تلامذة الخديو «سعيد»
لعلك تذكر بعض الأحاديث التى كانت تتردد أيام انتخابات مجلس الشعب (نوفمبر 2011) حول قيام الإخوان بدفع رشاوى انتخابية مالية وعينية للفقراء فى المناطق الشعبية والعشوائية والقرى، وأنهم لا يتوانون عن شراء أصوات الفقراء مقابل زجاجة زيت أو كيس سكر أو أرز، بل أحياناً بـ«كارت موبايل»! أيامها خرج البعض يهاجم الجماعة ويتهمها باستغلال أوجاع الفقراء وعوزهم من أجل حصد المقاعد البرلمانية، وهو اتهام صحيح لا ريب فيه، لكنه يعكس حالة من التستّر على المشكلة الأكبر: «مشكلة الحاجة» التى لا تدفع هؤلاء إلى بيع أصواتهم الانتخابية، بل إلى بيع قطع من لحمهم، والتنازل عن أبنائهم من أجل الحصول على طعامهم وشرابهم. لم تكن الجماعة بدعاً فى ذلك، بل كانت «ترقص»، مثلما كان «يرقص» الحزب الوطنى «المنحل» على دماء الفقراء. وأكاد أجزم أن كلاً من الإخوان وأبناء «مبارك» يتشاركون فى الرغبة فى استمرار فقر الفقراء وعجزهم، حتى تسهل قيادتهم، لأنهم يؤمنون أن الجهل قرين الفقر، وهم يحتاجون إلى جهل المصريين أكثر مما يحتاجون «علامهم»، فطلاب السلطة فى مصر تلاميذ نجباء للخديو «سعيد» الذى أغلق الكليات العليا التى أنشأها والده محمد على، بمجرد أن تولى الحكم، لأنه كان يؤمن أن «قيادة أمة جاهلة أسلس من قيادة أمة متعلمة»، ولعلك قد لاحظت أن كل الحكومات التى تعاقبت على مصر قبل وبعد ثورة يناير 2011 كانت تصر على عدم الالتفات إلى هاتين المشكلتين الأزليتين فى حياة المصريين: مشكلة الفقر ومشكلة التعليم.
الفارق بين نظرة الفقير إلى الإخوان ونظرته إلى أصحاب السلطة الحالية أو أيام «مبارك» أنه يشعر نحو الجماعة بنوع من التعاطف الذى تؤسسه الجماعة بداخله، استناداً إلى فكرة «المظلومية»، وهو لا يحس -فى المقابل- بهذا النوع من التعاطف نحو أصحاب الكابات الميرى و«البدل» الفخيمة والكرافتات الشيك، لأن من الصعب عليه أن ينظر إلى هؤلاء كمظاليم. وهم فى الأصل لا يحرصون على تقديم أنفسهم فى صورة «المظلوم»، بل العكس! وربما فسر لك هذا سر شعبية الإخوان وذيولهم من الجماعات الإسلامية التى تلعب على فكرة «المستضعفين»، تلك الفكرة التى تأسست عليها الدعوة الإسلامية، حين تحلّق حول النبى صلى الله عليه وسلم، العبيد والموالى والمنبوذون والمهمشون من أبناء مكة الذين كانوا يتعرّضون لأبشع أنواع السحق على يد سادتهم من التجار وأصحاب المال، وقد شاء الله تعالى أن يجعل من هذه الصُحبة المؤمنة التى حملت عبء الإسلام فى بداية ظهوره أئمة فى الأرض، مصداقاً لقوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ». ولعلك تعلم أنه لم يمضِ أكثر من عقد على وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، حتى عادت الأمور إلى سابق عهدها، فاعتلى التجار سدة الحكم من جديد، وعادوا أقوى مما كانوا قبل فتح مكة، وأقاموا دولة الأقوياء من جديد، وعاد المهمّشون إلى حظيرة الطاعة.. وهو درس تعلّمه الإخوان جيداً وطبّقوه بحذافيره عندما آل الحكم إليهم!