مواقف من حياة الشيخ محمد رفعت.. وصل للعالمية وعشق الأقباط صوته

كتب: صفية النجار

مواقف من حياة الشيخ محمد رفعت.. وصل للعالمية وعشق الأقباط صوته

مواقف من حياة الشيخ محمد رفعت.. وصل للعالمية وعشق الأقباط صوته

صوت يقف فريدا باهرا استمد تفرده من جذور الأرض عن أصوات الشحاذين والمداحين والندابين والباعة الجائلين.. هو صوت الشيخ محمد رفعت المعروف بصوت الشعب، الذي خرج منه مشحونا بالأمل والألم في نفس الوقت مرتعشا بالقلق والخوف عنيف بحجم عنف المعارك التي خاضها الشعب.

ولد الشيخ محمد رفعت بحي المغربلين في القاهرة في الـ9 مايو عام 1882 وتوفي به في نفس اليوم من عام 1950، وبأحد أحياء السيدة زينب امتلأت أسماع الفتى الضرير بأصوات متنوعة هضمها واستخرج منها صوته الخاص به، الذي نفذ إلى أعماق الناس فأشجاهم وأبكاهم وهز مشاعرهم من أعماقها، ولما لا وقد كان محمد رفعت صادقا في انفعاله وكانت طبقات صوته ونغماته حقيقة مأخوذة من واقع الناس ومن فنونهم وأسواقهم وأفراحهم البسيطة وأحزانهم العنيفة ومعاركهم القاسية مع الحياة.

فكان الشيخ محمد رفعت يقضي أمسيات طويلة يستمع إلى النغم الرائع فظل مخلدا على الزمان واستطاع أن يكون راسخا في عالم الفنون كالهرم خالدا كرسالة الأنبياء، وكان من المصادفة أن اقترن ظهوره بالملحن الشيخ سيد درويش بالتزامن مع ثورة 1919، فراح سيد درويش يلحن صيحات الشعب السياسية والاجتماعية بينما كان محمد رفعت يلحن حياة الشعب الروحية بآيات من الذكر الحكيم.

ويقول الكاتب محمود السعدني في كتابه "ألحان من السماء" الصادر عن دار أخبار اليوم: "ليست هذه مبالغة فرفعت ودرويش كانا زعيمان من طراز سعد زغلول التفت الأمة حولهما كما التفت حول سعد زغلول، وكما التفت حول درويش فقد التفت أيضا حول رفعت، والذي لم يسمع الأقباط قبله إلى قارئ بل إن استماعهم لرفعت كان بشغف وبحب وأعجاب شديد".

ويضيف أن عظمة الشيخ محمد رفعت امتدت إلى خارج الحدود فقد انتهز الضابط الكندي فرصة وجوده في مصر خلال الحرب العالمية الثانية وطلب من مدير الإذاعة أن يسهل له مقابلة رفعت، وعندما قابله قال "لم أكن أعرف أنه أعمى والآن عرفت سر الألم العظيم الذي يفيض به صوته العبقري".

ومن بين مواقف الشيخ محمد رفعت أنه عندما نشب خلاف بينه وبين والإذاعة، انحاز إليه المستمعون لدرجة أن بعضهم هدد بعدم الاستماع إلى الراديو، وهدد آخرون بعدم دفع الضريبة إذا لم تخضع الإذاعة لرغباته.

فضلا عن قصته الشهيرة مع الهندي عثمان حيدر أباد أغنى وأبخل رجل في العالم الذي دعاه أن يحضر إلى الهند مع حاشيته بأجر 100 جنيه في اليوم الواحد وتكفل بنفقات الرحلة والإقامة إلا أن الشيخ محمد رفعت رفض العرض وفضل إحياء ليالي الفقراء بالمجان، فأصبح بطلا شعبيا ينسج الناس حوله قصصا مثل عنترة وأبو زيد الهلالي.

وعندما كان محمد رفعت يقرأ في مسجد "فاضل باشا" لم يتصايح أحد أو يرفع صوته كما يفعل المستمعون اليوم مع مشاهير القراء، فكأن فن رفعت الأصيل يجبرهم على الصمت ويقيدهم في أماكنهم يتحملوا فوق طاقتهم من ضيق المكان وحرارة الجو ليستمتعوا بالصوت العذب الجميل.

وعندما توفي الشيخ محمد رفعت توافد على مأتمه الآلاف من مختلف البلاد ولم يكن لهم صلة به إلا التقدير والإعجاب، فعندما سمع مفتي سوريا الخبر تبللت لحيته من البكاء، وقال رحم الله شبابه فقد جدد شباب الإسلام، ولا يزال الكثيرون يزورو قبره في صمت ويقرأوا الفاتحة على روحه إلى الآن.


مواضيع متعلقة