الشيخ مصطفى إسماعيل.. «عندليب القرآن»
الشيخ مصطفى إسماعيل
لم يكن هذا اليوم الموافق 17 يونيو 1905، كغيره من الأيام، فقد جاء إلى الدنيا طفل سيأخذ بعقول وقلوب ملايين البشر على مر السنين.. فهنا فى قرية ميت غزال بالغربية ولد الشيخ مصطفى إسماعيل.
فى سن مبكرة حفظ القرآن الكريم، قبل أن يلتحق بالمعهد الأزهرى فى مدينة طنطا، ظهرت موهبته فى قراءة القرآن مبكراً، وفى عام 1944 انضم إلى رابطة القراء برئاسة الشيخ محمد الصيفى.
«الصيفى»، وما أدراك ما الصيفى، أعجب بالمقرئ الشاب، وطلب منه المشاركة فى إحياء ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ليقرأ مصطفى إسماعيل فى العام نفسه بالإذاعة المصرية.
ربما لم يُجمع المتابعون المختصون أو «السمّيعة» من عامة الشعب على موهبة مثلما أجمعوا على مصطفى إسماعيل، الذى يمكن بارتياح شديد وصفه بأنه «عندليب القرآن الكريم»، كما كان معاصره عبدالحليم حافظ عندليب الأغنية، ولِمَ لا وقد خطا الشيخ بعلم وفن التلاوة القرآنية خطوات غير مسبوقة، فلم يكن يعتمد على حلاوة صوته فقط أو إتقانه علم القراءات، بل أتقن فن المقامات الموسيقية، ليقدم لنا مزيجاً من تلاوة القرآن لم يسبقه إليه أحد، يجمع بين الموسيقى وحلاوة الصوت وخشوعه، والتحكم فى القرار والجواب، والنبرة، والسرعة والبطء بما يناسب طبيعة الآية القرآنية وسياقها، وكأنه يعزف لحناً بحنجرته الفريدة.
وبعد صولات وجولات داخل مصر وخارجها، أبدع فيها الشيخ مصطفى وأمتع مستمعيه، وتلا القرآن الكريم بعدة قراءات فى أكثر من 30 دولة عربية وإسلامية وأوروبية، منحه الرئيس جمال عبدالناصر فى عام 1956 وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، وفى عام 1966 منحته الجمهورية اللبنانية وشاح الأرز الذهبى، وكذلك ماليزيا، كما نال شهادات تقدير من عدة دول، بخلاف الأوسمة التى مُنحت لاسمه بعد وفاته.
الكاتب والأديب الساخر محمود السعدنى، قال فى كتابه «ألحان السماء»، إن الفرق بين مصطفى إسماعيل والشيخ محمود خليل الحصرى مثل الفرق بين أستاذ الأدب فى الجامعة وبين الأديب نجيب محفوظ، وهو الفرق نفسه بين المدرب محمود الجوهرى واللاعب محمود الخطيب فالأول مدرس والثانى فنان ومبدع.
«السعدنى» كتب أن الشيخ مصطفى هو الوحيد الذى قلده 90 من قراء القرآن الكريم الذين جاءوا من بعده لأنه يؤدى السهل الممتنع فهو مثل بيرم التونسى فى الزجل ومحمد التابعى فى الكتابة الصحفية وسيد درويش فى الموسيقى، ووصفه بأنه مثل الذهب المسبوك.
ومع كل الأوسمة والأوشحة التى تقلدها الشيخ مصطفى، فربما بقى لقب «عندليب القرآن» الذى منحه له عامة الشعب ومنهم كاتب هذه السطور هو أغلى وسام على صدره.
وبعد رحلة عامرة بالإيمان انتقل الشيخ مصطفى إلى جوار ربه فى منزله بالإسكندرية مساء 26 ديسمبر 1978.. بعد أن قرأ قراءته الأخيرة فى افتتاح مسجد البحر بدمياط بحضور الرئيس أنور السادات.. رحم الله شيخنا بقدر ما أمتعنا بحلاوة التلاوة ورشاقة الترتيل.