من سوريا إلى العراق ثم تركيا ثم اليونان: رحلة أسرة كردية بحثاً عن الحياة الكريمة

كتب: إمام أحمد

من سوريا إلى العراق ثم تركيا ثم اليونان: رحلة أسرة كردية بحثاً عن الحياة الكريمة

من سوريا إلى العراق ثم تركيا ثم اليونان: رحلة أسرة كردية بحثاً عن الحياة الكريمة

كان يستعد للزواج بعد أن قام بخطبة فتاة جمعتهما قصة حب. هو من أكراد سوريا وهى أيضاً من أكراد سوريا، لكن مع نشوب أحداث الإرهاب والعنف المسلح فى 2011، وجد «سيامند» أن طريقه للزواج سيكون صعباً وسط هذه الأحداث، فكر فى السفر إلى الخارج ليستطيع أن يعمل ويجهز نفسه وشجعته أسرته وحبيبته على ذلك، فسافر وحيداً بطريقة غير شرعية إلى كردستان بشمال العراق على أمل أن يعمل هناك ويجمع المال ويعود إلى بلاده، لكن خطته تغيرت بعد السفر.

«الأوضاع لم تتحسن فى سوريا كما حسبنا، بل ظلت تزداد سوءاً، وعودتى إلى سوريا مرة أخرى أصبحت صعبة جداً، وحتى إذا عدت لن أستطيع أن أبدأ حياتى الزوجية هناك، فكان الحل الوحيد هو أن تأتى خطيبتى إلى كردستان ونبدأ معاً حياتنا خارج الديار»، عرض هذه الفكرة على أهل خطيبته، وبعد مشاورات وافقوا وانتقلت الفتاة إليه ليكلل الزواج فى كردستان بعد سنتين من سفره قصة حب بدأت على الأراضى السورية، إلا أن الاستقرار لم يكن من نصيب «سيامند» وزوجته، فأخذت الأوضاع تسوء فى شمال العراق، ما دفعه لاصطحاب زوجته وطفلته التى رزق بها إلى بلد جديد، يقول: «سافرنا إلى تركيا لأن الظروف لم تعد جيدة فى كردستان، أقمنا فى تركيا لبعض الوقت لكن لم أجد فرصة عمل، وتكاليف الحياة كانت مرتفعة، لم نستطِع الاستمرار فى تركيا وأصبح الخارج هو حلمى الجديد خاصة مع وصول ابنى الثانى الذى وُلد بمرض نقص فى المناعة».

من سوريا إلى كردستان إلى تركيا حتى كانت محطته الجديدة إلى اليونان، فمع أول فرصة لمغادرة تركيا سافر على الفور دون تردد وانتقل إلى البلد الأوروبى العريق الذى يعانى أيضاً ظروفاً اقتصادية صعبة، «أعتقدت أن حياتى فى اليونان ستكون سهلة، لكن هذا لم يكن حقيقياً، فلم أستقر فى عملى وانتقلت بين عدة محلات لبيع الشاورما وإعداد الأطعمة الجاهزة بسبب ضعف الأجر أو لقرار بالاستغناء عن العمالة الجديدة»، تنقل بين أكثر من عمل، وينتظر حالياً إنهاء بعض أوراقه التى تمكنه من الحصول على مهنة أو وظيفة ثابتة باليونان، لكن إيجار الشقة الصغيرة التى يسكن بها لا ينتظره وصاحب المكان لا يمكن أن يرفق بحاله، أصبح الشاب فى سباق مع الزمن وتحت ضغوط كبيرة خاصة أن فى رقبته مسئولية طفلين، لكنه يقاوم هذه الظروف بصحبة زوجته التى جمعه بها حب قديم، ربما يكون الحب هو الشىء الذى ما زال يعطيهما القوة على مواصلة طريقهما برغم كل المحطات الصعبة التى مرا بها فى 5 سنوات فقط: «بالتأكيد تجمعنى قصة حب بزوجتى منذ أن كنا شباباً فى سوريا، كنت سعيداً بقرار زواجنا وسعيداً بوصول طفلتى الأولى ليان، عمرها عامان ونصف العام حالياً، ثم وصول طفلى الثانى إيان، عمره سنة وثلاثة أشهر، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة تحد من سعادة الإنسان».

{long_qoute_1}

لولا الدمار الذى شهدته سوريا ما قرر الشاب الكردى الخروج من وطنه كما يؤكد، «الإنسان إن لم يكن يشعر بالخطر على حياته لا يترك أهله وإخوانه وبيته وبلده أبداً».. كلمات يقولها «سيامند» الشاب الذى أوشك على عامه الثلاثين، ويتمنى لو يقضى هذه المرحلة المقبلة من منتصف عمره داخل الأرض التى ولد عليها بجوار أمه وشقيقيه، يضيف: «أنا لم أرَ أمى منذ 6 سنوات، ما هو شعور الإنسان الذى لم يرَ أمه منذ ٦ سنين، ولا أخاه، ولا أخته، ولا يتصل بهم طيلة هذه الفترة إلا عبر الإنترنت، هذا وضع صعب على أى إنسان، خاصة أنى أشعر بالخطر على أهلى فى سوريا دائماً»، يقول إن كثيراً من الأكراد والسوريين والعرب عموماً يشعرون بتلك المشاعر التى يتحدث عنها، ويؤكد أن أصعب شىء على الإنسان هو أن يحرم من أهله ويعيش فى غربة عنهم، يتابع حديثه: «لا أجد كلاماً للأسف. شىء صعب على أى نفس. الله على الظالم وبس».

لكن بالرغم من كل ذلك، ما زال «سيامند» قادراً على الحلم، «أتمنى أن تتحسن ظروفى لتعيش زوجتى ويعيش أبنائى فى وضع أفضل، وأتمنى أيضاً أن أعود إلى سوريا لأرى أمى وإخوتى. الأم هى أغلى شخص فى حياة كل إنسان، أريد أن أراها وأحضنها وأضمها إلىّ»، جزء آخر من آماله وأمنياته يتعلق بطفليه «ليان» و«إيان»، يقول عنهما: «أحلم لهما أن يعيشا فى سلام واستقرار ولا يشعران بالمعاناة مثلى. لا أريد أن يكبر ابنى وهو يشتغل من الصباح لآخر الليل مثلى ويكون عرضة لمغادرة العمل فى أى وقت. ولا أريد لابنتى أن تضطر للسفر خارج ديارها لتتزوج فى بلاد غريبة. أريد لهما أن يتعلما ويدرسا ويجدا العمل المناسب والحياة الكريمة بعيداً عن الحروب والدمار»، كراهية شديدة يحملها الشاب الكردى السورى فى نفسه تجاه الحرب والعنف، يقول: «كلامى ليس سوى نقطة من القهر الموجودة بقلب كل إنسان عانى بسبب الحرب وتشرد بسبب الإرهاب. من حقنا أن نعيش فى سلام وأن نعيش فى حب».


مواضيع متعلقة