من "المجاري" إلى "العسل": رحلة حمدي مع "الأسود"

كتب: عبدالله عويس

من "المجاري" إلى "العسل": رحلة حمدي مع "الأسود"

من "المجاري" إلى "العسل": رحلة حمدي مع "الأسود"

بصوت جهوري يميزه الأطفال والكبار على حد سواء، ينادى «حمدي محمد» على العسل الأسود، يحمل فوق كتفه «بلاص» منه، سال بعضه على ملابسه فشكل نقاطا سوداء متفرقة، وتميز رأسه عمامة أحكم لفها.

في رحلة امتدت لـ20 عاما مع العسل، سبقتها أعوام أخرى من العمل في «المجاري»، يبتسم حمدي وهو جالس على أحد الأرصفة، يريح قدميه من بعد رحلة من اللف في الشوارع، حين يتذكر ماضيه الذي يخفيه على زبائنه، رغم مرور سنوات طويلة عليه، تعود لأكثر من 25 عاما، حين كان يعمل في بالوعات الصرف، والتي ترك العمل بها بعد إصابة في قدمه.

«ماضي كان أسود بلون المجاري، ومستقبل أسود بس بطعم العسل» يضحك الرجل لدى نطقه الجملة، محاولا السيطرة على صوت ضحكه دون فائدة، ثم لا يلبث أن يكمل حديثه: «أنا أصلا من الحوامدية، ولما كانت شغال في المجاري تعبت، وقررت أبطل الشغلانة دي، ودورت على كام شغلانة ملقتش».

كانت النصيحة الأولى من أحد أصدقائه المتعلقة بالعمل، أن يتجه لصب الخراسانات مع مجموعة من العمال، وسريعا ما استجاب للنصيحة، لكن العمل بها لم يستمر سوى لسنوات قليلة لإصابته بالحساسية: «صدري كان بيقفش ومعرفش ليه، لما كشفت الدكتور قالي مينفعكش شغل فيه تراب وأسمنت خالص فاضطريت أقعد».

يقترب منه طفل صغير يضم 3 جنيهات ورقية بيده، ثم يبسط لحمدي يده، فيأخذ منه الجينهات، ويرفع من فوهة «البلاص» ورق مقوي يسد الفوهة خشية التراب، وضع فوقها صفيحة معدنية تملأ ربع كيلو من العسل: «اللي عايز بـ3 ياخد، اللي حابب بـ15 ياخد، كل واحد ومزاجه، مش هقول للبيع لأ».

يشتري الرجل 40 «بلاص» عسل، وبعد انتهاء 40 يوما يعود للشراء من جديد، ويدفع مقابل ذلك 2000 جنيه، دون حساب النقل: «ببيع الكيلو بـ15 وفي بـ10، والشغل المعلب مأثر عليا طبعا، بس هعمل إيه أكل العيش كده، وبقى بيني وبين البلاص عشرة». 3 بنات، واحدة تفصلها سنة عن الحصول على الدبلوم، والثانية في المرحلة الإعدادية، والثالثة تزوجت: «الحمد لله اللي بيرزق عبيده كيف ما شاء».


مواضيع متعلقة