القليوبية.. العسل «المغشوش» يفرض نفسه على الأسواق

كتب: حسن صالح

القليوبية.. العسل «المغشوش» يفرض نفسه على الأسواق

القليوبية.. العسل «المغشوش» يفرض نفسه على الأسواق

بعد أن ظلت القليوبية، لسنوات طويلة، واحدة من أكثر المحافظات إنتاجاً لعسل النحل، حيث تنتشر «المناحل» فى شبين القناطر وبنها وكفر شكر وطوخ والقناطر، بسبب انتشار زراعات الفاكهة والموالح والبرسيم والفراولة، التى تزود النحل بالرحيق اللازم لإنتاج العسل، إلا أن هذه الصناعة بدأت تواجه العديد من العقبات والصعوبات، تسببت فى تكبيد «النحالين» خسائر فادحة، دفعت عدداً كبيراً منهم إلى التوقف عن إنتاج العسل، نظراً لارتفاع أسعار الخامات وتكلفة إنتاج الكيلو الواحد إلى أكثر من 70 جنيهاً، فى الوقت الذى يتم بيعه فى الأسواق بأسعار أقل من ذلك، الأمر الذى فتح الباب أمام ظهور أنواع من العسل «المغشوش»، التى تسربت إلى الأسواق، وفرضت نفسها على التجار والمستهلكين، خاصةً أن سعر الكيلو منها يتراوح بين 40 و60 جنيهاً.

وأمام تراجع إنتاج العسل فى المحافظة، تعالت صيحات العديد من أصحاب المناحل، لمطالبة المسئولين، سواء فى المحافظة أو مديرية الزراعة، لإنقاذهم من الخسائر التى يتكبدونها مع كل موسم «قطف العسل»، فى ظل ارتفاع أسعار خامات الصناعة بنسبة أكثر من 90%، الأمر الذى بات يهدد مهنتهم ومصدر رزقهم، وطالبوا بتوفير أسواق محلية لتسويق العسل ومنتجاته، وتوفير منظومة للتأمين على حياة النحالين، الذين يتعرضون لكثير من المخاطر، وزيادة اهتمام الدولة بإنشاء مراكز البحث العلمى، لدراسة الأمراض التى تصيب النحل، واكتشاف العلاج المناسب لتلك الأمراض، فى ظل معاناة المربين من أجل الحصول على الأمصال لأمراض النحل، حتى لا يخسروا مصدر رزقهم الوحيد.

{long_qoute_1}

ويقول «عيد الشاذلى»، صاحب مناحل بمنطقة شبين القناطر، إنه يعمل فى هذا المجال منذ أكثر من 30 سنة، وتتوارث عائلته المهنة منذ سنوات طويلة، مشيراً إلى أن أهم المشاكل التى تواجه العاملين فى هذه الصناعة، هى قلة المراعى، واختفاء الأشجار المثمرة، التى كانت تزرع على جوانب الطرق العامة، وعلى ضفاف الترع و«الرشاحات»، وكانت بمثابة مراعٍ مثالية للنحل، ولكن مع اختفاء تلك الأشجار، وقلة المراعى، أصبح كثير من النحالين يعتمدون على زراعات البرسيم، إلا أنها لا تكفى للوفاء باحتياج النحل من رحيق الزهور، وطالب وزارة الزراعة بإعادة النظر فى تشجير ضفاف القنوات المائية مرة أخرى.

وأضاف «الشاذلى» أن المبيدات الحشرية، التى تستخدم فى الزراعات المختلفة، تؤثر على أسراب النحل، وتتسبب فى فقدان أعداد كبيرة منها، وأضاف أنه «بمجرد انتهاء موسم البرسيم والذرة، يتوقف الإنتاج، أو نلجأ إلى نقل الطرود إلى مكان زراعة آخر، وهو أمر مكلف، لافتاً إلى أن هناك أزمة أخرى يعانى منها العاملون فى تربية نحل العسل، وهى عدم وجود أى اهتمام بأمراض النحل، ويضطر النحالون إلى التعامل مع هذه الأمراض بمجهوداتهم الذاتية، خاصةً أمراض «الفروة» و«النوزيما»، مطالباً بدعم الهيئات البيطرية للمربين فى علاج أمراض النحل، وتوفير الأمصال والأدوية المطلوبة.

وعن أسعار بيع العسل، أكد «الشاذلى» أن سعر الكيلو يتراوح بين 45 و60 جنيهاً، وهو سعر لا يكاد يكفى لتغطية تكلفة الإنتاج، فى ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، مشيراً إلى ارتفاع سعر طن السكر إلى نحو 10 آلاف جنيه، كما أن «كرتونة الشمع» تضاعف سعرها من 40 إلى 95 جنيهاً، بينما قفز سعر الخشب «البراويز» المستخدم فى تصنيع الخلايا والطرود من 95 جنيهاً، إلى ما يقرب من 350 جنيهاً للجوال الواحد، وقد تسببت كل هذه الزيادات فى تكبيد أصحاب المناحل والعاملين فى صناعة العسل خسائر فادحة، بالإضافة إلى عدم تقديم الدولة أى دعم لصناعة العسل، واحتكار بعض التجار للسوق، مما يضطر الناحلين إلى بيع إنتاجهم بسعر التكلفة.

