ليلة الثلاثاء العاصف

كل من نزل إلى الشوارع ليل الثلاثاء الماضى عاش مأساة مكتملة الأركان. فقد غاصت الشوارع فى بحر لجى يغشاه موج من فوقه موج تثيره السيارات التى تحاول الخروج من «الغريق» إلى بر السلامة دون جدوى. الرعد يزمجر فى السماء والبرق يكاد يصعق من يسير. سيارات تتعطل، ويعلق الراكبون فيها، ينظرون هنا وهناك باحثين عن مخرج وهيهات أن يجدوا. فى منطقة مثل المعادى والتجمع الخامس طمرت مياه الأمطار الأرصفة. تطوع بعض المواطنين وبدأوا فى فتح بالوعات المجارى أملاً فى أن تبتلع جزءاً من المياه، لكن البالوعات كانت مسدودة كالعادة، وستر ربنا أنها لم تفرز أيضاً ما فيها!. تعالت صرخات المواطنين العالقين فى السيارات المعطلة، وصرخات المواطنين الذين لا يدرون أى اتجاه يسلكون. تطايرت يافطات على الطرق فأوجدت تهديداً جديداً للسيارات التى تعثرت وأصبحت تسير بالسنتيمتر، انهارت أسقف بنزينات ومولات شهيرة. وتضاعف رعب الماشين فى الشوارع والكامنين فى البيوت عندما انقطع التيار الكهربائى عن بعض المناطق ليضيف المزيد من المأساوية إلى المشهد.

لا أستطيع أن أحدد تأثير السيول التى ضربت القاهرة منذ يومين على الطرق، لكن التجربة تقول إن أغلب طرق العاصمة لم تعد بشكل يأخذ فى الاعتبار إمكانية سقوط أمطار، وقس على ذلك تخطيط المدن والأحياء الجديدة التى تحولت إلى بيوت تجرى من تحتها الأنهار، وهى مدن وأحياء تم دفع الشىء الفلانى لاقتناء شقة أو فيلا فيها، ورغم ذلك لم تجهز طرقها بشكل يستوعب مياه الأمطار. فى الليلة العاصفة الماطرة (ليلة الثلاثاء الماضى) صرخ الناس كثيراً لكن الحكومة ومسئوليها عملوا «ودن من طين وأخرى من عجين».

الحكومة كانت نائمة. الواضح أن المسئولين لدينا ينامون قبل الثامنة، حين بدأت السيول فى التدفق، وبالتالى فقد تركوا الشوارع «تضرب تقلب» طيلة ساعات، لم يتحرك فيها محافظ، أو رئيس حى، أو وزير مسئول، وكأن المشهد لا يعنيهم من قريب أو بعيد، وكأنهم «مش من هنا.. بل من هناك»!. أين هيبة الدولة المصرية فى حدوتة السيول؟. لقد غرقت القاهرة فى شبر ميّه وطارت الفيديوهات على «اليوتيوب» لتنقل مشاهد الرعب والغرق فى الشوارع «المعزية» إلى كل من هب ودب، ألا يسىء هذا المشهد إلى صورة الدولة والعالم يرى عاصمتها تغرق بهذه الصورة؟. ألا يستحق الإهمال الذى قوبل به الحدث من جانب المسئولين محاسبتهم؟.

الحكومة كانت نائمة، أو ربما كانت تشارك الشعب الطيب ترديد أدعية الرعد والبرق وهطول الأمطار. فقد تسلى الكثيرون برص التدوينات وإرسال الرسائل التى يذكّر فيها المواطن أخاه المواطن بالأدعية التى تقال فى هذا السياق وطلب منه ترديدها. بلد تؤدى حكومته على هذا النحو، وشعب يفكر بعض أبنائه بهذه الصورة لا بد أن يغرق. أعلم أن الحدث سيمر، كما مرت أحداث أخرى قبله، وسينساه الشعب والحكومة بعد ساعات، لكن أخشى ما أخشاه أن العداد أصبح يعد فى بلادنا بسرعة. وإذا كان ذلك هو مستوى الأداء والتفكير فى مواجهة «شوية سيول» تواصلت لساعتين وليس لأيام.. فكيف نواجه ما هو أخطر؟!.