بلد أبو صلاح| "عمدة السينما".. منصور "الشرير الطيب"

كتب:  عبدالله علي عبدالله

بلد أبو صلاح| "عمدة السينما".. منصور "الشرير الطيب"

بلد أبو صلاح| "عمدة السينما".. منصور "الشرير الطيب"

حينما يطل بوجهه على شاشة السينما تستشعر أن الشر يتجلى في أبهى صوره، فهو العمدة الظالم أحيانا، والأب الشرس أحيان أخرى، ويمكن أن يعبر صوته فقط عن كل معان القسوة، ولكن لهذا الرجل وجه آخر، يظهر حينما يعود إلى بيته ويختلط بأسرته، بينهم هو إنسان بسيط وأب مكلوم، فتنتابك حيرة يصعب معها فك طلاسم شخصية صلاح منصور، التي أجادت الحب والكره في الوقت نفسه.

"شرير السينما"، لقب استحقه الفنان الراحل صلاح منصور الذي ولد 3 فبراير 1923، بعد نجاحه في أداء الأدوار التي أسندت إليه خاصة في بطولة فيلم "الزوجة الثانية"، ورغم مشاركة كوكبة من النجوم معه فإنه استطاع أن يبرز دوره في شخصية العمدة المستبد "عتمان" الذي يحرم شقيقه من الميراث ويتزوج من خادمته التي طلّقها من زوجها، فيكون عقابه حاضرا عبر شلل يصيب جسده ويرحل قبل أن يرى ولده الذي طالما تمنى أن يرث جاهه.

إبداع ابن مدينة شبين القناطر بمحافظة القليوبية في تجسيد أدوار الشر جعله خيارا يفضله الكثير من مخرجي السينما، على رأسهم حسين كمال الذي لم يجد أفضل منه لتجسيد شخصية الرجل الصعيدي الشرس الذي يقتل ابنته بيده، بعد معرفته بحملها من حبيبها، ويحملها على يديه سائرًا في أنحاء القرية وسط صريخ والدتها وذهول أهل القرية، ثم يرتدي منصور ثوب رئيس المخابرات، في فيلم "وراء الشمس"، والذي يتلذذ فيه بتعذيب الطلاب المطالبين بمحاكمة المتسببين في النكسة، بالوسائل كافة ليعترفوا باتهامات لم يرتكبها أحدهم.

لم يقتصر نجاح "عمدة السينما" في تجسيد أدوار الشر على شاشة الفن السابع فقط، بل كان صوته كافيا ليؤدي دورا شريرا في الإذاعة، ويشهد على ذلك دوره في المسلسل الإذاعي "الدم والنار" الذي جسد فيه شخصية "حمزاوي"، الظالم المستبد، الذي حكم بلدته وتحكم في أقدار أهلها.

المفارقة تتمثل في الوجه الآخر للراحل في حياته خارج الكادر، دوره كأب ومواطن، فكانت له مواقف لا تنسى، نذكر منها عندما بُلغ بخبر استشهاد ابنه في حرب أكتوبر 73، وزع حلويات على جيرانه والمارة في الشارع، فيما كان عناقا حارا من الرئيس السادات كافيا لتنهمر دموع الأب المكلوم الذي تبرع بمكافأة ومعاش ابنه الشهيد لتسليح الجيش المصري.

ابنه الثاني عكس جانبا آخر من حنانه عندما احتاج جراحة عاجلة بالعاصمة البريطانية لندن، ليسارع الأب بالسفر مع ولده وقضاء فترة طويلة معه، ليفاجئ بعدم قدرته على سداد تكلفة العلاج الباهظة، فلا يخجل أن يطلب إلى الرئيس السادات علاج ولده على نفقة الدولة ومد أجل فترة علاجه في "لندن".

المحطة الأخيرة في رحلة "شرير السينما" قضاها موظفًا بإدارة التربية المسرحية بوزارة التربية والتعليم، حيث كان يعمل مستشارًا بها حتى وفاته في صباح يوم 19 يناير 1979 بمستشفى العجوزة، بعد إصابته بالعديد من الأمراض التي كان حريص أن يخفيها عن أسرته وجمهوره حتى اللحظات الأخيرة.


مواضيع متعلقة