بصمة صوت| بليغ حمدي.. مزيكا بطعم مصر

كتب: هدير ناجي

بصمة صوت| بليغ حمدي.. مزيكا بطعم مصر

بصمة صوت| بليغ حمدي.. مزيكا بطعم مصر

بين أحياء شبرا شب صبي صديقه العود، في بيت بالغ المصرية تفوح منه رائحة الطعام، ممتزجًا بصوت من تعده تشدو بأغاني الفلكلور الشعبية التي لم تعرف طريقا للميكروفون أو للمسرح، بل تناقلتها جلسات السيدات على مر الزمن لتصل إلى أم بليغ حمدي فتترسب في ذاكرته وتنبت أحد أساطير النغم، يعترف بفضلها ما إن سأله المذيع منير الجبان، في برنامج عالم الإنسان عن أجمل صوت سمعه بليغ حمدي الذي ولد في 7 أكتوبر ١٩٣٢، ليستبق الإجابة قبل نهاية السؤال قائلًا "أمي، كانت تغني الشعبيات طول ما هي قاعدة سمعت منها كتير وحفظت منها كتير".

"بعد نص ساعة حسيت إني اعرفها من زمان، وبعد أسبوع واحد متخيلتش إني هبدأ بروفات مع أم كلثوم"، دار "عبقري النغم" يحكي  في العديد من اللقاءات التليفزيونية عن اللقاء الأول بينه وبين الست بإحدى سهرات أبيه الروحي، محمد فوزي، حيث دعاه فوزي لغناء آخر ألحانه فأخذته المفاجأة حتى استجاب لنداء الست "تعالى جنبي هنا"، ليبدأ في غناء مذهب "حب إيه" فيحجز بها مقعدًا أمام أم كلثوم في زيارة لمنزلها دعته إليها في اليوم التالي لتسمع نفس اللحن.

يفاجئ الشاب العشريني صديقه مؤلف الأغنية بتليفون يدعوه لمنزل الست فيرد عبد الوهاب محمد "هنهزر على الصبح!"، لتتدخل كوكب الشرق ممسكة بالسماعة "يا عبد الوهاب أنا أم كلثوم، خد تاكسي وتعالى"، ليُكتب بذلك جواز سفر ألحان الشاب إلى العالم العربي أجمع عبر أكبر بواباته الفنية، صوت "كوكب الشرق".

"الشعبيات دي ليها شجن وإيقاع خاص بداخلي"، هكذا طعّم بليغ الموسيقى العربية الكلاسيكية بجُمل شعبية حملتها أصوات نجوم الغناء بالستينيات وحتى التسعينيات، فتظل الإيقاعات الخلفية لصوت نجاة في "ليلة من الليالي" عالقة بالذاكرة بجانب خفة صوت صباح على أنغام "زي العسل"، كما وجد ضالته في صوت محمد رشدي فكانت رائعته "عدوية"، ولم يترك مخزون الموشحات الدينية بداخله بل أخرجه في أول فرصة، وأول لقاء مع الشيخ النقشبندي بـ15 لحنا.

ولا سيما محطاته مع العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ الذي أفرد مساحة أكثر رحابة مما أفردتها كوكب الشرق لبليغ في مزج مخزون الشعبيات لديه في جُمل موسيقية شكلت وجدان المصريين عددها مع المذيعة أماني ناشد بأحد برامج ماسبيرو في "أنا كل ما أقول التوبة"، و"زي الهوا"، بالإضافة لأغنياته الوطنية، مؤكدًا بتحيز "هي دي مصر، وهو ده غُنانا".

جرحان وحلم انطوى عليها قلب بليغ حمدي، ولم يصرح بها في لقاءاته الإعلامية إلا بكلمات قليلة مقتضبة، جرح الوطن ومنفاه على خلفية قضية مقتل سميرة مليان، وجرح وردة، الحبيبة والبعيدة، يكفي دويتو قصير لهما يغنيان فيه "العيون السود" حتى يرى قلبك الحكاية برمتها.

أما الحلم فكان المسرح الغنائي، فبعد تجربته الساطعة في "ريا وسكينة" قال بليغ لمقدمة البرنامج "اتمنى أقضي بقية حياتي في المسرح، ولو عندي فلوس كنت صرفتها عليه لكن معنديش"، مضيفا: "عايز أعمل إخناتون على المسرح، الشخصية اللي العالم كله عارفها وبيدرسها في التاريخ"، ولكن القدر لم يمهله الزمن لتحقيق الحلم فرحل وبقيت نغماته في 1993، بعدما أثرى سماء الغناء بنجوم تلمع حتى يومنا هذا.


مواضيع متعلقة