اغتيال فاشل وضد الإعدام السياسي.. دماء رفض محيي الدين ربطها بتاريخه

كتب: سلوى الزغبي

اغتيال فاشل وضد الإعدام السياسي.. دماء رفض محيي الدين ربطها بتاريخه

اغتيال فاشل وضد الإعدام السياسي.. دماء رفض محيي الدين ربطها بتاريخه

إنهاء حياة إنسان أو سفك الدماء، أمران قد تميل النفوس عن التمسك برفضهما، وهما واقعتان مرّ بهما خالد محيي الدين قبل أن يكون في موقع السلطة وآخر وهو من بين صناع القرار، وفي واحدة منهما مال للهوى والأقدار أبت إشراكه بسفك دم، والأخرى رفضتها مبادئه وأعلن رفضًا مطلقًا له، وذكر الواقعتين في مذكراته "والآن أتكلم" التي نشرها قبل 26 عامًا.

اعترف محيي الدين أنه قد تأثر لفترة بفكرة الاغتيالات، وبالفعل في عام 1946 حاول وزاد عليه تعبير "ربما في تردد" أن يسهم في محاولة لاغتيال أحد المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ، لأنه حاول الاستعانة بالإنجليز ضد الحكومة المصرية، فيروي اقتراح زميله حسن عزت بحكم علاقة الصداقة القوية القديمة بينهما بالتخلص من هذا الرجل الذي روى كيفية ترشحه في انتخابات مجلس الشيوخ عن دائرة بولاق، ولما زار اللورد ستنجست مصر توجه إليه هذا المرشح واشتكى له من أن الحكومة تحاربه في الانتخابات وطلب تدخله لوقف الحكومة المصرية عند حدها.

اعتبر الرجل خائنًا ولح "عزت" على ضرورة التخلص منه ليكون عبرة لكل الخونة "ولست أخفي أنني احتقرت الرجل وفعلته، لكن الوازع الديني الكامن دوما في أعماقي كان ينفرني من فكرة سفك دم إنسان مهما اختلفت معه، وظل حسن عزت يلح علىّ حتى قبلت".

كان دور محيي الدين في العملية ليقتصر على أن يشتري سيارة، ويقودها بينما يقوم عزت بعملية الاغتيال ثم يركب السيارة ليسرع محيي الدين به هاربًا، واشترى خالد السيارة وذهب وانتظر في السيارة مترقبًا وصول الرجل، ويصف المشهد الذي لم يمر عليه مرور الكرام "كانت نوازع عديدة تعتصرني: وزاعي الديني، وأحاسيسي الوطنية الدافقة، والفهم المشوش وغير المستقر لفكرة النضال الوطني واستمرت هذه الصراعات تعتصره بينما الوقت يتحرك بطيئًا بل لعله لم يتحرك أصلا، ولكن الرجل لم يحضر.. وفشلت المحاولة".

تلك كانت المرة الوحيدة التي سعد فيها محيي الدين سعادة غامرة لأنه فشل في تحقيق هدفه "والحقيقة أن عوامل الصراع النفسي العاصف التي حاصرتني وأنا قابع في السيارة في انتظار الهدف قد حصنتني فيما بعد إزاء فكرة الاغتيالات، وقررت أن أرفضها رفضًا مطلقًا".

في أثناء البحث عن مخرج دستوري لتولي مجلس قيادة الثورة مقاليد الحكم وإعلان مجلس الوصاية بعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952، وقعت أحداث كفر الدوار، حيث استيقظ خالد محيي الدين من نومه على خبر أن حركة مضادة للثورة نشبت في كفر الدوار، وأن العمال يشعلون الحرائق، ليقول إن رأيًا عامًا قد تكوّن سريعًا ضد إضراب كفر الدوار، وشُكّلت محكمة عسكرية برئاسة عبدالمنعم أمين وأصدر قرار تشكيلها محمد نجيب بصفته قائدًا للجيش، وأصدرت المحكمة حكمًا بالإعدام على عاملين هما: "خميس والبقري".

وفي مذكراته "والآن اتكلم"، يتذكر محيي الدين أن نجيب كان أكثر الجميع حماسًا لإعدامهما، وانقسم "مجلس القيادة": نجيب ومعه الأغلبية يطالبون بالضرب من حديد حتى يرتدع الجميع، وكانوا يتكلمون من منطلق أن الإضراب هو جزء من حركة معادية للثورة، وأننا لو تساهلنا إزاء هذا الأمر لضاعت الثورة وضاع البلد، بينما "خالد" وعبدالناصر ويوسف صديق وزكريا كانوا ضد الإعدام، وحجتهم أن الإعدام سيفتح الباب أمام إراقة الدماء، وأنه لا مبرر لأن تصطبغ حركتهم بالدماء، ولكن الأغلبية في المجلس صممت على موقفها رغم سيل البرقيات الهائل الذي انهمر عليهم من الخارج مطالبًا بعدم تنفيذ حكم الإعدام.

تكرر المشهد في قضية لملوم، وتعود واقعة عدلي لملوم وهو شاب من أسرة إقطاعية حاول أن يستخدم القوة لمنع تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي، بعد عدة أشهر من إعدام خميس والبقري، وصمم بعض أعضاء القيادة على إعدامه أيضًا، يقول عنهم محيي الدين: "لعل هذا البعض خيل إليه أن يلعب لعبة التوازن بأن يُعدم شاب من أسرة إقطاعية مقابل إعدام اثنين من العمال"، ولكن وقف محيي الدين ضد حكم الإعدام، إلا أنه نُفذ في خميس والبقري، وسط صيحات الاستنكار العالمية "ومع شعور عميق لدىّ بالضيق والغيظ لتورط الثورة في إعدام مواطنين، والأخطر لأن هذين المواطنين من العمال"، وحسم محيي الدين أمره من البداية بينه وبين نفسه وهو ألا يوافق على إعدام أي شخص لأسباب سياسية.

وعند مناقشة قضية لملوم كان عبدالحكيم عامر هذه المرة ضد الإعدام، وأشار محيي الدين إلى أن عامر نظر إليه وكأنه يسأل عن موقفه، فقال بصوت سمعه الجميع: "إن معارضتي للإعدام لأسباب سياسية محسومة بشكل نهائي، فأنا ضد إعدام عدلي لملوم كما كنت ضد إعجام خميس والبقري"، وأنهى الحديث عن ذلك الاجتماع بإعلانه: "ونجحنا في إيقاف مسلسل الإعدامات".

 


مواضيع متعلقة