أوراقهم تحكي| 3 وجوه لـ خالد محيي الدين بطفولته.. صوفي أرستقراطي مشاغب

أوراقهم تحكي| 3 وجوه لـ خالد محيي الدين بطفولته.. صوفي أرستقراطي مشاغب
- خالد محي الدين
- أوراقهم تحكي
- ثورة يوليو
- الضباط الأحرار
- 23 يوليو 1952
- جمال عبدالناصر
- الصوفية
- التكية
- كفر شكر
- خالد محي الدين
- أوراقهم تحكي
- ثورة يوليو
- الضباط الأحرار
- 23 يوليو 1952
- جمال عبدالناصر
- الصوفية
- التكية
- كفر شكر
رجل عسكري وثوري، انغمس في العمل العام والسياسي، حياة صاخبة باللقاءات والأحداث المهمة عرفها من عاصرها ومن قرأ عنها فيما بعد، ووراء الشخصية الهادئة التي خاضت معارك نقاشية ومصيرية نشأة صوفية أرستقراطية مشاغبة أثرت شخصية خالد محيي الدين.
واحدٌ من تنظيم الضباط الأحرار، وانضم إلى الخلية الأولى التي عقدت اجتماعها الأول في النصف الثاني من العام 1949، وعضوًا أساسيًا في ثورة 23 يوليو 1952 وما تلاها والذي رحل عن عالمنا في 6 مايو 2018، وفي مذكراته "والآن أتكلم" التي نشرها قبل 26 عامًا، عاد بذاكرته إلى ذكريات طفولته التي بدأت من "بيت شرقي ساحر... لمي كن بيتًا عاديًا، إنه تكية السادة النقشبندية، هنا قبر الجد الأكبر لأمي الشيخ خليفة "محمد عاشق"، وهنا أيضًا مسجده، ودارويش الطريقة النقشبندية يشغلون الدور الأول من التكية، وأنا ووالدتي وجدي الشيخ عثمان خالد، شيخ الطريقة وناظر الوقف، نشغل الدور الثاني".
باسم جده لأمه سُمي، وفي رحاب التكية عاش طفولته يلهو في حديقتها ويستمتع بعبق حياة دينية سمحة وهادئة، متذكرًا المسجد الذي يعلو فيه الآذان ـ كل يوم ـ خمس مرات، ودراويش التكية وهم معهم يصلون ويذهب هو لمدرسته وجده يشرف على شؤون الدائرة في الغرفة المسماة بالديوان، والدراويش يحيون حياة تعبد تثير الاهتمام "بل لعلها هي التي ألهمتني وحتى الآن هذا الإحساس الرفيع بالتدين السمح المتفاني في حب البشر".
وفي رحاب هذا العبق الديني قضى طفولته، بينما جانب آخر شكّل طفولته في كفر شكر بمحافظة القليوبية حيث كان يقيم والده، ليشرف على زراعة الأرض لثلاثة أيام في الأسبوع تقريبا ثم يأتي ليقيم معهم، وعندما تنتهي أشهر الدراسة ينطلق "خالد محيي الدين" إلى كفر شكر ليقين بجوار المضيفة في بيت العائلة، فالحيالة هناك تبدو مختلفى فالجد محيي الدين تاجر ومزارع شاطر، تاجر في القطن على زمان الحرب الأهلية الأمريكية وكسب كثيرًا،وفي كفر شكر اشترى مئات الأفدنة ولما عادت أسعار القطن إلى الانخفاض تحول إلى زراعة الفاكهة، ويرتبط اسم محيي الديين بكفر الشكر فهو الذي أدخل فيها زراعة العنب والمانجو والبرتقال.
وعلى الرغم من تميز الأسرة ببعض الثراء، فإن "المضيفة" أتاحت له خلال أشهر الصيف الاندماج بشكل شبه كامل مع أبناء الفلاحين "كنا نلعب الكرة الشراب معا بحماس قادر على إزاحة أي فوارق طبقية".
كان كثيرا ما يحلق في خيال خالد محيي الدين، أنه ماذا لو كان واصل رحلته مع الطريقة النقشبندية، فعندما توفي جده عثمان خالد وكان أيامها ضابطًا بالجيش عرضوا عليه مشيخة الطريقة من بعده "لكن عبق الدراويش كان قد اجتذبني نحو التعبد في طريق أكثر رحابة، خدمة الوطن والشعب ككل، واعتذرت عن تولي المشيخة وتولاها ابن خالتي".
لكن الطفل الذي نشأ في التكية لم يكن بعيدًا عن السياسة حيث نفذت إليه من مظاهرات 1931، حينما كان في التاسعة من عمره عندما شاهد صخب المتظاهرين وتصادمهم مع البوليس.
وبدأ يتابع نقاشًا صاخبًا دار بين أبيه الساخط على مظاهرات المعادين لصدقي حيث يشعر بالامتنان لصدقي، الذي أنقذ المزارعين من ديون تراكمت بحيث استحال سدادها، وخاله العائد لتوه من فرنسا حيث حصل على ماجستير في الاقتصاد فكان معاديًا لصدقي منددًا بدكتاتوريته متشددًا في المطالبة بالدستور، لم يكن يعي أكثر النقاش لكنها كانت اللمسات السياسية الأولى التي ظلت متبقية في ذاكرته.
"الطالب المشاغب"، هكذا وصف "محيي الدين" وصف نفسه بذلك إثر فعلته في الكلية الحربية، حيث ذات يوم همس طالب من دفعتي هو مجدي حسنين في أذنه: "شايف اليافطة دي؟"، وكانت لافتة من الورق مثبتة على باب المستشار البريطاني مكتوب عليها بالإنجليزية "المستشار العسكري البريطاني" وتهامسا طويلا.
وبدأت مشاعرهما تتقد ضد لافتة من الورق مكتوب عليها بالإنجليزية، وفي سرية تامة أعدا لافتة أخرى مكتوبة باللغة العربية، وفي المساء تسللا معا لنزع اللافتة الإنجليزية وثبتا مكانها اللافتة العربية، وعاد إلى سريره ولم يستطع النوم إلا قليلًا "شيء ما يغلي في داخلي ضد الوجود الإنجليزي في الكلية، بعض الخوف يتسلل إلىّ: ماذا لو اكتشفونا؟، وظللت طوال الليل أخمن.. ماذا سيحدث في طابور الصباح؟"، وفي الصباح لم يحدث شيء، فقد شاءت إدارة الكلية ألا تضخم هذا العمل وألا تجعل من هذه المشاغبة حديثًا مسموحًا به بين طلاب الكلية، ومر الحادث بسلام.