بالصور| العسل الأسود.. «الحلو اللى خارج من عرق جبين الفلاحين»

بالصور| العسل الأسود.. «الحلو اللى خارج من عرق جبين الفلاحين»
- إشعال النار
- العسل الأسود
- المرحلة الأخيرة
- المشرف العام
- تسويق منتجات
- توريد القصب
- أرض الطيبين
- قنا
- محافظة قنا
- قصب السكر
- القصب
- إشعال النار
- العسل الأسود
- المرحلة الأخيرة
- المشرف العام
- تسويق منتجات
- توريد القصب
- أرض الطيبين
- قنا
- محافظة قنا
- قصب السكر
- القصب
حركة لم تهدأ طيلة اليوم داخل ساحة واسعة افترشتها أشعة شمس الظهيرة، نتج عنها ضجيج عم كافة أرجاء ذلك المكان الممتلئ عن آخره بأكوام قصب متراصة بجوار بعضها البعض، على اليمين واليسار منها كانت غرفتان قصيرتان بعض الشىء، مسقوفتان بالخشب الذى لم يمنع انبعاث الدخان منهما، حيث أماكن تصنيع العسل الأسود، داخل واحد من بين ما يزيد على 20 مصنعاً آخر فى قرية «الغربى بهجورة»، التابعة لمركز نجع حمادى بمحافظة قنا.
يعد مركز نجع حمادى أحد أهم المراكز على مستوى محافظات صعيد مصر فى تصنيع العسل الأسود من قصب السكر، وتكثر فيه المصانع التى تعمل فى هذا المجال بصورة كبيرة، وينشط عملها فى مواسم حصد القصب من كل عام، ما يجعلها قبلة التجار المريدين لشراء العسل الذى يغزو كافة أسواق الجمهورية فيما بعد، ليكون «عسل نجع حمادى» اسماً يتفاخر به البائعون أمام زبائنهم.
هذا ما أكده صبحى يونس، صاحب الـ35 عاماً، والمشرف العام على مصنع العسل الأسود الذى زارته «الوطن»، بينما كان واقفاً فى منتصف ساحة مصنعه، يشرح لنا طريقة التصنيع التى تعلمها منذ أن كان طفلاً وما زال يعمل بها رغم تخرجه فى كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، تبدأ الحكاية مع كل «كسرة قصب» حيث يتعاقد صاحب المصنع مع بعض المزارعين لتوريد القصب إليه، وما أن يصل القصب إلى المصنع عبر جرارات كبيرة حتى يتم وضعه فوق بعضه البعض على شكل جبال صغيرة الحجم تستخدم تباعاً فى التصنيع.
بين غرف التصنيع وأكوام القصب كان ذلك «الكبّاش» بمغرفته كبيرة الحجم، يقوده شاب فى بدايات عقده الثالث، يقطع المكان جيئة وذهاباً، يروح فى اتجاه المصنع بحمولته الكبيرة ويغدو ناحية أكوام القصب مرة أخرى ومغرفته فارغة، بعد أن وضعها أمام العاملين الثلاثة أعلى جدار المصنع، وقفوا بجوار بعضهم البعض، يناول كل منهم الآخر، لإدخال القصب فى العصارة المخصصة له، حيث أولى خطوات تصنيع العسل الأسود، حسب «صبحى».
هنا يتحول القصب إلى عصير، ويصب عبر مجرى مخصص لذلك داخل غرفة التصنيع التى يطلق عليها «صبحى» اسم «المطبخ»، ويتم تجميع عصير القصب داخلها فى حوض كبير من الطوب، فى انتظار وضعه على النار لاستخراج العسل الأسود منه، بينما تذهب «مصاصة» القصب إلى مكان آخر أمام غرفة الطبخ، فى أكوام مشابهة لأكوام القصب، حيث يتم استخدامها فى المساعدة على إشعال النار التى تستخدم لتصنيع العسل.
درجة الحرارة المرتفعة داخل «المطبخ» كانت واضحة على وجه «صبحى» الذى تصبب عرقاً، حيث تتكون الغرفة، بالإضافة إلى حوض العصير الخام، من ثلاثة أحواض دائرية كبيرة الحجم من النحاس، يتنقل بينها عصير القصب واحدة بعد الأخرى فى درجات حرارة مختلفة تتزايد تدريجياً من واحدة إلى أخرى، حتى يصل إلى المرحلة الأخيرة التى يتحول فيها إلى عسل أسود.