بينما أكد «عبدالمنعم الجمل»، صاحب منحل بمركز بنها، أن المبيدات الحشرية التى يستخدمها الفلاحون فى زراعة الفاكهة والخضراوات والبرسيم والذرة، تسببت فى إبادة أسراب كبيرة من النحل، فى ظل عدم وجود أى دور للإرشاد الزراعى وأجهزة الرقابة على تلك المبيدات، وناشد المزارعين بعدم استخدام المبيدات الضارة التى تقضى على النحل، للحفاظ على إنتاج العسل، فقد لفت «هانى زريق»، مهندس زراعى، إلى أن صناعة العسل وتربية النحل تواجه صعوبات كبيرة على أرض الواقع، أهمها عدم توافر المراعى الكافية، وعدم الوعى بدور النحل فى الزراعة، وأضاف: «يكفى أن نعرف أن استخدام النحل فى التلقيح ببعض الزراعات، يساعد فى زيادة المحصول بنسبة 30%»، مشيراً إلى أن اختفاء بعض أنواع الأشجار، التى كانت تُعد من المراعى المثالية للنحل، وتوفر له الرحيق طوال العام، أدى إلى تراجع الإنتاج، وزيادة الأعباء على المربين، الذين يضطرون إلى نقل المناحل بين الزراعات، كما أكد أن «ضعف خصوبة التربة، يؤثر أيضاً على إنتاج النحل للعسل».

ومن جانبه، كشف الدكتور أيمن غنية، الأستاذ بمركز بحوث النحل، وسكرتير عام «رابطة مملكة النحل» بكلية الزراعة فى شبرا، وعضو لجنة المليون ونصف المليون فدان، وأحد العاملين فى مجال المناحل، عن وجود منحلين يتبعان مركز البحوث الزراعية فى محافظة القليوبية، أحدهما فى القناطر والآخر فى قها، مشيراً إلى أن ارتفاع تكلفة إنتاج كيلو العسل، والتى تصل إلى 70 جنيهاً، دفعت بعض العاملين إلى «غش» العسل، وبيعه فى الأسواق بأسعار أقل من سعر التكلفة، بدعوى إرضاء العميل، الذى يشترى العسل على أنه طبيعى، ولكنه يكتشف أنه «مغشوش» بعد فوات الأوان.

وأضاف «غنية» أنه يمكن التغلب على مشكلة الخسائر المالية التى يتكبدها النحالون، من خلال تحويل تربية نحل العسل إلى صناعة، لإنتاج طرود النحل وغذاء الملكات وحبوب اللقاح، التى يتم بيعها بأسعار مرتفعة لتعويض خسائر إنتاج العسل، مشيراً إلى أن سعر «الطرد» الواحد قد يصل إلى 350 جنيهاً فى السوق المحلية، و35 دولاراً عند تصديره للخارج، وأضاف أنه تمكن من تطبيق الفكرة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان، وتابع أنه يمكن أيضاً العمل فى إنتاج منشطات بيض النحل، وحبوب اللقاح، والتى تساعد النحل على إنتاج العسل على مدار العام، واعتبر أن أولى الخطوات المطلوبة لإنقاذ صناعة العسل تكون باستيراد سلالات نحل بنوعيات جيدة من الخارج، والاهتمام بتدريب النحالين، ودعمهم بتوفير كميات من السكر لمناحلهم بأسعار مناسبة، وتوفير قروض للشباب، بعد تدريبهم على تربية النحل وإنتاج العسل.

ومن جانبها، وجهت مديرية الزراعة بالقليوبية، من خلال صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، نداءً إلى شركات المبيدات والمزارعين والشركات الزراعية، للتعاون فيما بينهم على حل المشكلة التى تواجه النحالين، بسبب تأثير المبيدات على أسراب النحل، نتيجة استخدام المبيدات السامة على النحل، ورش الزراعات دون وعى، وأشار التحذير إلى أنه نتيجة الاستخدام المبالغ فيه، والاستخدام الخاطئ للمبيدات، فقد تزايد انتشار الأمراض، وتراجع إنتاج المحاصيل، بسبب قلة التلقيح، وقتل النحل، كما تراجع إنتاج العسل، مما يمثل ضرراً بالغاً بأحد مصادر الثروة فى مصر.

 

د.أيمن غنية لحظة تفقده مناحل العسل بالقليوبية


مواضيع متعلقة