقت تطلع كاريكاتير"، ونصحه صديقه بالاندماج في رسم الكاريكاتير "خطوطك فيها خفة وعندك حس فكاهي"، حتى تلقى عرضا من أحمد بهاء الدين، مدير تحرير "روز اليوسف"، لرسم كاريكاتير بصحيفتهم، وهو ما شرع فيه وبرع، حتى استقر به الحال في صحيفة "الأهرام"، وأسس فيها بابًا ثابتًا يُتابع يوميًا.
النسيان كان يعتبره متعة عظيمة، يكشف: "مخي يطق لو تذكرت كل اللي عدى عليا"، فنسى جزءا كبيرا مما كتبه، لدرجة أنه أحيانا كان يسمع شخصًا يغني وتعجبه الكلمات، "يقولولي ما أنت اللي كاتبها"، عندما بدأ الكتابة نشدت له نجاة الصغيرة وفايزة أحمد، إلا أن أغنية "غيرك أنت ماليش" لشهرزاد كانت الأقرب لقلبه، وتلتها العديد من الأغاني التي انتهت إحدى مراحلها بأغنية صباح "أنا هنا يا ابن الحلال"، ثم بدأ يكتب ما لا يعجب لجنة النصوص، مثل أغنية "ولد وبنت كل الجنينة، ولد وبنت يا حب حاسب ده هنا وردة، ولد ووردة بنت"، وبرر الشاعر الكبير أحمد رامي عدم إجازتها، بأنها "مباشرة دون ستار"، وكان رد جاهين: "بس أنا بحب الحاجات اللي على بلاطة، إذا قنعنا جميع المشاعر في النهاية سنغرق داخل الأقنعة، التي نرتديها على وجوههنا".
لم يكن ينتوي نشر دواوينه، قد يكون كسلًا، حتى فوجئ ذات يوم بالشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي وزوجته، بمساعدة نجله بهاء، بأخذ تلك الدواوين ويتوجهون إلى الهيئة العامة للكتاب، ليجمعوا في مجلد واحد.
موهبة التأليف أو التمثيل للمسرح غلبت عليه، خلال فترة من الفترات، فتحمس للمسرح وقدم أعمالا ثم هجره، معتبرًا أن سبب عدم استمراره فيه قد يعود إلى أنه زاوله في فترة خاطئة، تلك التي أعقبت أحداث النكسة عام 1967، وكان يعمل بمسرح القطاع العام الذي تموله الدولة، وبالطبع كانت في تلك الفترة كل موارد الدولة موجهة للتسليح والجيش، فبدأت كل المسارح تقلل إنتاجها.
"مؤلف وسيناريست في السينما"، جملة أخافته فهو يفضل كتابة الأغاني أو حتى برنامج غنائي، دون أن يؤلف سيناريو فيلم طويل، وما إن خاض التجربة حتى برع في كتابة أفلام "شفيقة ومتولي" و"خلي بالك من زوزو" و"أميرة حبي أنا"، حتى صارت له طقوسه السينمائية، كالحديث "في أي كلام فاضي"، وهو ما وصفه بـ"عبث الأطفال"، فكانت العلامة السابقة دليلا على موهبته في الكتابة السينمائية، وأرجع سببها لنظرته في الفن، بأنه في جوهره نوعا من اللعب، مثل الرياضة البدنية، مؤكدا: "مكنتش أعرف إني ممكن أعمل كدة، بخاف منها".
لم يتوقف جاهين عند هذا الحد، بل شارك في إنتاج عددا من الأفلام، منها ما يزال يذكر ويعرض، رغم سنوات طويلة، وهي أفلام "أميرة حبي أنا" بطولة سعاد حسني، و"عودة الابن الضال" بطولة محمود المليجي وشكري سرحان.