فى البداية يتم نقل العصير من الحوض المخصص له إلى «النحاسة الأخيرة»، حيث درجة الحرارة الأقل بين الأحواض الثلاثة، وتكون عملية النقل يدوية بواسطة جرادل بلاستيكية، ليستقر العصير فى الحوض الأول نحو 5 ساعات حتى يصل إلى مرحلة الغليان فتطفو الشوائب على سطح الحوض ليتم إزالتها بأوانٍ نحاسية موصولة بقطعة طويلة من الخشب، ثم تنقل بعد ذلك إلى الحوض الأوسط بنفس الطريقة، حيث درجة حرارة أعلى من سابقه، ويمكث فيها السائل نحو 4 ساعات أخرى، يتم نقله بعدها إلى الحوض الأول ليستقر فيه ساعتين إضافيتين يتحول فى نهايتهما إلى عسل أسود، ليأتى عمال المطبخ بعدها ويقفوا قبالة بعضهم البعض ويمسك كل منهم بأداة النقل المخصصة لذلك، ويبدأوا فى رفع العسل من الحوض بعد غليانه إلى تلك المصفى المعلقة على طرفه، والتى تقوم بتصفية العسل مما بقى فيه من شوائب ثم تنقله إلى مجرى تصل به إلى غرفة أخرى خارج المطبخ، حيث أحواض كبيرة للتخزين، يظل فيها العسل بضع ساعات أخرى حتى يبرد لتتم تعبئته فى صفائح فى انتظار بيعها للتجار، حسب «صبحى».
رغم بدائية التصنيع التى ما زالت تحكم صناعة العسل الأسود فى محافظات الصعيد، إلا أن «صبحى» يراها أفضل مما كانت عليه فى الماضى، فهناك بعض الأدوات التى تم إدخالها سهلت عملية التصنيع بعض الشىء، كان من بينها طريقة نقل العسل من الحوض الأول بعد انتهاء تصنيعه إلى أحواض التخزين خارج «المطبخ»، فقديماً كان يتم نقلها بالجرادل أما الآن فأصبحت تنقل عبر أنابيب أو مجرى مخصص لذلك بعد تصفيتها، ورغم المجهود الكبير المبذول فى عملية صناعة العسل الأسود، إلا أن «صبحى» لا يرى فى ذلك أزمة، وإنما يرى الأزمة الحقيقية فى المضايقات التى يتعرضون لها يوماً بعد آخر، متمثلة فى المحاضر التى يتم توقيعها عليهم بسبب وبدون سبب، على حد قوله، فضلاً عن غياب بعض الخدمات الضرورية مثل عدم وجود نقطة إطفاء حريق قريبة من المصانع، ما يهددهم بالخطر فى حال حدوث حريق، فضلاً عن الانقطاع الدائم للمياه.
لم يكن لـ«صبحى» حظ العمل بمؤهله، حسب ما يقول، وهو ما جعله يفرّغ نفسه للعمل فى مجال تصنيع العسل الأسود، ولكنه يرى أن هذه الصناعة أيضاً تسير فى طريق ربما يكون مسدوداً ويهددها بالانقراض رغم أهميتها، على حد قوله، لا سيما أن التجار الذى يأتون إليهم فى كل عام لشراء إنتاجهم من العسل الأسود أصبحوا يجبرونهم على الأسعار التى يريدونها، بعد أن يتحد جميع التجار مع بعضهم البعض ضد أصحاب المصانع، فلا يدفع أحدهم سعراً أكبر من الآخر، ما يضع أصحاب مصانع العسل أمام أمر واقع لا يمكنهم رفضه، فإما البيع لهم بالأسعار التى يحددونها وإما خسارة الإنتاج، الأمر الذى جعله ينادى بضرورة أن يكون للدولة دور أكبر فى الاهتمام بمثل هذه الصناعات التاريخية فى مصر، وفتح منافذ أخرى لمصانع العسل الأسود تساعدها فى تسويق منتجاتها بشكل أكبر، فالعسل الأسود، حسب «صبحى»، يمكن أن يتم تسويقه إلى مصانع السكر المنتشرة فى محافظات الصعيد، والتى يمكن أن تقوم هى بتغليفه وبيعه داخل أو خارج مصر، فهذه طريقة يرى فيها «صبحى» الحل الأفضل والأسهل الذى يمكن أن تقوم به الدولة لإنقاذ صانعى العسل الأسود، فى محافظة قنا وغيرها من محافظات الصعيد، من استغلال التجار لهم وإجبارهم على بيع العسل بأسعار منخفضة، حسب قوله.